أخبار وتقارير

دراسة تتقصى مبادئ المواطنة العالمية في مناهج المدارس الأردنية

في عالم مترابط على نحوٍ متزايد، ويواجه مشكلات مشتركة لا تعترف بالحدود، أصبحت مفاهيم المواطنة العالمية موضوعات شائعة في المؤتمرات العلمية والخطابات التربوية. ومع ذلك، نادرًا ما تتناول العديد من المدارس العربية هذه المفاهيم.

هذا ما تخبرنا به نعيمة الحسبان، أستاذة التربية المشاركة في الجامعة العربية المفتوحة بالأردن، التي تصدت لدراسة واقع تلك المفاهيم في الكتب المدرسية الأردنية، حيث وجدت أنه لم يتم دمجها في المناهج الأساسية إلا بشكل سطحي، وأن ذلك قد تم بطريقة «محدودة، وغير منهجية، وغير متسقة مع إشارات إلى الأبعاد الوطنية، أو الإقليمية عوضًا عن البعد العالمي».

خلال تلك الدراسة المعنونة: «التحقق من دراسة مدى تضمين مفاهيم المواطنة العالمية في الكتب المدرسية الأساسية والثانوية في الأردن»، عكفت «الحسبان» وفريقها، على تحليل 57 كتابًا مدرسيًا في موضوعات اللغتين العربية والإنجليزية، والعلوم، والتربية الاجتماعية في مراحل التعليم الأساسي والثانوي، من رياض الأطفال إلى الصف الثاني عشر.

وتركز دراسة ثانية، استخلصت من ذات المشروع، الذي بدأ في أواخر عام 2019، على وعي المعلمين بمفاهيم المواطنة العالمية، وسيتم نشرها لاحقًا في مجلة ألبرتا للبحوث التربوية (AJER).

في مقابلة مع «الفنار للإعلام»، تقول «الحسبان» إنهم وجدوا تركيزًا ملحوظًا على مفاهيم التعاون، والمسؤولية الاجتماعية، والحقوق والواجبات المحلية، والمواطنة ببُعدها المحلي. بخلاف ذلك، كان هناك تفاوت في تضمين قائمة من 100 مفهوم، مصنفة إلى معارف، ومهارات، وقيم، غاب معظمها عن المناهج.

نُشرت الدراسة، التي استغرقت عامين، في شهر حزيران/ يونيو، وأشرف عليها محمد الطوالبة، عميد كلية التربية في الجامعة العربية المفتوحة. كما تلقت الدراسة دعمًا من الشبكة العالمية لجودة التعليم والتعلم للجميع (EQUAL) في جامعة نيويورك، من بين منظمات أخرى.

التربية من أجل المواطنة العالمية

تعتقد «الحسبان» أن التربية من أجل المواطنة العالمية أمرٌ بالغ الأهمية لضمان تقبل الخريجين للآخرين في عالم يزداد ترابطًا.

وفقًا للأمم المتحدة، تهدف التربية من أجل المواطنة العالمية (GCED) إلى تزويد المتعلمين الشباب بالفهم، والمهارات، والقيم التي يحتاجون إليها للتعاون في حل التحديات العالمية. يسترشد عمل اليونسكو في هذا المجال، في جزء كبير منه، بأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لعام 2030، ولا سيما الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة بشأن التعليم، والبند السابع منه (4.7).

«لسوء الحظ، حتى المعلمات قد يقمن بتهميش الطالب المختلف. يرفض الجميع الطالب ذي التحصيل المنخفض. فإذا كان هذا هو الوضع بالنسبة للأداء الأكاديمي، فما بالك عندما يتعلق الأمر بشخصٍ من ثقافة أو لون أو عرق مختلف؟» 

نعيمة الحسبان، أستاذة التربية المشاركة في الجامعة العربية المفتوحة – الأردن.

في مقابلة مع «الفنار للإعلام»، قالت «الحسبان» إنها، مع زملائها الباحثين، تواصلوا مع الشبكة العالمية لجودة التعليم والتعلم للجميع، وفي بالهم خطة تتعلق بتحقيق الهدف 4.7، والذي يدعو الدول إلى ضمان حصول جميع المتعلمين على المعارف والمهارات اللازمة «لتعزيز التنمية المستدامة، من خلال التربية من أجل التنمية المستدامة وأنماط الحياة المستدامة، وحقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين، وتعزيز ثقافة السلام واللا عنف، والمواطنة العالمية وتقدير التنوع الثقافي، ومساهمة الثقافة في التنمية المستدامة».

وتروي الباحثة كيف أنها تساءلت حول الأدوات اللازمة لإيصال مثل هذه الأفكار العالمية إلى متعلمينا في القرن الحادي والعشرين؟ وتقول إنها خلصت من قراءتها إلى الاعتقاد بأن المواطنة العالمية مظلة تنطوي على جميع المتطلبات التي يمكن أن تساعد الخريجين على امتلاك أدوات المستقبل، مثل ريادة الأعمال، وقبول الآخرين، واحترام أفكار الآخرين، والمسؤولية الاجتماعية، والتفكير النقدي، وحق اللاجئين في التعليم.

ضعف إدماج المفاهيم في المدارس

وتعليقًا على دراسة الكتب المدرسية، تقول «الحسبان»: «على حد علمي، قد يكون هذا المشروع الأكثر شمولاً على المستوى الوطني في هذا المجال. لقد قمنا بتحليل جميع المناهج التي يتم تدريسها في المدارس الأساسية والثانوية في الأردن».

وتشير إلى غياب التكامل المنهجي لمفاهيم المواطنة العالمية من ناحية الترتيب الرأسي والأفقي للمناهج. وتشرح أكثر بالقول: «التنظيم الرأسي للمنهج يعني تقديم المفهوم ببساطة في المراحل الدراسية الأدنى والتوسع فيه مع نمو الطلاب، حتى يكونوا مستعدين للتعامل مع العالم عند التخرج. وهذا غائب عن المناهج».

وتوضح أن التنظيم الأفقي مفقودٌ أيضًا، مشددة على أنه إذا كان الطالب يدرس شيئًا عن نبذ العنف في دورات اللغة العربية، فيجب أن يكون هناك على الأقل تمرين ذي صلة في مادة العلوم في ذات الصف.

كما ترى إمكانية تضمين ذلك في جميع المواد، حيث يمكن أن تحتوي مناهج الرياضيات على مسائل حول عددٍ من الأطفال البيض والسود، حتى يتمكن الطالب من التعرف على الآخر وقبوله. كما يمكن أن تتضمن مناهج العلوم موضوعات مثل التلوث، وتغير المناخ، والتنوع، والكوارث الطبيعية، والتفكير النقدي، حتى نتمكن من تشكيل شخصية المتعلم في المستقبل كمواطن عالمي، بحسب تعبيرها.

وتقول «الحسبان»، التي عملت كمدرسة لعشر سنوات، إن الأبحاث تشير إلى تفضيل الطلاب والمعلمين للتعامل مع أشخاص من أمثالهم. وتضيف: «لسوء الحظ، حتى المعلمات قد يقمن بتهميش الطالب المختلف. يرفض الجميع الطالب ذي التحصيل المنخفض. فإذا كان هذا هو الوضع بالنسبة للأداء الأكاديمي، فما بالك بما يتعلق بشخصٍ من ثقافة أو لون أو عرق مختلف؟». 

توعية المعلمين

وتستهدف الدراسة الثانية في المشروع، تحديد مدى وعي المعلمين بمفاهيم التربية من أجل المواطنة العالمية، واكتشاف مدى اختلاف مستويات الوعي عبر المتغيرات الديموغرافية المختلفة.

في هذه الدراسة، أجرى الفريق استبيانًا شمل 4,305 معلمًا في جميع أنحاء الأردن، فضلًا عن 24 مقابلة شبه منظمة لاستكشاف كيفية توصيل المعلمين لمثل هذه المفاهيم في الفصل الدراسي.

وتقول «الحسبان»: «أردنا معرفة ما إذا كان المعلمون جاهزين حقًا، ومدربين جيدًا، ومؤهلين لتقديم مثل هذه المفاهيم بشكل مناسب. لم أستخدم استطلاعات الرأي، لأن عيوبها الرئيسية تتمثل في أن يقول المشاركون إنهم يوافقون على السؤال بينما لا يعرفون ماهية المفهوم المعني. تضمّن المقياس الذي صممناه سيناريوهات، يعكس كلٌ منها أحد مفاهيم المواطنة العالمية، حتى نتمكن من معرفة ما يعرفه المعلمون عنها».

وتكشف النتائج أن للمعلمين مستوى متوسط من الوعي بمفاهيم المواطنة العالمية (11 من 20)، وأن المعلمات كن أكثر وعيًا بمفاهيم المواطنة العالمية مقارنة بالذكور. ويقول «الطوالبة»، أستاذ تكنولوجيا التعليم وعميد كلية التربية: «قد تكون الإناث أكثر عطفا وحنانًا واستعدادًا للتضحية».

وتوضح «الحسبان» أن معظم المعلمين يشرحون المفاهيم بطريقة تقليدية ويمضون قدمًا. وتوضح أننا بحاجة إلى محاكاة مواقف الحياة الواقعية، عن طريق المسرحيات مثلًا، حتى يتمكن الطلاب من التعلم، وتبني المفاهيم، وتجسيدها في سلوكهم.

ونظرًا لأن المدارس الخاصة تدرس عادةً مناهج دولية تتضمن مثل هذه المفاهيم، فقد ركزت الدراسة على المدارس الحكومية. ولم تجد الدراسة أية فروق بين الريف والحضر في وعي المعلمين بالمفاهيم في الأردن. وعن تلك النقطة، تقول «الحسبان»: «ارتبط الاختلاف أكثر بخبرة المعلم وحصوله على الدراسات العليا».

المواطنة العالمية لا تعني العولمة

ويشير «الحسبان» و«الطوالبة» إلى احتمال تخوف بعض الناس من الشعور  بأن المواطنة العالمية تعني فصل الطلاب عن هويتهم الثقافية لصالح هوية أكثر عالمية.

وبعبارة صريحة، تقول «الحسبان» إن سياق الدراسة لا يشمل مثل هذه الأبعاد. وتؤكد أن المواطنة المحلية تكمّل المواطنة العالمية، مشيرة إلى أنه عندما يساعد المتعلم زميلًا له ويتعاون معه، فمن الممكن ضمان أنه سيفعل الشيء نفسه مع شخصٍ أجنبي. يشبه ذلك محاكاة في الفصل الدراسي للعالم الخارجي.

«المواطنة العالمية ليست تهديدًا للهوية الدينية. يتعلق الأمر باحترام التنوع والأديان الأخرى. أوجه التشابه بيننا كبشر أكثر بكثير من اختلافاتنا». 

محمد الطوالبة، عميد كلية التربية في الجامعة العربية المفتوحة.

من جانبه، يقول «الطوالبة» إن مخاوف مماثلة قد نوقشت في مؤتمر استمر خمسة أيام حول المواطنة العالمية، كان قد عقد في جامعة جنيف بحضور 14 مشاركًا من دول مختلفة. ويوضح: «كان الجميع مهتمًا بهذا الموضوع، ولكن كانت هناك وجهات نظر مختلفة. في النهاية، لا يزال لدى البعض تحفظات. مثل هذه المفاهيم الجديدة لا يمكن أن تأتي بين عشية وضحاها».

كما كشفت المقابلات عن وجود قلق من أن العولمة تعني جعل الناس متطابقين. قال «الطوالبة»: «ليس الأمر ليس كذلك، يتعلق الأمر باحترام التنوع والأديان الأخرى. أوجه التشابه بيننا كبشر أكثر بكثير من اختلافاتنا».

توصية للمناهج الجديدة

وتوصي الدراسة وزارة التربية والتعليم الأردنية بمراجعة الكتب المدرسية الحالية في ضوء المعايير التي اقترحتها اليونسكو. كما أوصت أيضًا بتطوير كتب مدرسية من شأنها إشراك المتعلمين في القضايا الدولية التي يمكنهم التخفيف منها، وتعزيز قدرات المعلمين في تدريس مفاهيم ومهارات المواطنة العالمية.

وتقول «الحسبان»: «نحن بحاجة إلى إعادة النظر في المناهج الدراسية، والاهتمام بالتضمين المنهجي لمفاهيم المواطنة العالمية. نحن بحاجة إلى تقديمها وفق التنظيم الرأسي. إذا لم يتم التوسع بها عبر المراحل الدراسية، فلن يكتسبها الطلاب». وتشير إلى أن المركز الوطني الأردني لتطوير المناهج أجرى العديد من التغييرات الإيجابية منذ عام 2020. وتضيف: «كانت الوزارة شريكة معنا، لكن هذا العمل كان مدفوعًا بتوصية مؤتمر اليونسكو».

ولهذا السبب، يوصي «الطوالبة» بإعادة إجراء الدراسة لتقييم التقدم المحرز في المناهج الجديدة، قائلًا: «هنا تكمُن أهمية الدراسات الوطنية. وينبغي لليونسكو دعم مثل هذه الدراسات. آمل أن تستفيد المناهج الجديدة من التوصيات بإدماج هذه المفاهيم».

اقرأ أيضًا:

  ابحث عن أحدث المنح الدراسية من هنا. ولمزيد من القصص، والأخبار، اشترك في نشرتنا البريدية، كما يمكنك متابعتنا عبر فيسبوك، ولينكد إن، وتويتر، وانستجرام، ويوتيوب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى