أخبار وتقارير

الجامعات العربية في زمن الذكاء الاصطناعي.. خطط للتكيّف ودعوات لمواكبة العصر

على هامش مؤتمر «الجامعات الرقمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» للعام 2023، الذي عُقد مؤخرًا في الرياض، تحدث خبراء من عدة جامعات عربية إلى «الفنار للإعلام»، عن رؤيتهم لمستقبل الذكاء الاصطناعي في بيئات التعليم العالي. وأجمع هؤلاء على أن «الذكاء الاصطناعي موجود ليبقى»، وأن على الجامعات تعلّم كيفية الاستفادة منه على أفضل وجه.

وجاء تنظيم هذا الحدث الأكاديمي بالتعاون مع شركة «تايمز» للتعليم العالي ومقرها بريطانيا.

وفي جلسات المؤتمر، الذي أقيم بين 9 و11 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، في جامعة الأمير سلطان بالرياض، قال مشاركون إن قبول الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي الآن «أصبح أمرًا بالغ الأهمية وليس خيارًا».

اقرأ أيضًا: (تقرير جديد لليونسكو يرصد تحديات استخدام التكنولوجيا في التعليم).

«يعني التحول الرقمي استخدام الأدوات الرقمية لتحويل طريقة عملك، ولا سيما طريقة تدريسك، وإجراء الأبحاث، وتحسين تجربة الطلاب، وتيسير العمل الإداري، وتعزيز رعاية المرضى في المستشفى الجامعي».

يوسف عصفور، رئيس قسم المعلومات في الجامعة الأمريكية في بيروت

وبينما انهمكت الجامعات في تقديم أنظمة إدارة الأتمتة، وتكنولوجيا المعلومات لسنوات، إلا أن جائحة كوفيد-19 هي التي أجبرت الكليات والجامعات والمدرسين والطلاب على التحول السريع إلى الإنترنت. ومع ذلك، لا يقتصر التحول الرقمي على اعتماد أنظمة الإدارة الذكية فقط؛ حيث يرى يوسف عصفور، كبير مسؤولي المعلومات في الجامعة الأمريكية في بيروت، أن الأمر يتعلق بتغيير طريقة عمل الجامعات.

وقال «عصفور» لـ«الفنار للإعلام»: «بالنسبة لي، يعني التحول الرقمي استخدام الأدوات الرقمية لتحويل طريقة عملك، ولا سيما طريقة تدريسك، وإجراء الأبحاث، وتحسين تجربة الطلاب، وتيسير العمل الإداري، وتعزيز رعاية المرضى في المستشفى الجامعي».

الجامعات العربية في زمن الذكاء الاصطناعي.. خطط للتكيّف ودعوات لمواكبة العصر
يوسف عصفور، رئيس قسم المعلومات في الجامعة الأمريكية في بيروت (THE).

ويضغط الطلاب المهووسون بالتكنولوجيا، اليوم، على الجامعات لتوفير تجربة تعليمية مرنة، وشخصية، وفي الوقت الفعلي. وبحسب «عصفور»، أصبح الطلاب يعتمدون على التكنولوجيا الرقمية بدرجة عالية، ويريدون أن تعمل جامعتهم مثل «أمازون» و«نتفليكس». وأضاف: «هذا يعني أن أختارَ المساق التدريبي، وأضغط عليها، وأحصل عليها، وأن أطرح سؤالاً وأحصل على الإجابات على الفور. أواجه مشكلة، سيتم حلها. من السهل بالنسبة لي أن أدفع، ومن السهل أن أحصل على درجاتي، ومن السهل بالنسبة لي أن أتحدث مع مستشاري. وهذا ممكن فقط مع التحول الرقمي».

«Chatbot» الذي غيّر كل شيء

في العام الماضي، أدى الإصدار الرائد لنموذج اللغة الكبيرة ChatGPT، المدعوم بالذكاء الاصطناعي، إلى دفع التكنولوجيا إلى الواجهة.

يمكن لـ ChatGPT، وأدوات برامج المحادثة الأخرى المشابهة، إنتاج أي نوع من النصوص التي يطلبها المستخدم. اعتبر المعلمون في البداية هذه الأدوات بمثابة تهديد مدمر للتعليم العالي. ومع ذلك، ليس من الحتمي أن يكون هذا الابتكار التكنولوجي أمرًا سيئًا، ويمكن للجامعات الاستفادة من ثورة الذكاء الاصطناعي؛ لأنه «ليس أمامها خيار سوى تبنيها» كما تقول راندا الحريري، مديرة برنامج الماجستير في القيادة التربوية بجامعة دار الحكمة في جدّة.

وقالت لـ«الفنار للإعلام»: «لا يقل الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي أهمية عن أي أداة تعليمية أخرى. لا ينبغي لنا أن نعتبره عدوًا أو تهديدًا. إنه موجود بالفعل، وعلينا أن نرحب به ونستخدمه بحكمة». وتعتقد «الحريري» أيضًا أن الذكاء الاصطناعي سيفرض تغييرًا في أساليب التدريس.

اقرأ أيضًا: (الذكاء الاصطناعي في خدمة الكتابة والبحث.. تعرف على أبرز الأدوات).

الجامعات العربية في زمن الذكاء الاصطناعي.. خطط للتكيّف ودعوات لمواكبة العصر
راندا الحريري، مديرة برنامج الماجستير في القيادة التربوية بجامعة دار الحكمة بجدة (THE).

وأوضحت: «كأعضاء هيئة تدريس، يتمثل دورنا الرئيسي في مساعدة الطلاب على الانخراط في التفكير النقدي، بدلًا من أن نطلب منهم تعريف شيءٍ ما، حيث يمكنهم الوصول إلى الكثير من التعريفات من خلال الذكاء الاصطناعي وChatGPT، يجب أن نطلب منهم تقييم المعلومات، ومناقشتها، وتقديم مدخلاتهم الشخصية».

تدريس الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي

من جانبه، قال كميل أبو النصر، نائب الرئيس المساعد لتكنولوجيا المعلومات في الجامعة اللبنانية الأمريكية في بيروت، إنه من الضروري أن تفكر الجامعات في كيفية تحسين الذكاء الاصطناعي للكفاءات، وسير العمل، وتعزيز نجاح الطلاب، وأن يصبح جزءًا مهمًا من الأبحاث، وقبول الطلاب، والتعليم.

قال «أبو النصر»: «من شأن التحول الرقمي، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، أن يجعل التعلم أكثر جاذبية لطلاب التكنولوجيا الفائقة اليوم. باعتبارنا معهدًا للتعليم العالي، ليس لدينا خيار سوى تبني الذكاء الاصطناعي. إذا لم نفعل ذلك، فلن يأتي إلينا أي طالب». وأضاف: «علينا أيضًا تدريب طلابنا على كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل صحيح وأخلاقي، لأن الذكاء الاصطناعي سيكون موجودًا في السوق وفي أماكن العمل عند تخرجهم».

«لا يقل الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي أهمية عن أي أداة تعليمية أخرى. ولا ينبغي لنا أن نعتبره عدوًا أو تهديدًا. إنه موجود بالفعل، وعلينا أن نرحب به ونستخدمه بحكمة».

راندا الحريري، مديرة برنامج الماجستير في القيادة التربوية بجامعة دار الحكمة في جدة

وأشار «أبو النصر» إلى أن الجامعة اللبنانية الأمريكية شكّلت لجنة للعمل على تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي، وخاصة أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية مثل ChatGPT، حيث يقدم الأساتذة للطلاب إرشادات حول كيفية استخدام ChatGPT، مثل النسبة المئوية للمهمة المسموح بالاعتماد في إنجازها على الذكاء الاصطناعي، أو طبيعة المجالات المناسبة للدراسة باستخدام الذكاء الاصطناعي.

ويوضح «أبو النصر»: «هناك أدوات لمعرفة مدى اعتماد المهام على الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى إيجاد وسيلة مقبولة، ولكن لا يمكننا تجاهل الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي، ولن نفعل ذلك».

وبالمثل، يشدد أحمد ميقاتي، عميد كلية دراسات الحاسوب في فرع الجامعة العربية المفتوحة في لبنان، على ضرورة تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي. وقال: «من المهم جدًا أن تكون لدينا مبادئ توجيهية لاستخدام الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، نستخدم، في الجامعة العربية المفتوحة، التكنولوجيا للقيام بالكشف الجنائي لأغراض البحث والتطوير».

وأضاف: «تعد المصادقة مهمة جدًا مع إدخال الذكاء الاصطناعي التوليدي. نحن نتابع عمل الباحثين خطوة بخطوة، وكيفية قيامهم بالأشياء؛ لأننا لا نريد أن نصل إلى نقطة يتم فيها إيقاف الورقة البحثية مؤقتًا، أو سحبها».

ثورة جديدة

«ليس لدينا خيار سوى تبني الذكاء الاصطناعي. إذا لم نفعل ذلك، فلن يأتي إلينا أي طالب. وعلينا أيضًا تدريب طلابنا على كيفية استخدامه بشكلٍ صحيح وأخلاقي، لأن الذكاء الاصطناعي سيكون موجودًا في السوق وأماكن العمل عند تخرجهم».

كميل أبو النصر، نائب الرئيس المساعد لتكنولوجيا المعلومات في الجامعة اللبنانية الأمريكية

بالنسبة لـ«عصفور»، من الجامعة الأمريكية في بيروت، يعادل الذكاء الاصطناعي، الثورة الصناعية قبل مائتي عام، عندما غيّرت الآلات العالم. ويقول: «مع الثورة الصناعية، بدأت الجامعات في تدريب الناس على إدارة المصانع، وبناء الآلات. وها قد جاء الذكاء الاصطناعي الآن. إنها ثورة أخرى، وهي موجودة لتبقى، ونحن كبشر بحاجة إلى تعلم التكيف والتعايش مع هذا الواقع الجديد».

وأضاف: «لهذا السبب، نحتاج إلى تغيير الطريقة التي نتعلم بها، وما نُعلّمه، وكيف نُعلّم للاستفادة مما يقدمه لنا الذكاء الاصطناعي مع إبقاء البشر كبشر».

وبينما قطعت العديد من الجامعات شوطًا طويلًا في رحلة التحول الرقمي، لا يزال أمامها طريقٌ طويل لتحقيق ذلك. وعن ذلك، يقول «عصفور»: «إنها رحلة لا نهاية لها وتستمر في التطور».

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى