أخبار وتقارير

بعد أزمة «طالبة العريش».. دليل لمواجهة الابتزاز الإلكتروني

بينما تعكف جهات التحقيق المصرية على استجلاء الحقيقة في واقعة وفاة الطالبة بكلية الطب البيطري في جامعة العريش، نيرة الزغبي، مؤخرًا، عقب تعرضها لجريمة «الابتزاز الإلكتروني» من زميلين لها بالكلية، يدعو خبراء وباحثون إلى ضرورة إيلاء مؤسسات التعليم العالي اهتمامًا أكبر بالجرائم الإلكترونية في الأوساط الجامعية.

وأصدرت النيابة العامة المصرية، في الثالث من مارس/آذار الجاري، بيانًا بشأن سير التحقيقات في قضية طالبة جامعة العريش، أشارت فيه إلى أن واقعة الوفاة جاءت بعد تعرض الضحية إلى «ضغوط نفسية ناجمة عن قيام إحدى زميلاتها (المتهمة الأولى)، بتهديدها بنشر مراسلات نقلتها خلسة من هاتف المتوفاة إلى هاتفها، وأرسلتها إلى زميلها (المتهم الثاني)، الذي قام بدوره بالتدوين على المجموعة التي تتضمن جميع طلاب الدفعة بالجامعة على تطبيق (الواتساب) بأن إحدى الطالبات (دون الإشارة إليها تحديدًا) لها مراسلات وصور خاصة بها مهددًا إياها بنشرها في الوقت الذي يختاره الطلاب على (الجروب) وصحب ذلك طلبه منها الاعتذار عما بدر منها من إساءة في حق المتهمة الأولى».

اقرأ أيضًا: (مبادرات نسوية لمجابهة التحرش الجنسي الرقمي).

وفيما يواجه المتهمان تهمتي «التهديد كتابة بإفشاء أمور تتعلق بالحياة الخاصة المصحوب بطلب، والاعتداء على حرمة الحياة الخاصة للمجني عليها»، ينتظر المهتمون بالقضية تقرير الطب الشرعي النهائي، بعد تشريح جثمان المجني عليها، لبيان سبب الوفاة. وجاءت خطوة تشريح الجثمان بعد «تشكك والدي المجني عليها في وجود شبهة جنائية في الواقعة». 

وأشار بيان النيابة المصرية إلى شراء المجني عليها ثلاثة من «حبوب الغلال» من صاحب محل لبيع المبيدات الزراعية.

و«حبة الغلال» مقصود بها مبيد حشري واسع الاستخدام في الريف المصري لحماية الحبوب والمحاصيل من التسوس والقوارض، بحسب «بي بي سي». وفي تصريحات صحفية سابقة، أوضح الدكتور محمود محمد عمرو، مؤسس المركز القومي للسموم بكلية طب القصر العيني، أنه في حالة تناول «حبة الغلال» فإن وقت الإسعاف يُحسب بالدقائق؛ إذ أنه بمجرد نزول الحبة التي تحتوي فوسفيد الزنك، أو فوسفيد الألمنيوم، أو فوسفيد الكالسيوم إلى المعدة، فإنها تنشطر إلى جزئين: أولهما الألمنيوم، أو الزنك، أو الكالسيوم، أما الآخر فهو غاز الفوسفين، والذي يعد بمثابة قنبلة كيماوية؛ لأن إطلاقه يشبه الانفجار لتفاعله مع حامض المعدة، أو المياه».

وإذ يأمل أكاديميون في أن يبادر صناع القرار في المؤسسات المعنية بإرساء سياسات للحد من هذا النوع من القضايا في ساحات الجامعات، يقدم «الفنار للإعلام» دليلًا موجزًا للتعريف بالابتزاز الإلكتروني، وسبل مواجهته في المرحلة الجامعية.

تعريف الابتزاز الإلكتروني

عندما وقع حادث طالبة جامعة العريش لم يكن مضى على نشر دراسة علمية ذات صلة بمثل هذه الجرائم أكثر من ثلاثة أشهر؛ ففي ديسمبر/كانون الأول 2023 نشرت المجلة العلمية لكلية التربية النوعية بجامعة دمياط في مصر، دراسة تحت عنوان: «تعرض الشباب الجامعي للجرائم الإلكترونية عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومستوى الوعي بخطورتها»، قدمت استعراضًا لجوانب من الظاهرة، وحذرت من تداعياتها الكارثية.

أعد الدراسة، الأستاذ الدكتور شريف درويش اللبان، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام في جامعة القاهرة، والأستاذ المساعد الدكتورة غادة موسى صقر، أستاذ الإعلام التربوي المساعد بكلية التربية النوعية بجامعة دمياط، والدكتورة مروة محمد عوف، مدرس بقسم الإعلام التربوي بكلية التربية النوعية بجامعة دمياط، والمعيدة بالقسم نفسه، ياسمين محمد كمال الحضري.

اقرأ أيضًا: (فنانة عراقية المولد تواجه الهويات المفروضة على النساء).

ووفق هذه الدراسة، يوجد أكثر من تعريف للابتزاز الإلكتروني، منها: «كل تهديد يقوم به الجاني، أو وسيط عنه، يتم عبر وسيلة إلكترونية، ويؤثر في نفسية المجني عليه، أو شخص عزيز لديه، ويدفعه إلى القيام بما طلبه منه الجاني، أو كلفه به، سواء أكان مشروعًا أم غير مشروع».

ويقول تعريف آخر: «عملية تهديد وترهيب للضحية بنشر صور أو مواد فيلمية، أو تسريب معلومات سرية تخص الضحية، مقابل دفع مبالغ مالية أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح المبتزين كالإفصاح بمعلومات سرية خاصة بجهة العمل، أو غيرها من الأعمال غير القانونية».

أسباب الابتزاز الإلكتروني

بحسب الدراسة، فإن أسباب الابتزاز الإلكتروني متعددة، أبرزها: «الثقة بالأشخاص الغرباء، أو أصدقاء السوء، وعدم الإبلاغ عن جريمة الابتزاز الإلكتروني خوفًا من الفضيحة التي ستطال الفتاة وأسرتها، وعدم توخي الحذر لاكتشاف هذه الجريمة عند حدوثها؛ فمعظم الأفراد الذين يستخدمون الإنترنت لا يستخدمون برامج وتقنيات الأمان للحماية من الاختراق والتجسس، وهذا يعني عدم الكشف عن الجريمة التي ارتكبت في موعدها، وهو الأمر الذي سيعوق بلا شك مواجهة هذه الجريمة».

مؤشرات وأرقام

الدراسة اعتمدت على منهج المسح بالعينة، وتم تطبيقها على عينة عشوائية، قوامها 400 فرد، من الشباب الجامعي بالجامعات المصرية الحكومية (جامعة دمياط، وجامعة القاهرة، وجامعة المنيا، وجامعة أسيوط).

وتوصلت الدراسة إلى عدة نتائج أهمها أن نسبة 49.25% من الشباب الجامعي يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي بصفة دائمة، وأن نسبة 26.75% من الشباب الجامعي عينة الدراسة «تعرضت للابتزاز الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي».

وتخلص الدراسة إلى أن الابتزاز الإلكتروني من أكثر الجرائم انتشارًا، وأصبح «ظاهرة تهدد المجتمع»، وذلك يرجع إلى قلة وعي مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بسهولة الحصول على المعلومات عن طريق الاختراق. ويؤدي الابتزاز الإلكتروني إلى حدوث مشكلات وأزمات مؤثرة على الوضع النفسي للشخص الذي يتم ابتزازه، وهو صورة من صور الجرائم التي تخترق المجتمع، وتهدد حياة الأفراد، وتحول حياتهم من هادئة مستقرة إلى حياة يسودها الخوف، فهو جريمة غير أخلاقية.

وضربت الدراسة مثالًا بقضية طالبة الثانوية العامة، بسنت خالد، التي انتحرت في العام 2022 «بسبب تعرضها للابتزاز الإلكتروني، وتهديدها من قبل شخصين بنشر صورها».

كيف نواجه الابتزاز الإلكتروني؟

تنصح الدراسة المجني عليهم في جرائم الابتزاز الإلكتروني بعدم استفزاز المجرمين، وعدم الاستجابة لطلب الجاني مهما كان، ومحاولة الوصول إلى أي معلومات تخص الجاني دون أن يكون للضحية اتصال مباشر، وكذلك الاتصال بالسلطات العامة المهنية، ورفع مستوى الوعي بقدرة النظام القضائي على ردع الجناة.

كما توصي الدراسة بالتأكيد على أهمية دور الشباب في محاولة تعديل سلوكهم على مواقع التواصل، وسن قوانين خاصة بمكافحة جريمة الابتزاز الإلكتروني، ووضع قوانين لمراقبة مضامين مواقع التواصل الاجتماعي لحماية الشباب والمجتمع، وتدريب الجهات الأمنية المختصة على كيفية التعامل مع جريمة الابتزاز الإلكتروني.

وبالمثل، يوصي خبير الإعلام الرقمي خالد برماوي، في تصريح لـ«الفنار للإعلام» بالعمل من أجل تطوير الوعي بهذه الظاهرة، والتصدي لها بشكل منهجي من المؤسسات المعنية كافة. ويضيف: «هذه ظاهرة منتشرة بالنظر إلى المحاضر والشكاوى لدى أمن الجامعات. وبمجرد إجراء عملية بحثية سريعة باستخدام كلمات مفتاحية ذات صلة، فسنجد أن حجم هذه القضايا كبير».

ويرى برماوي أن الجهد المطلوب في هذا السياق يمس «منظومة الوعي» بالعقوبات المقررة على هذه الجرائم، وملاحقة من يتورط فيها، وتعزيز قدرة المجني عليهم في مواجهة الأزمات النفسية والقانونية التي تنشأ بسبب الابتزاز الإلكتروني. ويدعو خبير الإعلام الرقمي قادة التعليم العالي في مصر، والدول المماثلة، إلى التحرك وفق منهج شامل يركز على الظاهرة في الندوات والأنشطة والفعاليات كافة، والتنسيق مع بقية الجهات، وكذلك دعم الأبحاث العلمية التي من شأنها توضيح حقيقة الوضع، ومدى ارتباط هذا النوع من الجرائم بحالات الانتحار في صفوف الطلاب الجامعيين.

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى