أخبار وتقارير

بالتعاون بين جامعات جزائرية وأوروبية.. مشروع لإدماج الطلاب اللاجئين في التعليم العالي

بعد الفرار من بلدانٍ مزقتها الحروب والبحث عن ملجأ في الجزائر، وجد العديد من الطلاب أملاً جديدًا هناك بعد أن فتحت الجامعات الجزائرية، ومشروع Ci-RES، بالتعاون مع اتحاد الجامعات المتوسطية «يونيميد» (UNIMED)، الأبواب لدمج هؤلاء في مؤسسات التعليم العالي الجزائري.

جابَ رونالد تتيس، اللاجئ من زيمبابوي، العديد من ولايات الجزائر، قبل أن يجد العون من خلال مشروع Ci-RES. أخيرًا، حصل «تتيس» على عنوانٍ حقيقي دائم، وتفوق في دراسته بجامعة قاصدي مرباح في ورقلة، وهي مدينة على بعد 500 ميل جنوب الجزائر العاصمة.

ويقول «تتيس» لـ«الفنار للإعلام»: «أنا من أسرة منخفضة الدخل في زيمبابوي. بالنظر إلى عدم الاستقرار في البلاد والأزمات السياسية المتتالية، قررتُ الحصول على شهادة البكالوريا وإيجاد طريقة للخروج، وقد كانت وجهتي الجزائر». بالنسبة له، كان المشروع طوق نجاة، حيث يضيف: «لقد جعلني المشروع أؤمن حقًا بوجود عالمٍ عادل يوفر التعليم للجميع».

دمج اللاجئين في التعليم العالي

كغيرها من البلدان التي اتخذت نفس النهج، أخذت الجزائر على عاتقها مهمة دمج الطلاب اللاجئين في جامعاتها من خلال مشروعات مثل CI-RES. وعلى مدار ثلاث سنوات، ساعد المشروع، الذي انتهى رسميًا في كانون الثاني/ يناير، اللاجئين من مناطق متباعدة مثل فلسطين، في الشرق الأوسط، وزمبابوي في الجنوب الإفريقي، والصحراء الغربية، المستعمرة الإسبانية السابقة في شمال غرب إفريقيا، حيث تتحدى مجموعة تمثل السكان المحليين الرواية المغربية بأحقية السيادة عليها.

اقرأ أيضًا: توصيات أممية لتسهيل وصول اللاجئين إلى التعليم العالي في الدول المضيفة

تلقى مشروع Ci-RES دعمًا من المفوضية الأوروبية في إطار برنامج إيراسموس بلس Erasmus +. وأشرفت نوال عبد اللطيف مامي، نائب الرئيس للعلاقات الخارجية في جامعة محمد لمين دباغين سطيف 2 الجزائرية، على تنسيق المشروع.

«كنا تائهين؛ لم نكن نعرف ما يتوجب علينا القيام به، فقد أُغلقت أبواب التعليم أمامنا. بعدها، أشرق مشروع Ci-RES في حياتي وأعاد إحياء أحلامنا. هذا المشروع هو المنقذ لمستقبل آلاف اللاجئين الذين تركوا أوطانهم بسبب الأزمات السياسية والحروب الأهلية والتدخلات الخارجية».

حمة نافع سلمة، طالب من الصحراء الغربية يدرس القانون والعلوم الإدارية في جامعة محمد لمين دباغين – سطيف 2، في الجزائر.

وتقول «مامي» لـ«الفنار للإعلام» إن بناء القدرات المؤسسية لدمج اللاجئين من دول مختلفة من الشرق الأوسط وإفريقيا في مؤسسات التعليم العالي الجزائري، شكّل تحديًا، حيث واجه الطلاب مشكلات على المستويين التربوي والإندماجي. وتوضح أن هؤلاء الطلاب «لم يكونوا يعرفون البيئة ولم يكن لهم أصدقاء. وجد البعض الثقافة مختلفة بعض الشيء، فيما لم يكن البعض الآخر يفهم اللغة العربية. ومن جانبٍ آخر، يتحدث طلاب الصحراء الغربية اللغة الإسبانية بدلاً من الفرنسية».

وتقول إن جميعهم يرغب في العودة والعيش بشكلٍ طبيعي في بلدانهم الأصلية «لأن الحياة في المخيمات قاسية للغاية. علاوة على ذلك، فإنهم يفتقرون إلى فرص لاستكمال الدراسات العليا، لأنهم لا يستطيعون تحمل تكاليفها».

اقرأ أيضًا: نوال مامي نائب مدير جامعة سطيف 2 بالجزائر لـ«الفنار»: نحتاج مراجعة برامجنا التعليمية لمواكبة السوق

إلى جانب «يونيميد» ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي الجزائرية، كانت جامعة سطيف 2 واحدة من ثمانية جامعات شريكة في المشروع؛ أربع في أوروبا، وأربع في الجزائر. وشملت قائمة الشركاء الأوروبيين جامعة لاريوخا، وجامعة آكورونيا في إسبانيا، وجامعة بيرغامو الإيطالية، وجامعة باريس 1 بانتيون سوربون الفرنسية. أما الشركاء الجزائريون فهم جامعة قاصدي مرباح في ورقلة، وجامعة عبد الرحمن ميرة في بجاية، وجامعة مولود معمري في تيزي وزو.

وتقول آن-لورانس باستوريني، مبعوثة «يونيميد» للمشروع، إن الترحيب بالطلاب والأساتذة اللاجئين ليس مسؤولية اجتماعية للجامعات في أوروبا أو أمريكا الشمالية وحدها، بل مسؤولية جامعات جنوب الكرة الأرضية أيضًا. وتضيف: «لهذا السبب قام اتحاد الجامعات المتوسطية بتجربة هذا المشروع في الجزائر لدعم الجامعات هناك وفي أماكن أخرى».

التحديات والفرص

كان حمة نافع سلمة من بين عددٍ من طلاب الصحراء الغربية الذين قدموا إلى الجزائر على أمل متابعة تعليمهم العالي في إحدى الجامعات الشريكة لمشروع Ci-RES.

«يُعدّ مشروع Ci-RES أحد أقوى المشروعات ذات التأثير الكامل على المستوى الفردي الشخصي. تتمثل خصوصيته في المشاركة الكاملة للطلاب، بدلًا من التركيز المعتاد على العمداء، ونوابهم، وغيرهم من الموظفين».

آن-لورانس باستوريني، مبعوثة «يونيميد» للمشروع.

ويقول «سلمة»، الذي يدرس القانون والعلوم الإدارية في جامعة سطيف 2: «كنا تائهين؛ لم نكن نعرف ما يتوجب علينا القيام به، فقد أغلقت أبواب التعليم أمامنا. بعدها، أشرق مشروع Ci-RES في حياتي وأعاد إحياء أحلامنا. هذا المشروع هو المنقذ لمستقبل آلاف اللاجئين الذين تركوا أوطانهم بسبب الأزمات السياسية والحروب الأهلية والتدخلات الخارجية».

من جانبه، قال محمود أعلي حمد، وهو طالب آخر من الصحراء الغربية يدرس القانون في جامعة عبد الرحمن ميرة في بجاية: «أجمل ما في هذا المشروع هو تمكين الطلاب اللاجئين من جنسياتٍ مختلفة من تجربة الحياة الجامعية مع زملائهم الطلاب، من حيث التعليم والأنشطة الثقافية والإقامة. هذا لا يجعلنا نشعر بأننا غرباء أو مختلفين على الإطلاق».

https://www.bue.edu.eg/

في السياق نفسه، يقول ساديو كوليبالي، طالب الماجستير من مالي، الذي يدرس في جامعة سطيف 2، إنه كافح للتغلب على الصعوبات في البداية.

ويوضح «كوليبالي»، الذي يدرس الأدب والحضارة الأمريكية والبريطانية: «في البداية، كان من الصعب أن تكون من بلدٍ مختلف ثقافيًا واجتماعيًا وحتى تعليميًا. لكن سرعان ما شعرت أنني ابن هذا البلد. لقد عاملتنا الجامعة وهذا المشروع على قدم المساواة، مع ضمان عدم التمييز بين المواطنين واللاجئين».

عانت مالي والدول المجاورة لمنطقة الساحل الأوسط، على الحدود الجنوبية للجزائر، من عقد من الاضطرابات، وكان «كوليبالي» يائسًا من مواصلة تعليمه. وهكذا أصبح العمل على رأس أولوياته لمساعدة أسرته.

ويضيف «كوليبالي»: «بعث المشروع والدكتورة «مامي» فينا الحياة من جديد من خلال التسجيل في الجامعات الجزائرية لتلقي تعليمنا على يد أساتذة مؤهلين. إن الانتقال من كونك لاجئ حرب إلى طالب جامعي، والتمتع بجميع الحقوق تمامًا مثل مواطني الدولة، لتجربة فريدة من نوعها حقًا».

بالنسبة لهارونا سادي محمدو أمينو، من النيجر، كانت الدراسة في الجزائر طريقه لمتابعة دراسته مستقبلا في إحدى جامعات أوروبا. ويقول «أمينو»، وهو الآن طالب متميز في جامعة قاصدي مرباح في ورقلة: «كنتُ على وشك أن أفقد الأمل في إكمال دراستي بسبب الوضع في النيجر».

أنشطة رياضية ودورات لغوية 

وتقول «مامي»، نائب رئيس جامعة سطيف 2 ومنسقة المشروع، إن المشروع يساعد ما مجموعه 20 لاجئًا، خمسة في كل جامعة جزائرية، كما يشارك فيه عشرة أعضاء هيئة تدريس، و10 أعضاء إداريين. وتضيف إن الهدف هو الترحيب باللاجئين والمساعدة في دمجهم في نظام التعليم العالي، والاهتمام بتسجيلهم، وتحصيلهم الأكاديمي.

وبتفصيل أكثر، تقول: «قدمنا تدريبًا لغويًا ووحدات تدريبية حول حقوق الإنسان والقانون للاجئين. كان لدينا أيضًا أنشطة ثقافية وعلمية ورياضية ملموسة، إلى جانب الاندماج في العالم المهني». وقدّم المشروع تدريبًا في اللغة العربية لغير الناطقين بها، بالإضافة إلى دروس في الفرنسية، وهي لغة التدريس الأكثر شيوعًا في الجامعات الجزائرية، لطلاب الصحراء الغربية الذين يتحدثون الإسبانية، إلى جانب تقديم دروس في اللغة الإنجليزية لمساعدة الطلاب على الاندماج والتواصل مع الجامعات الشريكة الأخرى.

اقرأ أيضًا: تحديات في طريق ترسيخ اللغة الإنجليزية بمدارس الجزائر

وتتحدث «مامي» عن إحدى الذكريات المؤثرة بشكل خاص في مشروع Ci-RES، قائلة: «انطلقنا في قافلة من ورقلة في الجنوب، وجمعنا جميع الطلاب اللاجئين، على طول الطريق إلى بجاية، وهي مدينة ساحلية. هناك، رأى بعض الطلاب البحر لأول مرة، ثم انتقلنا إلى تيزي وزو، وهي مدينة بثقافة وروحٍ أخرى، قبل عقد الحفل الختامي في سطيف مع شركائنا الأوروبيين».

وتضمن الحفل أنشطة رياضية وزيارات ثقافية وطهي. وتشير إلى تنظيم مسابقة «أفضل طاهٍ Top Chef Ci-RES. كانوا جميعًا حريصين على معرفة من قام بطهي أفضل طبق، هل هو من فلسطين أم الصحراء الغربية؟ في النهاية، أعلنا أن أفضل طاهٍ هو مشروع Ci-RES».

التركيز على الإنسان

بدأ مشروع Ci-RES في عام 2020، العام الأول لوباء كوفيد-19. على الرغم من عمليات الإغلاق بسبب الوباء، إلا أن المشروع نجح في تنفيذ برامجه ضمن إطاره الزمني الأولي. وتقول آن-لورانس باستوريني، من «يونيميد»: «يُعدّ مشروع Ci-RES أحد أقوى المشروعات ذات التأثير الكامل على المستوى الفردي الشخصي. تتمثل خصوصيته في المشاركة الكاملة للطلاب، بدلاً من التركيز المعتاد على العمداء، ونوابهم، وغيرهم من الموظفين».

«يكمُن النجاح الأكبر للمشروع في تركيزه على الإنسان. كان هدفنا الحقيقي يتمثّل في العمل معًا كفريق لتزويد هؤلاء الطلاب بالأمل حتى يؤمنوا بأنفسهم ويكونوا قادرين على خلق حياة جديدة».

نوال عبد اللطيف مامي، نائب المدير للعلاقات الخارجية بجامعة سطيف 2، ومنسقة مشروع Ci-RES.

ولذلك، نوقش دليل الترحيب الخاص بمشروع Ci-RES، والذي تم تضمينه في دليل وزارة التعليم العالي الجزائرية الجديد «الدراسة في الجزائر»، مع الطلاب لمعرفة ما إذا كان ذلك كافيًا. وتقول «باستوريني»: «لم يكونوا مجرد مستفيدين، لقد كانوا فاعلين نشطين في العملية برمتها».

وترى «مامي» أن دليل الطالب كان أحد ثلاث نتائج ملموسة للمشروع، إلى جانب إنشاء مكاتب للاجئين في ثلاثة أحرم جامعية، بقيادة الطاقم الإداري الذي تلقى التدريب، وكتابة اللوائح الداخلية. وتشير أيضًا إلى نشر النتيجة التربوية للمشروع بثلاث لغات: العربية والإنجليزية والفرنسية.

ولكن ما يزيد أهمية عن دليل الترحيب واللوائح الداخلية، بحسب «مامي»، وما تراه النجاح الأكبر للمشروع، يكمُن في تركيزه على الإنسان. وعن ذلك تقول: «كان هدفنا الحقيقي يتمثّل في العمل معًا كفريق لتزويد هؤلاء الطلاب بالأمل، حتى يؤمِنوا بأنفسهم ويكونوا قادرين على خلق حياة جديدة».

https://www.bue.edu.eg/

وتعتقد الأكاديمية الجزائرية أن تأثير المشروع «سوف يمتد إلى أبعد من ذلك، من خلال الشبكة الكبيرة والمكاتب التي سيتم توسيعها في الجامعات الأخرى». وتقول إنه بفضل هذا المشروع، تقدمت 22 جامعة إلى سطيف 2 لتكرار نفس الأنشطة وفتح مكاتب مماثلة.

اقرأ أيضًا:

ابحث عن أحدث المنح الدراسية عبر موقعنا من هنا، وشاركنا النقاش عبر مجموعتنا على «فيسبوك» من هنا، وللمزيد من المنح، والقصص، والأخبار، سارع بالاشتراك في نشرتنا البريدية.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى