بعد أشهر من الاحتجاج.. اتفاق حكومي – طلابي في موريتانيا لتحسين الخدمات الجامعية
بعد أشهر من الاحتجاجات المنادية بتحسين الخدمات الجامعية في موريتانيا، والتي تصاعدت مؤخرًا بعد تدخل قوى أمنية لفض التظاهرات، واتهام اتحادات طلابية وزارة التعليم العالي في البلاد بـ«عسكرة حرم جامعة نواكشوط»، توصل ممثلون للوزارة والطلاب إلى حل للأزمة بموجب اتفاق يستجيب لمطالب الاتحادات الطلابية التي قادت العملية الاحتجاجية.
وجاء الاتفاق بين الوزارة والطلاب، الموقع في الثالث من مارس/آذار الجاري، شاملًا للبنود التي حملت مطالب الطلاب، والتي تمس ملفات عدة، وهي: الدعم المالي للطلاب، ومراجعة المعايير الجغرافية لإسناد المنح، والتأمين الصحي للطلاب، وفتح المكتبة الجامعية في المقر الجامعي الجديد، ومراجعة تحديد السن لإسناد المنح لطلاب التخصصات الطبية وطلاب الدكتوراه، وفتح السكن الجامعي في المقر القديم، وانتخابات ممثلي الطلاب في المجالس الإدارية والعلمية، والنقل الطلابي.
وتلقى «الفنار للإعلام» نسخة من محضر اجتماع بين الوزارة والاتحادات الطلابية يتضمن نصوص الاتفاق بين الجانبين.
وبحسب الوثيقة، فإن الاجتماع الذي ترأسه وزير التعليم العالي والبحث العلمي الموريتاني، إنيانغ مامودو، ضم كل من: إدومو ولد محمد الأمين عباس، مستشار الوزير المكلف بالاتصال، ومحمد الراظي ولد صدفنه، مدير المركز الوطني للخدمات الجامعية، ومحمد يحيى مصطفى، الأمين العام للاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا، ومحمدو محمد محمود، الأمين العام المساعد للاتحاد العام للطلاب الموريتانيين، ورامتا سيكو لي، الأمينة العامة للنقابة الوطنية لطلاب موريتانيا.
ويشير محضر الاجتماع إلى أنه تم الاتفاق على: تشكيل الوزارة لجنة تمثل فيها النقابات الطلابية لإعداد معايير الحصول على المساعدة الاجتماعية للطلاب غير الحاصلين على منح، على أن تقدم النقابات الطلابية، في غضون 15 يومًا، مقترحات إلى الوزارة لمراجعة المعايير الخاصة بإسناد المنح، لبحثها من جانب الوزارة، بحيث يتم تنفيذ المراجعة خلال السنة الجامعية 2025/2024، كما تعهدت الوزارة بوضع نظام للتكفل بتأمين الطلاب غير الحاصلين على منح من الصندوق. وشمل الاتفاق كذلك التزام الوزارة بفتح المكتبة بالمقر الجامعي الجديد في أجل أقصاه نهاية الشهر الجاري، وكذلك التعهد باتخاذ الإجراءات الضرورية الكفيلة باستفادة طلاب التخصصات الطبية والدكتوراه من المنح في إطار المراجعة الشاملة لمعايير المنح.
وشمل الاتفاق أيضًا بدء أشغال ترميم السكن الجامعي القديم، بعد استرجاعه، واتخاذ التدابير اللازمة كافة ليتم افتتاحه مع بداية السنة الجامعية 2025/2024.
وفيما يخص النقل الطلابي، شهد الاجتماع الاتفاق على أن تواصل الوزارة عملية مراجعة الاتفاقية التي تربط المركز الوطني للخدمات الجامعية بالشركة الوطنية للنقل، كي يتم أخذ مقترحات النقابات الطلابية المتعلقة بمسارات الحافلات والوقفات بالاعتبار، وسيوجه طلب لوزير النقل بإنشاء وقفات في مناطق توجونين، والترحيل، والسبخة، والمقر الجامعي القديم، ومركز الاستطباب الوطني.
وبحسب محضر الاجتماع نفسه، أصدر الوزير تعليماته للمؤسسات المعنية بالانتخابات الطلابية، وأمرها بالتشاور مع النقابات الطلابية لتحديد تاريخ لإجراء تلك الانتخابات.
وحملت الوثيقة توقيع ممثلين عن كل من الوزارة، والاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا، والاتحاد العام للطلاب الموريتانيين، والنقابة الوطنية للطلاب بموريتانيا.
ورصد «الفنار للإعلام» حالة احتفالية في الأوساط الطلابية عقب الإعلان عن الاتفاق بين وزارة التعليم العالي الموريتانية وممثلي الطلاب، والإعلان تباعًا عن إجراءات إدارية وتنظيمية تتعلق بمطالب الطلاب، وخاصة ما يتعلق بإجراء انتخابات الأطر الطلابية، ومسائل التأمين الصحي، ومعايير تخصيص المنح لمستحقيها.
وفي مهرجان طلابي، نظمه الاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا، بمناسبة «تحقيق النقاط العريضة المطلبية» للاتحاد، أحصى الأمين العام للاتحاد محمد يحيى مصطفى، أبرز النقاط التي تم الاتفاق عليها مع وزارة التعليم العالي، ومنها: المساعدة الاجتماعية، والتأمين الصحي، ومراجعة معايير المنح، واستحداث خطوط جديدة للنقل. وقال إن الاتحاد «سيتابع، وبشكل حثيث، كل المطالب والمشاكل الطلابية حتى يتم تنفيذ جميع بنود الاتفاق المبرم مع الوزارة».
وبدوره، شكر رئيس لجنة الحراك الاحتجاجي، الأمين العام المساعد للاتحاد، محمد حمادي سيدي حيبل، جميع طلاب التعليم العالي على التفافهم حول الاتحاد واستجابتهم لخياراته النضالية. وأشاد «ببسالة وصمود وتضحيات مناضلي ومناضلات الاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا». وأضاف: «الوزارة رضخت للاستجابة للمطالب بفعل إيمان أصحابها بمشروعيتها وعدالتها وبفضل التضحيات الجسام التي لم يكن مناضلو ومناضلات الاتحاد الوطني ليتوانو عن بذل المزيد منها».
وكان الاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا (أكبر نقابة طلابية في البلاد) أصدر بيانًا، في التاسع والعشرين من فبراير/شباط المنقضي، انتقد فيه ما وصفه بإصرار وزارة التعليم العالي على التمادي في نهج العسكرة، والإمعان في التضييق والقمع، وتأزيم المشهد الجامعي، باستدعائها – لليوم الرابع على التوالي – للشرطة القمعية، ومواجهة الطلاب العزل، ومطالبهم المشروعة، بمسيلات الدموع، ومختلف أساليب القمع والتنكيل، مما أدى إلى إصابة عدد من الطلاب بالاختناق، وكسور وجروح، وسط منع الأمن إسعاف المصابين، وتتبعه آخرين خارج الحرم الجامعي واقتيادهم لجهات ما تزال مجهولة.
وتُظهر صور ومقطع فيديو مطاردة عناصر شرطية، أواخر الشهر الماضي، عددًا من طلاب جامعة نواكشوط. وتداولت مجموعات طلابية هذا المقطع مع أغنية احتجاجية تنتقد فرض القيود على الحركة الطلابية.
وأضاف بيان الاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا: إزاء واقع العسكرة غير المسبوق والإيغال في الحلول الأمنية، وسياسة التصامم والتستر خلف ذرائع وحجج واهية، يهمنا أن نعلن رفضنا لسلوك وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، في مواجهتها لمطالب الطلاب المشروعة بالقمع والتنكيل والاعتقالات، والسماح للشرطة بتدنيس الحرم الجامعي المصون مستخدمة شتى الأساليب القمعية الممنهجة. كما عبر البيان الطلابي عن “الاعتزاز بوحدة الساحة الطلابية، وتهنئتنا للمنظمات الطلابية، ورؤساء الفصول والتخصصات، وعموم الطلاب على هذا التلاحم التاريخي، الذي يجب البناء عليه، ومواصلته لفرض تحقيق المطالب العادلة، وتطوير المنظومة الجامعية”.
وكان الاتحاد الطلابي دعا إلى احتجاجات متزامنة في جميع المؤسسات الجامعية، مطلع الشهر الجاري، ومسيرة حاشدة تنطلق من الجامعة القديمة إلى وزارة التعليم العالي، داعيًا النواب البرلمانيين كافة، ومنظمات المجتمع المدني، والمنظمات الحقوقية والهيئات النقابية، والإعلاميين، وكل الفاعلين في المشهد الوطني إلى الالتفات لمعاناة الطلاب، والوقوف معهم في نضالهم المستمرة عن مطالب هي أقل حقوقهم المشروعة، وذلك قبل أن تتوصل القوى الطلابية إلى اتفاق الثالث من مارس مع الوزارة.
وردًا على سؤال حول ما إذا كان الاجتماع الأخير بين الوزارة، وممثلي القوى الطلابية، معناه انتهاء الأزمة، قال قيادي نقابي في الاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا لـ«الفنار للإعلام»: «في تقديرنا كممثلين للاتحادات الطلابية التي شاركت في هذا الاجتماع، فإننا نرى أن الأزمة انتهت». وأضاف المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه: «يهمنا أكثر الوفاء بما تم طرحه في الاجتماع على لسان ممثلي الوزارة من تعهدات لصالح تحقيق مطالب الطلاب، وهو ما بدأنا نلمسه في إجراءات محددة خلال الأيام القليلة الماضية».
لدى الدولة العربية الواقعة في غرب إفريقيا جامعتان حكوميتان: جامعة نواكشوط (تستوعب نحو 70% من طلاب التعليم العالي)، وجامعة العلوم الإسلامية، إلى جانب مدرستين للتعليم العالي، والعديد من معاهد التعليم العالي. وفي موريتانيا جامعة خاصة واحدة، وهي: الجامعة اللبنانية الدولية، بالإضافة إلى جامعتين جديدتين (قيد التخطيط)، وهما: جامعة للتخصصات العلمية في نواكشوط، وجامعة تكانت في تجكجة.
