مقالات رأي

التعليم متعدد التخصصات.. الطريق إلى تطوير المهارات وتعزيز المساواة بالجامعات

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

تختلف المهارات المطلوبة والوظائف المتوفرة في سوق العمل اليوم إلى حد كبير عمّا كانت عليه منذ سنوات قليلة، حيث يتزايد اهتمام الحكومات، والشركات، والأفراد بتحديد المهارات التي تلبي متطلبات الأعمال في الحاضر، والتنبؤ بما ستكون عليه في المستقبل.

على سبيل المثال، يمثل حل المشكلات المعقدة مهارةً رئيسية، ومطلوبة، في حوالي 36% من الوظائف، ويحتاج إتقان هذه المهارة إلى الإبداع والقدرة على التكيف مع المواقف المتغيّرة. كما تشتمل المتطلبات المتوقعة للعديد من القطاعات في سوق العمل على المهارات الاجتماعية، مثل: التواصل، والذكاء العاطفي، والقدرات الإدراكية، مثل: الإبداع، والمهارات الحسابية، والمهارات المتخصصة، والتفكير الناقد. فلذلك، ينبغي على المؤسسات التعليمية تصميم مناهج متعددة التخصصات، قائمة على مهارات مستدامة، وتتيح للطلبة ممارسة هذه المهارات، وبالتالي تعزيز المهارات الشخصية، والعقلية، المطلوبة ليصبحوا أعضاءً منتجين في المجتمع.

اقرأ أيضًا: (رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة: الفنون الليبرالية أفضل أنواع التعليم.. وتداخل التخصصات يسد فجوة المهارات).

وأدرك العلماء ضرورة الاعتماد على تخصصات متعددة لحل بعض المشكلات المعقدة، التي تتعذر معالجتها، ضمن مجال بحث منفرد. وتبرز هذه الفكرة، بوضوح، في آثار التغير المناخي على المجتمع، والبيئة، والتنمية المستدامة.

أدرك العلماء ضرورة الاعتماد على تخصصات متعددة لحل بعض المشكلات المعقدة، التي تتعذر معالجتها، ضمن مجال بحث منفرد. وتبرز هذه الفكرة، بوضوح، في آثار التغير المناخي على المجتمع، والبيئة، والتنمية المستدامة.

وتتمثل المنهجية المناسبة لمعالجة وحل هذه المشكلات في تعاون الخبراء من تخصصات متنوعة، مثل العلوم الطبيعية، والهندسة، والعلوم الاجتماعية، لدراسة هذه المشكلات، وتحديد أسبابها، ونتائجها، ووضع الحلول المناسبة لها. كما يعتمد الباحثون على فحص، وتحليل ديناميكيات البحث متعدد التخصصات، لتجنب الأخطاء، وتعزيز الأساس المنهجي لعملهم.

وعلى سبيل المثال، طلبت «الجمعية الطبية الأمريكية» اعتماد مجال الرعاية الصحية عن بُعد، بوصفه كفاءة أساسية لطلبة الطب، انطلاقًا من إدراكها للدور المحوري الذي يلعبه التطبيب والرعاية الصحية عن بُعد في تقديم الخدمات الصحية في المستقبل. ويكشف أحد الأبحاث عدم اعتماد الكثير من الأطباء على الرعاية الصحية عن بُعد، على الرغم من اهتمام المرضى المتزايد بهذا النمط الصحي. ويعود السبب في ذلك إلى عدم امتلاك هؤلاء الأطباء معلومات وافية عنها.

وفي هذا السياق، يشكل تطوير التعليم، والبحث، والتدريب متعدد التخصصات هدفًا أساسيًا للعديد من برامج المؤسسات التعليمية، وطموحاتها العامة، في السنوات الأخيرة. ويتمثل جوهر منهجية التعليم متعدد التخصصات في تكوين شراكات مع القطاعات المختلفة، وتقديم برامج تعليمية تتمحور حول التحديات الواقعية، واستخدام منهجيات تتضمن خوض الطلبة تجارب عمل فعلية. كما يستلزم تقديم الدورات الدراسية القائمة على المشاريع – إلى جانب الاستراتيجيات متعددة التخصصات – تحقيق التعاون بين الأطراف الخارجية، وأعضاء هيئة التدريس، مما يوفر للطلبة توجيهًا فاعلًا من الجهتين. وتتيح هذه المنهجية للطلبة تعزيز مهاراتهم الإدراكية، فضلًا عن فهم قدراتهم، وإمكاناتهم الخاصة والعمل مع الآخرين.

اقرأ أيضًا: (البحريني نادر كاظم لـ«الفنار»: حبس المعارف في صناديق التخصصات «سجن أكاديمي»).

وتقدم جامعة زايد في دولة الإمارات العربية المتحدة مثالًا بارزًا على تطبيق هذه الاستراتيجية؛ حيث تعتمد منهاجًا تعليميًا متعدد التخصصات، يتمحور حول حل المشكلات الواقعية باستخدام منهجيات التعلم الفعّال، مما يضمن مشاركة الطلبة وتفاعلهم بشغف في صفوفهم الدراسية، وتعزيز مهارات التفكير الناقد والإبداعي لديهم.

يضمن التعليم متعدد التخصصات تزويد الطلبة بالمعرفة، والمهارات من مجالات متنوعة، مع تعزيز مساعي صنّاع السياسات تجاه تحقيق العدالة والشمولية.

ويشارك الطلبة، منذ البداية، في تجارب تعلم عملية ومباشرة بالتعاون مع جهات التوظيف، حيث يعالجون التحديات الواقعية التي يمكن أن تواجههم خلال مسيرتهم المهنية. ويكتسبون مع مرور الوقت البراعة اللازمة التي تخوّلهم العمل مع الشركات وحل المشكلات الواقعية، والارتقاء، تدريجيًا، بمستويات التعاون والاستقلالية والثقة بالنفس لديهم. ويتمثل دور التعليم العالي ضمن هذا السياق في تحفيز الابتكار، مما يعزز قدرته على المساهمة في توفير مزايا اقتصادية طويلة الأمد من خلال تفاعله مع المجتمع. ويشمل هذا الدور الارتقاء بمستويات القوى العاملة المحلية، وتكريس التطورات التقنية في مختلف القطاعات، وتعزيز جاذبية البيئة المحلية أمام رواد الأعمال.

د. ساندرا بارودي، أستاذة مساعدة في كلية الدراسات متعددة التخصصات بجامعة زايد (بإذن من المصدر).

ويجب أن يساهم التحول نحو الاستدامة ضمن التعليم العالي في تعزيز وجهات النظر والحوارات الأخلاقية، فضلًا عن تطوير الجوانب متعددة التخصصات، وتلك التي تتجاوز حدود هذه التخصصات. وركز الباحثون والأكاديميون على مدار العقود الستة الماضية على أهمية التكنولوجيا، وكيفية دمجها في المنظومة التعليمية، حيث تضيف قيمة كبيرة إلى قطاع التعليم وتؤثر على أداء الطلبة وإنجازاتهم، إلا أنها تطرح العديد من التساؤلات التي تتعلق بالمساواة على وجه الخصوص. وبرز هذا التفاوت، بوضوح، خلال أزمة كوفيد-19؛ حيث توقف بعض الطلبة عن تلقي التعليم لفترات طويلة، وصلت إلى سنوات، بسبب محدودية الوصول إلى الأجهزة الإلكترونية، والاتصال بالإنترنت.

اقرأ أيضًا: (ربط المناهج بسوق العمل ومضاعفة الكليات التطبيقية.. خطة سعودية للارتقاء بالجامعات).

ويضمن التعليم متعدد التخصصات تزويد الطلبة بالمعرفة، والمهارات من مجالات متنوعة، مع تعزيز مساعي صنّاع السياسات تجاه تحقيق العدالة والشمولية. وتوفر التخصصات المتنوعة مختلف المعارف والمنهجيات والأفكار التي تساعد على إيجاد الحلول للمشكلات الواقعية، وتعزيز منهجية صنع القرار الشاملة بمشاركة جميع المعنيين، مما يؤكد أهمية دمج التعليم متعدد التخصصات في المناهج الدراسية، بما يساعد المتعلمين على الوصول إلى فهمٍ عميقٍ وشاملٍ للمشكلة المطروحة والحلول المبتكرة الممكنة.

يلعب اعتماد المنهجية متعددة التخصصات في التعليم دورًا محوريًا في اكتساب المعرفة، ولكن ضمن هذا السياق، يجب أن تتماشى السياسات والاعتمادات مع هذه الرؤية، وأن تدعم التعديلات المطلوب إجراؤها في البرامج التعليمية، لتسهيل تزويد الطلبة بمهارات التعلم المستمر، وضمان انسجام هذه البرامج مع المهارات المطلوبة لسوق العمل.

وتركز المنهجية متعددة التخصصات الصحيحة على احتضان مختلف الأفكار ووجهات النظر، مما يشجع التفكير الناقد، والتحليل، والنقاشات المفتوحة حول قيم العدالة والشمولية، ضمن بيئات متعددة التخصصات، وبالتالي تعزز الثقة المتبادلة بين الطلبة والمؤسسات التعليمية، وبين المؤسسات التعليمية، ومختلف قطاعات العمل.

ولا ينحصر اكتساب المعرفة ضمن نطاق الجامعات فحسب، ما يؤكد ضرورة إعادة النظر في أهمية مؤسسات التعليم العالي وجدواها على المدى البعيد. ولذلك، يلعب اعتماد المنهجية متعددة التخصصات في التعليم دورًا محوريًا في اكتساب المعرفة، ولكن ضمن هذا السياق، يجب أن تتماشى السياسات والاعتمادات مع هذه الرؤية، وأن تدعم التعديلات المطلوب إجراؤها في البرامج التعليمية، لتسهيل تزويد الطلبة بمهارات التعلم المستمر، وضمان انسجام هذه البرامج مع المهارات المطلوبة لسوق العمل.

*الدكتورة ساندرا بارودي، أستاذة مساعدة في كلية الدراسات متعددة التخصصات بجامعة زايد – الإمارات العربية المتحدة. حاصلة على درجة الدكتوراه في القيادة والإدارة والسياسة في التعليم من الجامعة البريطانية في دبي، وهي خبيرة في القيادة، والإدارة في التعليم.

اقرأ أيضًا:

ابحث عن أحدث المنح الدراسية من هنا. ولمزيد من القصص، والأخبار، اشترك في نشرتنا البريدية، كما يمكنك متابعتنا عبر فيسبوك، ولينكد إن، وتويتر، وانستجرام، ويوتيوب

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى