مقالات رأي

كيف يعزز التعليم الشامل السلام في مواجهة خطاب الكراهية؟

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

يمثل التعليم حجر الأساس في جهود تنمية المجتمع وتعزيز السلام. ومع ذلك، يواجه الطلاب في العالم العربي العديد من التحديات التي تعوق رحلتهم التعليمية، وتعرقل مسيرة التقدم الاجتماعي والاقتصادي. وفي هذا المقال، نسعى إلى التعمق في تعقيدات المشهد التعليمي في العالم العربي، مع التأكيد على الحاجة الملحة إلى الإصلاح للتغلب على هذه التحديات وتحقيق مستقبل أكثر شمولًا وازدهارًا.

من القضايا الملحة تأثير التوترات الجيوسياسية على إمكانية الوصول إلى تعليمٍ جيد، إذ تعطل الصراعات والنزاعات الدراسة، وتحرم عددًا لا يحصى من الأطفال من حق التعلم في بيئة آمنة. وأفكر هنا، على نحوٍ خاص، بالطلاب والأطفال الفلسطينيين الذين يواجهون الاضطرابات والفوضى الناجمة عن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وأشير أيضًا إلى العديد من الأطفال الصحراويين النازحين من الصحراء الغربية.

وإلى جانب الحروب وانعدام الاستقرار الجيوسياسي، يشكل خطاب الكراهية عائقًا آخر أمام التعليم، ولاسيما في منطقة تتميز بالتنوع الثقافي والديني. إن مواجهة خطاب الكراهية أمرٌ حيوي، حيث يحتاج الطلاب إلى تعليم لا يقتصر على نقل المعرفة فحسب، بل ينمي فيهم أيضًا قيم التسامح والتفاهم. وفي العالم العربي، حيث يشكل التنوع مصدر قوة، وفي بعض الأحيان مصدرًا للتوتر، يصبح تعزيز بيئة تعليمية شاملة أمرًا حتميًا.

بالإضافة إلى ذلك، تشكل الفوارق الاقتصادية حواجز أمام التعليم في العديد من البلدان العربية؛ فبينما يتمتع بعض الطلاب بإمكانية الوصول إلى أحدث المرافق، يواجه آخرون نقصًا في الموارد مما يعوق تجربة تعليمهم. ويتطلب سد هذه الفجوة جهودًا متضافرة من جانب الحكومات والمنظمات غير الحكومية والمجتمع الدولي.

ينطوي تعزيز السلام ومكافحة خطاب الكراهية من خلال التعليم الشامل على خلق بيئة لا تعترف بالتنوع فحسب، بل تحتفي به بشكل فعال وتدمجه في كل جوانب التجربة التعليمية. وفيما يلي بعض الأساسيات لكيفية تحقيق ذلك:

1. احتضان التنوع الثقافي: يعد التعليم الشامل ركيزة أساسية لتعزيز السلام ومكافحة خطاب الكراهية في العالم العربي. ولتحقيق ذلك، يجب على الأنظمة التعليمية تبنّي التنوع الثقافي بشكل فعّال ضمن هيئاتها الطلابية والتدريسية. ويتضمن ذلك الاعتراف بالنسيج الغني من الثقافات والتقاليد والخلفيات الموجودة في العالم العربي واحترامه والاحتفاء به. يجب أن تمتد الشمولية إلى ما هو أبعد من مجرد الاعتراف بالتنوع، بهدف خلق بيئة لا يشعر فيها كل طالب بالقبول فحسب، بل بتقدير مساهماته الفريدة أيضًا.

2. تعزيز البيئة الشاملة: ينطوي خلق بيئة تعليمية شاملة على أكثر من مجرد تعديلات على المناهج الدراسية؛ فهو يتطلب نهجًا شاملًا. ويشمل ذلك تعزيز السياسات والممارسات والأنشطة اللامنهجية الشاملة التي تشرك الطلاب من خلفيات مختلفة بشكل فعّال. يعزز التعليم الشامل الشعور بالانتماء، ويعزز الاحترام المتبادل والتفاهم بين الطلاب، بغض النظر عن اختلافاتهم الثقافية أو العرقية أو الدينية.

3. مراجعة شاملة للمناهج: من الاستراتيجيات الفعالة لتعزيز الشمولية إجراء مراجعات شاملة للمناهج الدراسية. وهذا يتجاوز مجرد الاعتراف بوجود وجهات نظر متنوعة؛ بل تتضمّن إدماجًا لوجهات النظر تلك في جوهر المواد التعليمية. يمكن لموضوعات مثل التاريخ والأدب والعلوم الاجتماعية أن تستفيد من ضخ محتوى يعكس تعددية التجارب داخل العالم العربي.

4. تضمين المناهج الدراسية وجهات نظر متنوعة: يجب أن تتضمن مراجعات المناهج محتوى يعكس التجارب التاريخية والثقافية والاجتماعية لمختلف مكونات العالم العربي. ويشمل ذلك سرديات من أعراق وأديان وخلفيات اجتماعية واقتصادية مختلفة. ومن خلال تقديم صورة أكثر دقة وتمثيلًا لتاريخ المنطقة ومجتمعها، يمكن للمناهج الدراسية أن تساهم في كسر الصور النمطية وتعزيز التعاطف بين الطلاب. 

5. تشجيع التفكير النقدي: يتضمن التعليم الشامل أيضًا تدريب الطلاب على مهارات التفكير النقدي. من خلال تشجيع الطلاب على التشكيك في الصور النمطية، وتحدي التحيزات، والتفكير النقدي حيال القضايا التاريخية والمعاصرة، يمكن للمعلمين تمكينهم من تكوين آراء مستنيرة بناءً على فهم دقيق لوجهات النظر المتنوعة. يزوّد نهج التفكير النقدي هذا الطلاب بالأدوات اللازمة لتحليل المعلومات بشكل نقدي، ومواجهة تأثير خطاب الكراهية.

«ينطوي تعزيز السلام ومكافحة خطاب الكراهية من خلال التعليم الشامل على خلق بيئة لا تعترف بالتنوع فحسب، بل تحتفي به بنشاط وتدمجه في كل جوانب التجربة التعليمية».

6. تسهيل الحوار والتواصل: يتطلب تعزيز السلام تشجيع التواصل المفتوح والمحترم بين الطلاب. يمكن للمؤسسات التعليمية تنظيم منتديات ومجموعات نقاش وورش عمل من شأنها تشجيع الحوار حول مواضيع حساسة. توفر هذه المبادرات للطلاب فرصًا للتعبير عن وجهات نظرهم، وتبادل الخبرات، وتطوير فهم أعمق للتنوع الثقافي في العالم العربي.

خاتمة

من خلال دعم التعليم في العالم العربي، فإننا لا نساهم في تمكين الأفراد فحسب، بل نساهم أيضًا في تعزيز استقرار وازدهار المنطقة بأسرها. إن ضمان حصول كل طالب، بغض النظر عن خلفيته أو ظروفه، على فرصة الوصول إلى تعليمٍ جيد، وتعزيز جيل مجهّز لمواجهة خطاب الكراهية وتعزيز السلام، مسؤولية جماعية. أتمنى أن يمهد التزامنا بالتعليم الطريق لمستقبل أكثر إشراقًا وأكثر شمولًا. وبالتالي، يتمثّل دورنا في جعل التعليم حافزًا للتغيير الإيجابي، قادرًا على كسر الحواجز، وتنشئة جيل قادر على بناء الجسور بدلًا من الجدران.

نوال عبد اللطيف مامي، نائب رئيس جامعة محمد لمين دباغين سطيف 2 للعلاقات الخارجية بالجزائر، ومن دُعاة تعزيز تعليم المواطنة العالمية في المدارس والجامعات.

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى