أخبار وتقارير

محو الأمية الإعلامية في العالم العربي.. تجارب ورؤى أكاديمية

قبل عشرين عامًا، لم تكن أي جامعة عربية تقدم مساقًا في التثقيف الإعلامي. واليوم، تقدم ما لا يقل عن 150 جامعة مثل هذه المساقات. ويقدم الأردن، الدولة الرائدة في مجال محو الأمية الإعلامية في العالم العربي، هذه المادة من مرحلة الطفولة المبكرة وما بعدها.

ولكن هل تبدو هي المادة نفسها في الغرب؟

يعتقد جاد ملكي، مدير معهد البحوث والتدريب الإعلامي في الجامعة اللبنانية الأمريكية، أن الأمر ليس كذلك. ودرَس «ملكي»، الأستاذ المشارك في الصحافة والدراسات الإعلامية، التثقيف الإعلامي لأول مرة في كلية الصحافة بجامعة ميريلاند في الولايات المتحدة.

«أُطلقُ عليها اسم محو الأمية الإعلامية للمضطهدين.. دول العالم الثالث عبارة عن بلدانٍ لا تستفيد من المركز. نحن في الجنوب العالمي ولدينا الكثير من المشكلات المختلفة. ما يعتبر أمرًا مفروغًا منه في دول الشمال العالمي في بعض الأحيان ليس له وجود حتى في دول جنوب العالم».

جاد ملكي، مدير معهد البحوث والتدريب الإعلامي في الجامعة اللبنانية الأمريكية

ومن واقع خبرته وتجربته، يقول لـ«الفنار للإعلام»: «الأهم بالنسبة لنا ليس مجرد تعليم الطلاب المفهوم الغربي لمحو الأمية الإعلامية، لأن ما نحتاجه في العالم العربي مختلف تمامًا، وخاصة في دول مثل لبنان وسوريا وفلسطين والعراق والأردن، الدول المنكوبة بالحرب، وغير المستقرة اقتصاديًا أو سياسيًا أو غير ذلك».

وأضاف: «ما نقوله هو أن الجامعات بحاجة إلى بناء القدرة على محو الأمية الإعلامية الخاصة بها، والتي تتناول مجتمعاتها، ومنهج محو الأمية الإعلامية المتأصل في مشكلاتهم ذات الصلة بالقضايا الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، وليس مجرد استيراد مناهج دراسية من الخارج حول قضايا أقل أهمية، أو أقل صلة بمجتمعاتها».

محو الأمية الإعلامية في العالم العربي.. تجارب ورؤى أكاديمية
جاد ملكي، مدير معهد البحوث والتدريب الإعلامي في الجامعة اللبنانية الأمريكية. (LAU).

وتابع: «أُطلقُ عليها اسم محو الأمية الإعلامية للمضطهدين.. دول العالم الثالث عبارة عن بلدانٍ لا تستفيد من المركز. نحن في الجنوب العالمي، ولدينا الكثير من المشاكل المختلفة. ما يُعتبر أمرًا مفروغًا منه في دول الشمال العالمي، في بعض الأحيان، ليس له وجود حتى في دول جنوب العالم».

وألّف «ملكي» كتابًا بعنوان «محو الأمية الإعلامية للمضطهدين»، ونشرته دار روتليدج البريطانية، ومن المتوقع أن يصدر في الأشهر القليلة المقبلة. يأمل «ملكي» أن يُترجم أيضًا إلى اللغة العربية.

تغطية الحرب والتحيز الإعلامي

يبدو «ملكي» سعيدًا للغاية بنتائج عشر سنوات من العمل في مجال محو الأمية الإعلامية في لبنان.

قال: «مع ما أراه الآن يحدث في فلسطين – من الإبادة الجماعية والمذابح والقتل – أرسل لي بعض المشاركين السابقين في دوراتنا رسائل إلكترونية. وقال أحدهم في رسالته: بينما شاهدت الأخبار اليوم، أتذكر كل ما تعلمته في مختبرك، كل تحليل الصور، وتحيز القصة الإخبارية، والمصادر».

وأضاف: «أنا فخورٌ جدًا بالفريق الذي عمل معي في ذلك، وما حققناه حتى الآن. آمل أن يكون ذلك قد ساهم على الأقل إلى حدٍ ما في مراقبة الواقع، والتحقق من تحيز وسائل الإعلام في هذا الصراع».

ويرى «ملكي» أن الأمر يعتمد على الحدث الإخباري، لكن معظم اللبنانيين، فيما يتعلق بالحرب الحالية في غزة، «يتابعون القنوات الإخبارية التلفزيونية «الميادين» و«المنار» و«الجزيرة» – وجميعها تؤيد المقاومة – لكن الجزيرة أكثر توازنًا، في حين أن قناتي الميادين والمنار أكثر تحزبًا»، وفق تعبيره.

علاوة على ذلك، يحصل الكثيرون على معلوماتهم من وسائل التواصل الاجتماعي. قال: «يشترك كثيرون في مجموعات واتساب، وانستغرام، وتيك توك، وتويتر (موقع X الآن)..».

قال: «لا أوصي بمؤسسات معينة. وأحثُهم على اختيار مصادر متنوعة، والتثبت من الحقائق، والتعرف على مصداقية تلك المصادر، وميولها السياسية وتحيزاتها. نحن نعلمهم أيضًا كيفية التعرض الانتقائي للجماهير. لا يقتصر الأمر على وسائل الإعلام فحسب، فنحن نميل إلى اختيار الوسائط التي تؤكد وجهات نظرنا الخاصة، لذلك نتحدث عن فقاعات الترشيح وغرف الصدى».

اقرأ أيضًا: باحثون عرب يوظفون الذكاء الاصطناعي لمحاربة الأخبار المزيّفة

وقال «ملكي» إنه بالاعتماد على التمويل، الذي كان يأتي في الماضي من السفارات النرويجية والكندية والأمريكية، أو خدمة التبادل الأكاديمي الألمانية (DAAD)، كان هناك عادةً حوالي 100 شخص سنويًا في دورة معهد أبحاث الإعلام والتدريب، ونصفهم تقريبًا من الصحفيين والأكاديميين والناشطين».

وأضاف: «يؤثر هؤلاء الأشخاص على الآخرين، والذين ينبهون الآخرين إلى التحيزات، وغرف الصدى، والمعلومات الكاذبة، والذكاء الاصطناعي، والافتراءات. الأكاديميون هم من يقوم بتدريس التثقيف الإعلامي، وبذلك يكون هناك عامل مضاعف».

التدريب المبكر في الأردن

على صعيدٍ آخر، يُعد الأردن الدولة العربية الوحيدة التي تجاوزت دورات التثقيف الإعلامي الجامعية إلى تدريس المادة في المدارس. وقالت ميرنا أبو زيد، عميدة معهد الإعلام الأردني، لـ«الفنار للإعلام»، إنه حتى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 أو 5 سنوات في الأردن يحصلون على نوع من الدروس الأساسية حول التثقيف الإعلامي.

وقالت «أبو زيد» إن الأميرة ريم العلي، الزوجة الجزائرية للأمير الأردني علي بن الحسين، أدخلت التثقيف الإعلامي إلى البلاد. وقبل أربع سنوات، كلفت باسم الطويسي، العميد السابق لمعهد الإعلام الأردني، ووزير الثقافة، بوضع استراتيجية وطنية. وتقوم الاستراتيجية على أربع ركائز: الشباب، والتعليم، والإعلام، والمجتمع المدني.

«قدمنا مادة الذكاء الاصطناعي لنوضح لهم كيف يمكن نشر المعلومات، والمعلومات المضللة، وكيف يمكن مكافحة المعلومات المضللة».

ميرنا أبو زيد، عميد معهد الإعلام الأردني

تُدرَّس المادة في المدارس التي ترشح المراهقين للالتحاق بالبرامج الصيفية للمعهد. وقالت إنه قد تكون هناك في العادة خمس دورات تدريبية لمدة أسبوع تضم 20 إلى 30 شخصًا. ويعتمد العدد على التمويل المقدم من الجهات المانحة، ومن بينها «دويتشه فيله»، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والاتحاد الأوروبي.

ويدير معهد الإعلام الأردني أيضاً مركز التربية الإعلامية والمعلوماتية في الصيف، والتي اجتذبت العام الماضي طلاب الصحافة وأعضاء هيئة التدريس من 10 دول عربية. قالت: «قدمنا الذكاء الاصطناعي لنوضح لهم كيف يمكن نشر المعلومات، والمعلومات المضللة، وكيف يمكن مكافحة المعلومات المضللة».

ميرنا أبو زيد، عميد معهد الإعلام الأردني. (JMI).

وخلال الفعاليات، طُلب من المشاركين ابتكار مقاطع فيديو، وبعض الألعاب حول محو الأمية الإعلامية. قالت: «بعدها، طُلب من أعضاء هيئة التدريس الذين تم تدريسهم تطوير منهجٍ، وأساليب للتفكير النقدي لتعليم طلابهم».

اقرأ أيضًا: «info360».. منصة إلكترونية من جامعة «موناش» الأسترالية لمكافحة الأخبار المزيفة

وفي عام 2018، فاز معهد الإعلام الأردني بجائزة اليونسكو لعمله في مجال التربية الإعلامية والمعلوماتية. وقبل عامين، قرر مجلس وزراء الإعلام والمعلومات العرب أنه ينبغي لجميع الدول العربية أن يكون لديها استراتيجيات وطنية للتثقيف الإعلامي والمعلوماتي، وطلبوا من الأردن مشاركة تجربته في هذا المجال. وكان من المفترض أيضًا أن ينظم الأردن الأسبوع العالمي للتثقيف الإعلامي والمعلوماتي الذي تنظمه اليونسكو في شهر أكتوبر/تشرين الأول، إلا أنه تم تأجيله بسبب الحرب في قطاع غزة.

المصداقية والهراء

أوضحت «أبو زيد» أن «الصعوبة الأساسية، عندما يبدأ الطلاب دراسة المادة، تكمن في منحهم القدرة على التمييز بين المصدر الموثوق والهراء. ومع مرور الوقت، يصبحون قادرين على معرفة أن المصادر لا تتمتع بنفس المستوى من المصداقية، ونحن نعلمهم أنه لا ينبغي لهم مشاركة المحتوى قبل تقييمه والتحقق منه: التفكير النقدي».

وأضافت: «إذا أخذنا جائحة فيروس كورونا، سنجد أن وسائل الإعلام القديمة، بسبب ميثاقها الأخلاقي وإرشاداتها المهنية، حظيت بثقة أكبر. المصادر الموثوقة هي التي تقبل تحمُّل المسؤولية إذا كانت معلوماتها غير دقيقة، أو تسببت في ضرر».

«إذا اعتبرنا أن معظم معلوماتنا تأتي من وسائل الإعلام، فنحن بحاجة إلى مساعدة مواطنينا على تقييم المعلومات لاتخاذ قرارات أفضل في الحياة».

ميرنا أبو زيد، عميد معهد الإعلام الأردني

في غزة، ونظرًا لتسارع وتيرة الأحداث – تقول ميرنا أبو زيد – أحيانًا لا يكون الصحفيون في الميدان للتحقق من المعلومات «لذا يجب عليهم التعامل معها بحذر، ولحماية أنفسهم من الدعاية يجب عليهم تقييم المصدر، والأهداف من وراء المعلومات. في الوقت الحالي، ونظرًا لأن ما نراه مروعٌ للغاية، فإننا نحاول حملهم على حماية أنفسهم عاطفيًا، خاصة ضد خطاب الكراهية، والعنف الرقمي».

محو الأمية الإعلامية في العالم العربي.. تجارب ورؤى أكاديمية
معهد الإعلام الأردني (JMI).

كما ترى أن تقدم المجتمعات والديمقراطية يتطلب وجود مواطنين مستنيرين يمكنهم اتخاذ قرارات مستنيرة. وبشكل مجمل، تضيف: «إذا اعتبرنا أن معظم معلوماتنا تأتي من وسائل الإعلام، فنحن بحاجة إلى مساعدة مواطنينا على تقييم المعلومات لاتخاذ قرارات أفضل في الحياة».

اقرأ أيضًا: 

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى