أخبار وتقارير

نزيف عقول العلماء العرب.. أكاديميون يقترحون حلولًا من الداخل

في حلقة جديدة من سلسلة حوارات «الفنار للإعلام»، ناقش أكاديميون عرب، أزمة هجرة العقول العربية وما يفقده العالم العربي بسبب غياب هذه الإمكانيات، وسبل الوصول إلى بيئة داعمة للباحثين والعلماء العرب، وما يمكن أن يفعله صناع القرار، والجامعات العربية في هذا السياق.

الحلقة التي أقيمت في التاسع والعشرين من يناير/كانون الثاني المنقضي، تم بثها مباشرة عبر تطبيق «زووم»، ومنصاتنا المتنوعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وتأتي هذه الحلقة، التي أدارها رئيس تحرير «الفنار للإعلام»، الكاتب الصحفي محمد الهواري، تحت عنوان: «هجرة عقول العلماء العرب.. أزمة من الداخل»، في ضوء مبادرة المنظمة العربية للتربية والعلم والثقافة «الألكسو» ذات الصلة، والخاصة بإنشاء «شبكة الألكسو للعقول العربية المهاجرة في مجال الأمن الغذائي والمياه والبيئة والصحة».

أسباب الهجرة

قالت رنا الدجاني، أستاذ البيولوجيا الجزيئية بالجامعة الهاشمية بالأردن، إن عدم وجود الفرص هو أحد الأسباب وراء هذه ظاهرة هجرة العقول، حيث يضطر الباحث إلى السفر للخارج لدراسة الدكتوراه، لقلة البرامج في المنطقة العربية، ووجود فرص أكثر في الخارج، موضحة أن الدراسة في الخارج ليست سهلة، وتشهد منافسة قوية بين الأكاديميين، مشيرة إلى أن التحديات في الدول العربية مختلفة وتحتاج إلى قدرات خاصة.

اقرأ أيضًا: (الإنفاق على تحسين فرص الدراسين يطغى على إحياء اليوم الدولي للتعليم).

وأضافت أن السبب الأهم هو عدم شعور الباحث بالحاجة إلى بناء بلاده، وتحمله كل المصاعب التي تواجهه فيها. واستطردت: «لا ألوم الباحثين، لأن كثيرين حاولوا ولم يستطيعوا واضطروا للاستسلام والعودة إلى الخارج، ومن المهم أن يفكر كل شخص في كيفية خدمة بلاده من الداخل، أو من الخارج، بعض النظر عن مكان وجوده». وفيما شددت على أهمية تسخير قدرات الباحثين في الداخل والخارج لخدمة بلادهم، بغض النظر عن موقعهم الجغرافي، انتقدت آليات إسناد المناصب في العالم العربي، قائلة: «المشكلة أن المناصب في مؤسسات بلادنا ليست للأكفاء، ولكنها للمعارف، وهي مشكلة كبيرة».

نزيف عقول العلماء العرب.. أكاديميون يقترحون حلولًا من الداخل
رنا الدجاني، أستاذ البيولوجيا الجزيئية بالجامعة الهاشمية بالأردن

وتابعت الأكاديمية الأردنية: «عندما تضع شخصًا غير مؤهل في منصب عميد كلية أو رئيس جامعة، فهو لا يستطيع خوض مخاطرة بحثية، وربما لم يسبق له التقديم على منحة بحثية في حياته، وبالتالي يمنع غيره من العمل على ذلك حتى لا يظهر ضعفه، وهذا يسري على كل مؤسساتنا وليست الجامعات وحدها. التغيير ليس صعبًا، ويمكن أن يتم وفقًا لآليات يمكن أن تفيد الجميع».

ويتفق عيسى بطارسة، أستاذ الهندسة الكهربائية بجامعة سنترال فلوريدا، مع الدجاني في تأثير وجود الفرص بالخارج على هجرة الباحثين، مضيفًا أن الحروب، وعدم الاستقرار السياسي في المنطقة العربية دفعا الكثير من الطلاب، غالبيتهم من مصر ولبنان، إلى الهجرة نحو الغرب منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ثم فترة الستينات التي أدت إلى زعزعة حقيقية في بلاد الشام. أما في عالم اليوم، فيقول إن انتشار التكنولوجيا، منذ ثمانينيات القرن الماضي، دفعت الكثير من الطلاب للهجرة.

اقرأ أيضًا: (تعاون استراتيجي بين «الفنار للإعلام»و «الألكسو» للنهوض بمستوى التعليم في المنطقة العربية).

وأضاف: «في آخر عشرين سنة، خسرنا الكثير من العقول العربية بسبب توافر الفرص الحقيقية للبرمجة في الغرب، وفي الخليج أيضًا».

عيسى بطارسة، أستاذ الهندسة الكهربائية بجامعة سنترال فلوريدا

وبحسب بطارسة، فإن العوامل التي من شأنها تشجيع الباحثين العرب في المهجر على العودة إلى بلادهم، تشمل:

  1. الفرص الحقيقية للبحث العلمي، ووجود معامل بحثية قوية، ضاربًا المثال بدولة قطر، وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا (كاوست) في السعودية.
  2. الانتماء العاطفي للوطن والأهل، وهذا السبب يستفيد منه دول مثل مصر والأدرن على سبيل المثال.
  3. توافر التمويل المستدام.

انتقال العقول وليس هجرتها

في المقابل، لا تعترف أمل أمين، الرئيس المؤسس لمبادرة «المرأة في العلوم بلا حدود»، بمصطلح «هجرة العقول»، وتقول إنما هو «انتقال العقول». وبتفصيل أكثر أضافت: «هذه ظاهرة تحدث في العالم أجمع، فالباحث الأمريكي يعمل حاليًا في الخليج بحثًا عن الفرصة التي تتوفر له أينما كانت؛ فالعلم سلعة علمية يجب أن تفيد الإنسانية جمعاء».

وتابعت: «افتقاد الحريات الأكاديمية في العالم العربي، وقلة تمويل البحوث، والقوانين المنظمة لذلك، وعدم توافر بيئة البحث العلمي المناسبة، وغياب الوعي العام بأهمية البحوث، والافتقار إلى التعاون بين الباحثين وصانعي القرار والمجتمع، كل هذه أسباب تجعل الباحثين يسعون إلى فرص أخرى».

وتبعًا لذلك، تدعو أمين إلى «تكوين شبكات علمية للباحثين لتفعيل أهداف التنمية المستدامة، ومنها: تكوين الشراكات، والتعاون وتشجيع دبلوماسية العلوم لمنح الباحثين في الداخل الفرصة لتكوين الشراكات، والحصول على المنح والتمويل»، وهو ما من شأنه الحد من الظاهرة. وشددت على أنه يمكن عن طريق الشراكات البحثية تعويض الباحثين عن السفر للخارج، خاصة وأن هذا «الخارج» ليس جنة للباحثين، وليس مناسبًا لكل الباحثين في المراحل العمرية الكبيرة لأن المنافسة تكون «شديدة للغاية».

حلول مقترحة

في خانة الحلول، تشير رنا الدجاني إلى أهمية المبادرة الفردية، إلى جانب الشراكات لخلق فرق عمل على مستوى الدولة، والمنطقة، والعالم لتعظيم فكرة العمل الجماعي، والنشر عن قصص نجاحها.

وتطرقت الأكاديمية الأردنية إلى تجربتها في العمل البحثي، بعد نيلها الدكتوراه، وعودتها من الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قررت العمل على تجارب بحثية جديدة بشكل جماعي على مستوى العالم، وموجودة في البيئة الأردنية. وقالت: «من المهم البحث عن سؤال صحيح لا يمكن لغيرك أن يجيب عنه، ومن هنا سوف يأتي علماء العالم للتعاون معك». وأضافت: «أصبح لدي معمل بحثي كبير منتشر على مستوى العالم، والمهم هو كيفية التفكير في نماذج جديدة نرفع من خلالها أسماء جامعاتنا، وعندما نخلق مثال نجاح فيصبح مثلًا أعلى للجميع».

مبادرة «الألكسو»

وفي ضوء مبادرة «الألكسو»، طرح محمد الهواري سؤالًا: هل وجود العلماء العرب في الخارج يصب في مصلحة أوطانهم أم أن بلادهم بحاجة إلى وجودهم فيها للإسهام في تنميتها؟ وعن هذا السؤال، قال عيسى بطارسة: «كل نقاشنا مع زملائنا يبين أن جاهزيتهم للعطاء قوية جدًا، وهذا يرجع في المقام الأول إلى الانتماء، لأننا ندين لبلادنا بالفضل». مضيفًا: «يجب أن يكون هناك قرار سياسي حقيقي، ومؤسسات لها استراتيجيات تهدف إلى جذب العلماء العرب للتعاون مع مؤسسات بلادهم، وألا يتم ذلك بجهود فردية فقط، وإنما بجهود على مستوى كل دولة».

https://www.bue.edu.eg/

واتفقت الدجاني مع أمين وبطارسة على أهمية التشبيك عبر التخصصات المختلفة، مع ضرورة مشاركة صناعة القرار، وتقوية مجالس العلوم والأكاديميات في العالم العربي، وتشجيع قيام الروابط العلمية الرسمية وغير الرسمية مع تشجيع الشبكات متعددة التخصصات.

نزيف عقول العلماء العرب.. أكاديميون يقترحون حلولًا من الداخل
أمل أمين، الرئيس المؤسس لمبادرة «المرأة في العلوم بلا حدود»،

ورأت أمين أنه يجب تشجيع وجود مستشارين علميين لصناع القرار من الداخل أو الخارج، بالإضافة إلى تحديد احتياجاتنا من العلماء في الخارج والداخل لتفعيل أدوارهم، مع الحث على تصميم برامج خاصة لرفع الوعي العلمي. أما الدجاني فرأت أن البداية «يجب أن تكون من أسفل، والتركيز يجب أن يكون على بناء شعب وأمة مميزة بطريقة مستدامة تبدأ من تغيير أنماط التفكير لدى الفرد، ليغير كل فرد من مكانه، مع رفع الوعي بالعلوم لدى الشعوب، وتشجيع كل إنسان أن يكون مسؤولًا، وهو ما يعرف بأثر الفراشة»، بحسب تعبيرها.

في الختام، أكدت أمين أن الحل يبدأ بتكوين معلومات وافية حول مشكلاتنا العربية. وقالت إن حل هذه المشكلات «لن يأتي سوى من الداخل». وقال بطارسة: «أطالب بالمزيد من التشبيك، والدعم بالقرارات الاستراتيجية، وإتاحة الفرص الحقيقية للباحثين العرب في دولهم». ومن جانبها، أكدت رنا الدجاني على أهمية المبادرات الفردية، قائلة: «المهم أن نفعل شيئًا، وأن تزيد الثقة بأنفسنا وأنه لا يوجد شيء مستحيل».   

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى