أخبار وتقارير

الطلاب اليمنيون: استغاثات لا تلقى آذاناً صاغية

محاصرون، معزولون وغالباً منسيون، هذا هو حال العديد من الشباب اليمني، حيثما كانوا، يسعون جاهدين للحصول على العلم، ولاحقاً، العمل.

لا يحصل الشباب اليمني وذويهم غالباً على الكهرباء أو الرعاية الصحية أو وسائل النقل أو ما يكفي من الغذاء، كنتيجة للحرب الأهلية المستمرة في بلادهم وقصف قوات التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية، وعادة لا يتمكنون من استخدام الإنترنت، لذا نادراً ما تُسمع استغاثتهم.

في الداخل، تم قصف الجامعات، ويواجه الشباب الذين يتقنون اللغة الإنجليزية أو أي لغة ثانية عوائق كبيرة للحصول على منح دراسية من مؤسسات أجنبية، خاصة بعد إغلاق العديد من السفارات الأجنبية والمنظمات غير الربحية وبعد فرار موظفيها، وأيضاً مراكز الاختبار التي تدير المنح الدراسية.

وفي الخارج، لم تعد أسرهم قادرة على مساندتهم مالياً بعد توقف المنح الحكومية. (مؤخراً، نشر مسؤول حكومي بياناً قال فيه إن إرسال المستحقات الربع سنوية سوف يتم إستئنافه، لكن العديد من الطلاب مازالوا متشككين في إمكانية حدوث ذلك.)

نترككم مع السطور التالية التي يتحدث فيها ستة من الشباب يمنيين عن أنفسهم وواقعهم الحالي.

في اليمن: غادروا منازلهم وما غادرهم الأمل

قبل عامين، غادرت حنين محمود، 22 عاماً، منزلها بالقرب من مطار مدينة تعز، المدينة الواقعة على خط النار في النزاع السياسي في اليمن، معتقدة أنها ستعود إلى بيتها وجامعتها سريعاً. 

جامعة تعز. الصورة: worldmapz
جامعة تعز. الصورة: worldmapz

لكنها لليوم مازالت بعيدة عن كل منهما، البيت وجامعة تعز. تقيم الآن في منزل جدتها مع والدتها وشقيقتيها الصغرتين. خلال العامين الماضيين ومنذ نزوح الأسرة من تعز إلى آب، اضطرت شقيقتها الصغرى للتنقل ثلاث مرات إلى مدارس جديدة لإنهاء دراستها الثانوية. أما والدها الطبيب فقد بقي بلا عمل لمدة عام كامل، لكنه اليوم يعمل مع منظمة غير حكومية دولية في تعز، على بعد حوالي ثلاث ساعات من آب، حيث تقيم أسرته، التي لم يتمكن من زيارتها منذ حزيران/ يونيو الماضي.

في بعض الأحيان، تتمكن حنين من استخدام الإنترنت من خلال بطاقات اتصال تشتريها. أما الكهرباء فالطاقة الشمسية هي المصدر الوحيد لها، حيث يتم تزويد منزلهم بها من خلال مولد الطاقة الشمسية، الذي اشترته جدتها بعد أن باعت مجوهراتها الذهبية، عندما انقطعت الكهرباء نهائياً عن المدينة.

عندما تتمكن حنين من استخدام شبكة الإنترنت، تتاح لها الفرصة للتواصل مع صديقاتها أو البحث عن سبل للعودة إلى الجامعة، خاصة وأن خمس من أقرب صديقاتها انتقلن إلى المملكة العربية السعودية، خلال العامين الماضيين. أما بالنسبة للطعام فهو متاح في الأسواق، لكن أسعاره مرتفعة بسبب الحرب وارتفاع أسعار المحروقات وتكلفة النقل.

أنهت حنين عامها الثاني في جامعة تعز، حيث كانت تدرس إدارة الأعمال تخصص “نظم معلومات”، قبل أن تضطر مع عائلتها إلى النزوح من منزلهم في منطقة “المطار القديم”.

لاحقاً أدركت أن الأوضاع المؤقتة صارت شبه مستمرة، فعادت إلى الجامعة، في محاولة للحصول على شهادة رسمية، تثبت إتمامها لعامها الدراسي الثاني، لكنها لم تتمكن من ذلك، إذ كان موظفو الجامعة غائبون عن مكاتبهم بسبب الأوضاع السياسية.

وعلى الرغم من إعادة افتتاح جامعة تعز أمام الطلاب في تموز/ يوليو الماضي بعد قرابة عام من الإغلاق، إلا أن حنين وأسرتها لم يتمكنوا من العودة، حيث يقع منزلهم على مقربة شديد من منطقة النزاع. ويصف المراقبون مدينة تعز بأنها مكان يعيش فيه السكان في  خوف من القناصة وقذائف الهاون والألغام الأرضية. كما تستغرق المسافة بين منزل جدة حنين في مدينة آب وجامعتها في تعز ثلاث ساعات، أصبحت لاحقاً ستة، بعد وجود عدة نقاط للتفتيش مما يزيد من صعوبة التنقل. قالت “لا يمكنني قضاء ست ساعات للتنقل فقط يومياً.”

حاولت حنين الالتحاق بجامعة صنعاء، حيث أن العاصمة اليمنية تقع تحت سيطرة الحوثيون بشكل كامل، وتتمتع باستقرار أكبر، لكن ارتفاع عدد الطلاب النازحين من مدن أخرى جعل الأماكن المتاحة لهم محدودة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن جامعة صنعاء لا تدرس تخصصها الدراسي “نظم المعلومات “، لذلك فإنها ستحتاج إلى البدء من جديد في تخصص أكاديمي جديد.

في الوقت نفسه، لا تستطيع حنين الالتحاق بجامعة خاصة نظراً لعدم قدرتها على تسديد الرسوم الدراسية المستحقة، والتي تبلغ حوالي 500 دولار أميركي سنوياً.

تعتقد حنين أن والدها، الذي درس الطب في إحدى جامعات بولندا، سيسمح لها بالدراسة خارج اليمن، لكنها لا تجيد الإنجليزية أو أي لغة أجنبية أخرى، لذا يتوجب عليها، قبل أن تتمكن من التقدم للحصول على منحة دراسية في الخارج، أن تدبر المال اللازم لدورات تدريبية في اللغة، ثم اجتياز بعض الامتحانات المطلوبة ضمن أوراق التقديم للمنح، وهو أمر مكلف بدوره.

تتطلع حنين إلى العودة لمقاعد الدراسة كأولوية أولى أمامها، لكنها لديها آمال كثيرة أخرى. قالت “أود أن أشعر بالأمان، أن أشعر بالاستقرار، أن أشعر بأن لدينا مستقبل نتطلع إليه”.

الطلاب اليمنيون يتظاهرون أمام مقر السفارة اليمنية في إسلام أباد في يناير الماضي.
اعتقال مؤلم في باكستان

عندما فكر سياف عامر في ترك دراسته في بيشاور لصعوبة الأوضاع بعد انقطاع المستحقات المالية، حصل على رسالة واضحة جداً من عائلته “لا تعود إلى اليمن، افعل أي شيء لاستكمال دراستك في باكستان، أو حاول العثور على بلد آخر تنتقل إليه.” 

الطلاب اليمنيون يتظاهرون أمام مقر السفارة اليمنية في إسلام أباد في يناير الماضي.

يدرس عامر ماجستير هندسة الاتصالات في جامعة الهندسة والتكنولوجيا بيشاور، ويحتاج فقط إلى 1,020 دولار أميركي لاستكمال الفصول الدراسية الباقية. كحال غيره من الطلاب اليمنيين في الخارج، يواجه عامر صعوبات بسبب تأخر الحكومة اليمنية في إرسال المستحقات المالية له.

بدأت المشكلات تظهر أمامه مبكراً، حيث حصل على منحة دراسية حكومية في نيسان/ أبريل 2012، وذهب إلى باكستان للدراسة. لكن الدفعة الأولى من المستحقات المالية لم تصل إلا بعد شهور عدة، مما تسبب في تأخره فصلاً دراسياً كاملاً عن أقرانه. مع ذلك وبفضل اجتهاده، حصل على درجة البكالوريوس خلال ثلاث سنوات ونصف فقط، عوضاً عن الخمس السنوات المقررة للحصول على درجة البكالوريوس في الهندسة في باكستان.

بعدها قرر التسجيل  للحصول على درجة الماجستير في نفس تخصصه، مستخدماً الدعم المالي المتاح له لمدة خمس سنوات.

في كانون الثاني/ يناير الماضي، تظاهر الطلاب اليمنيون في باكستان أمام سفارتهم في إسلام أباد مطالبين بالإسراع في صرف المستحقات المالية. لكن السفير اليمني استدعى قوات الأمن الباكستاني لفض المظاهرة، وتم اعتقال 16 طالباً كان من ضمنهم عامر.

قال “كانت لحظة محزنة في حياتي، لا يزال من المؤلم تذكر ذلك اليوم.”

اعتقل الأمن الباكستاني الطلاب ونقلهم إلى مركز للشرطة وطلب منهم التوقيع على تعهد بعدم التظاهر مجدداً، لكن الطلاب رفضوا التوقيع، رغم التهديد بنقلهم إلى سجن روالبندي الباكستاني سئ السمعة والمعروف باكتظاظه بالمعتقلين وظروفه غير الآدمية.

قال عامر “يكفل دستورنا حق المطالبة بحقوقنا، ومقر السفارة اليمنية يعد أراض يمنية وفقاً للقانون الدولي، وبالتالي فإن قوات الأمن الباكستانية لم يكن لها الحق في اعتقالنا.”

أُطلق سراح الطلاب بعد ست ساعات من اعتقالهم وبعد تدخل نائب رئيس الوزراء اليمني.

يدرس الآن نحو مئتي طالب يمني في الجامعات الباكستانية، منهم 70 طالباً فقط يحصلون على منح مالية من الحكومة اليمنية، وتبلغ قيمة الدعم المالي الشهري 450 دولار أميركي للطالب الجامعي في مرحلة البكالوريوس و600 دولار أميركي لطلاب الدراسات العليا، بحسب عامر الذي كان عضواً في اتحاد الطلاب اليمنيين في باكستان، وهي منظمة طلابية تعني بشؤونهم.

قال “إننا نطالب حكومتنا بتزويدنا بالدعم الأساسي للتعليم والغذاء والسكن، هذا ليس بالكثير.”

في منتصف الطريق نحو البكالوريوس

لهديل العوامي أمنيتان، الأولى أن تنهي دراساتها وتحصل على درجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية لتصبح “مهندسة قد الدنيا!”، والثانية أن تغادر وعائلتها اليمن. 

رجل يتفقد منزل متهدم في صنعاء، عقب إحدى هجمات قوات التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية.
رجل يتفقد منزل متهدم في صنعاء، عقب إحدى هجمات قوات التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية.

تدرس هديل، 19 عاماً، في جامعة صنعاء الواقعة في العاصمة اليمنية، والخاضعة الآن لسيطرة جماعة الحوثيين. لكن الصفوف الدراسية تتوقف كثيراً، بحسب ما تقوله هديل، مما يجعل من انتظام العملية التعليمية أمراً غاية في الصعوبة. فقد أضرب أساتذة الجامعة مؤخراً احتجاجاً على تأخر صرف رواتبهم، نتيجة الصراع بين القوى السياسية في اليمن للسيطرة على البنك المركزي اليمني، وهو ما تسبب في توقف تسديد أجور العديد من موظفي الدولة، بما في ذلك أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الحكومية.

وحيث أن الجامعة لا تعقد محاضرات حالياً،  تقضي هديل وقتها في القراءة، ومساعدة والدتها في أعمال المنزل، والبحث على شبكة الإنترنت عن المنح الدراسية. قالت “لقد غيرت الحرب حياتنا تماماً.”

قبل عامين، كان الوضع مختلفاً تماماً بالنسبة لها. إذ كانت طالبة مجتهدة وناشطة اجتماعية دؤوبة، تساعد في تنظيف المساجد، وزيارة المرضى، وتوزيع السلال الغذائية على الأسر الفقيرة.

الآن، غادر جميع أصدقائها الذين كانوا يشاركونها هذه الأنشطة اليمن، قالت “منذ دخول الحوثيين إلى صنعاء، [ابتداء من أيلول/سبتمبر 2014] تدهور الوضع الأمني وازداد سوءاً بعد أن بدأ التحالف [الذي تقوده السعودية] هجماته”.

تقدمت هديل بطلب للحصول على منحة دراسية في تركيا، والآن تنتظر النتيجة. لكنها لا تتقن اللغة الإنجليزية، التي قد تساعدها في الحصول على منحة أخرى، لكنها لا تخطط لدراستها إلا بعد حصولها على البكالوريوس.

يعمل والد هديل أستاذاً في كلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء، ووالدتها تعمل أخصائية اجتماعية في مدرسة خاصة. في حين تدرس أختها الأصغر منها مباشرة في نفس التخصص وفي نفس الجامعة، ولها شقيقان في المدرسة.

يدرس شقيقها الأكبر الهندسة الكيميائية في الجزائر، وترسل له الأسرة مئة دولار أميركي شهرياً، أي ما يعادل راتب الأم بالكامل. في السابق، كانت الأسرة ترسل له 200 دولار أميركي شهرياً، لكن ولأن والدها لم يحصل على راتبه منذ ستة أشهر، كالعديد من الأساتذة الآخرين، فقد تقلص المبلغ.

الآن تؤجر الأسرة جزءاً من منزلها للحصول على مصدر دخل إضافي، أما الكهرباء التي توفرها الحكومة، فقد تم قطعها منذ أيلول/ سبتمبر 2015. وتحصل أسرة هديل الآن على الكهرباء للحاجات الضرورية من خلال الألواح الشمسية، كالعديد من الأسر الأخرى.

قالت هديل “أتمنى أن أرحل وأسرتي عن هنا، إلى مكان نشعر فيه بالسلام، مكان نعيش فيه بعيداً عن كل هؤلاء الجنود.”

وبالطبع تأمل في الحصول على شهادة البكالوريس في الهندسة.

أب وطالب في ماليزيا 

https://www.bue.edu.eg/

قبل ثلاثة أيام من وصول عبد العزيز الريمي إلى ماليزيا لبدء دراسته للحصول على الدكتوراه، دخلت قوات الحوثيين مدينة صنعاء، حينها تم إغلاق المطار بالمدينة، فانتقل الريمي مع أسرته إلى مطار حضرموت في اليمن، ليتمكن من السفر إلى كوالالمبور عبر رحلة طويلة في مطارات الدوحة والكويت. 

عبد العزيز الريمي خلال مشاركته في تظاهرة أمام السفارة للمطالبة بصرف مستحقات الطلاب.
عبد العزيز الريمي خلال مشاركته في تظاهرة أمام السفارة للمطالبة بصرف مستحقات الطلاب.

لم يكن الوصول إلى ماليزيا خطوة أخيرة لرحلة متعبة مر بها الريمي، بل كانت الخطوة الأولى لمتاعب أخرى. إذ واجه بمجرد وصوله صعوبات في دفع الرسوم الدراسية في السنة الأولى، لأن منحته الحكومية تبلغ ثلاثة آلاف دولار أميركي فقط سنوياً فيما يخص المصروفات الدراسية، بينما بلغت الرسوم الدراسية في السنة الأولى سبعةآلاف دولار أميركي، تنخفض بدءاً من السنة الثانية إلي ثلاثة آلاف، لكن التأخير المتكرر في وصول المستحقات المالية الحكومية جعل الحياة صعبة أمام الريمي.

بدأ عبد العزيز الريمي، 37 عاماً، رحلته الأكاديمية في ماليزيا لنيل درجة الدكتوراه في علوم التمريض وصحة المجتمع في جامعة مالايا. في وقت سابق، حصل على شهادة البكالوريوس في التمريض من جامعة صنعاء، ثم في عام 2009، حصل أيضاً على منحة للحصول على درجة الماجستير في الصحة المجتمعية من جامعة أسيوط في مصر، ثم عاد إلى اليمن. وهناك مضى عاماً كاملاً ليحصل على المنحة الحكومية التي تمكنه من دراسة الدكتوراه.

الريمي أب لثلاثة أطفال، اثنان منهم في عمر الدراسة، يؤمن الريمي أن الأبوة هي إحدى الإنجازات الهامة في الحياة، لكنها في نفس الوقت ليست مهمة سهلة. قال “عوضاً عن التركيز على دراستي، أصبح جل اهتمامي كيفية تأمين المتطلبات المعيشية الأساسية لي ولأسرتي كل شهر.”

في بعض الأحيان، تتسبب الأمور السياسية في خلق مشكلات  للريمي وغيره من الطلاب اليمنيين في ماليزيا. إذ أرسل الطلاب شكوى جماعية إلى السلطات اليمنية حول سوء معاملة المسؤول المالي في السفارة للطلاب، وإسقاط بعض أسمائهم من قائمة المستحقين للمنح الدراسية دون أي تفسير. تم إنهاء مهمة عمل المسؤول في السفارة، لكن سلطة الحوثيين في صنعاء لم توافق على هذه الخطوة.

وكرد فعل رفض الحوثيون إرسال المستحقات المالية للطلاب اليمنيين في ماليزيا، إلا بعد عودة الموظف المالي لمنصبه. واستمر الوضع على هذا الحال  لمدة سبعة أشهر كاملة حتى كانون الثاني/ يناير من هذا العام، ليبقى الطلاب اليمنيون خلال هذه الفترة دون أي مستحقات.

قال الريمي “عندما حدث ذلك، كتبنا رسالة مفتوحة إلى الحوثيين، وقعها عشرات الطلاب هنا في ماليزيا، طالبين منهم تنحية الطلاب جانباً من الصراع السياسي.”

الطلاب اليمنيون يتظاهرون في مقر السفارة اليمنية في العاصمة الماليزية كوالالمبور.
الطلاب اليمنيون يتظاهرون في مقر السفارة اليمنية في العاصمة الماليزية كوالالمبور.

قام الطلاب بعدها باعتصامات مفتوحة في مقر السفارة اليمنية. قال “أردنا من السلطات في صنعاء وعدن سماع أصواتنا، لكن في كل مرة تكون الإجابة الوحيدة أن اليمن في حالة حرب الآن.”

وأضاف أن الطلاب اليمنيين في ماليزيا حاولوا أيضاً الاتصال بالمنظمات الدولية بما في ذلك منظمة الأمم المتحدة. وتمكن طالبان من الحصول على وضع اللاجئ.

تستمر معاناة الريمي، فالسلطات الماليزية تمنع عمل الطلاب الأجانب، وتم ترحيل عدد من الطلاب لمخالفتهم لهذا القانون. ويتساءل الريمي كيف يمكنه إطعام عائلته ودفع إيجار مسكنه ومصروفات دراسته إذا استمر تأخر المستحقات؟

التعليم حلم صعب المنال

ولدت الطالبية اليمنية منى السامعي قبل 22 عاماً في المملكة العربية السعودية، وقضت عمرها هناك، لكنها تطلعت بشغف أن تدرس في وطنها الأم، اليمن، وبالفعل تحقق لها ذلك، لكن لمدة سبعة أشهر فقط.

عادت السامعي الآن إلى المملكة العربية السعودية، حيث تقيم عائلتها، المكونة من ثلاثة أشقاء وسبع شقيقات، وحيث عاش والداها اليمنيين منذ 35 عاماً. رفض والدها طلبها السفر إلى اليمن للدراسة في البداية، لأن القبول كان يعني سفرها وإقامتها بمفردها.

واستغرقها الأمر عامين كاملين لإقناع والدها بوجهة نظرها، ثم اعتماد الجهات المختصة في اليمن لشهادة الثانوية العامة التي حصلت عليها من المملكة العربية السعودية. وفي عام 2014، بدأت دراسة الاقتصاد في جامعة تعز.

قالت السامعي “كنت متحمسة جداً، فأخيراً سيكون باستطاعتي الدراسة في بلدي، لكن الحرب كانت أقوى من حلمي.”

خلال فترة إقامة السامعي في تعز، قادت مجموعة تطوعية صغيرة مع اثنين من الطلاب الآخرين لتقديم الدعم المالي والمعنوي للطلاب وأسرهم المتضررين من الحرب، من خلال توفير بعض الملابس أو الطعام.

ولاحقاً وصل النزاع المسلح إلى مدينة تعز، واقترب من الحرم الجامعي، في البداية كان الطلاب يتظاهرون ضد  قوات الحوثيين، لكن هتافات الطلاب قوبلت بالرصاص، على حد قولها.

قُتل زميل للسامعي أثناء هذه الاحتجاجات، مع ذلك، حاول الطلاب بما فيهم السامعي المقاومة والاستمرار في المواظبة على الدراسة، رغم وقوفهم لساعات طويلة يومياً بعد انتهاء الدوام الدراسي في انتظار وسيلة مواصلات تعيدهم لمنازلهم، لكن أحداث العنف أصبحت لا تُحتمل.

أغلقت جامعة تعز لمدة عام، وكان على السامعي العودة إلى المملكة العربية السعودية للانضمام إلى أسرتها، وخلال إغلاق الجامعة أبوابها، تم قصفها.

انقسم زملاء السامعي إلى ثلاث مجموعات، المجموعة الأولى من الطلاب عادت إلى تعز للدراسة بعد أن أعادت الجامعة فتح الجامعة أمام الطلاب في تموز/ يوليو 2016، المجموعة الثانية سافرت إلى الخارج لاستكمال الدراسة، والمجموعة الثالثة استأنفوا الدراسة في المناطق التي أجبروا على النزوح إليها.

تبقى السامعي على تواصل مع بعض زملائها في الجامعة، ومن خلالهم علمت أن جامعة تعز قد تضطر إلى إغلاق أبوابها قريباً، بسبب عدم قدرة إدارتها على دفع رواتب الأساتذة. (يعد أساتذة الجامعات اليمنية العامة موظفين حكوميين، وهم من ضمن الفئة المتضررة من الأزمة النقدية الناجمة عن توقف العمل في البنك المركزي اليمني).

تدهورت الظروف المعيشية للطلاب وأسرهم جداً بسبب الحرب الدائرة في اليمن، وعلى الرغم من أن الرسوم الدراسية في الجامعات منخفضة للغاية. إلا أن الطلاب غير قادرين على دفع نفقات إضافية طفيفة، كتكلفة الانتقال إلى مقر الجامعات والكتب الدراسية.

قالت السامعي “أعرف من زملائي أن الجامعة قد تتوقف عن العمل مرة أخرى.”

تعتبر السامعي أن الفترة القصيرة التي أمضتها في اليمن هي أفضل فترة في حياتها، فقد شعرت خلالها باستقلاليتها، وتحقق حلمها بالدراسة في وطنها اليمن، واستمتعت بالمشاركة في نشاطات اجتماعية ساعدت خلالها الآخرين.

تحدثت بفخر عن جامعتها وأساتذتها. قالت “لقد كان فصلاً دراسياً ممتازاً، تعلمنا فيه على يد أفضل الأساتذة، وكان لدينا طاقة إيجابية كبيرة، بالرغم من الظروف السياسية.”

على الرغم من وجود فرص للدراسة أمامها في المملكة العربية السعودية حيث تقيم، إلا أن السامعي لا ترغب في الالتحاق بالجامعة في أي مكان آخر سوى اليمن. وتنتظر أن يحل السلام حتى تتمكن من العودة إلى وطنها وتستكمل دراستها.

طموحات وتحديات طبيبة أسنان في روسيا

تركت مروى، الطالبة اليمنية البالغة من العمر 26 عاماً، أسرتها وذهبت إلى موسكو لدراسة طب الأسنان قبل سبع سنوات، وذلك بعد حصولها على منحة دراسية حكومية من اليمن. ولكونها الابنة الوحيدة لوالديها – إضافة لشقيقين – فإنها تعتقد أن اتخاذ القرار كان صعباً. 

موسكو. الصورة: (Wikimedia Commons)
موسكو. الصورة: (Wikimedia Commons)

حصلت مروى على درجة البكالوريوس من جامعتها الروسية، وهي الآن في الفصل الدراسي الأخير قبل حصولها على درجة الماجستير. وتعد واحدة من أصل 700 طالب يمني تقريباً  يدرسون في روسيا حالياً ويعانون من توقف المستحقات المالية من السلطات اليمنية عنهم لشهور عدة.

عندما توقف تسديد مصروفاتها الدراسية منتصف العام الماضي، بدأت مروى في البحث عن وظيفة بدوام جزئي ، بالرغم من عدم إمكانية حصولها على عمل بصورة قانونية. إذ يمنع القانون الروسي عمل حاملي التأشيرات الطلابية. قالت “لكوني امرأة ترتدي الحجاب فالأمور أكثر صعوبة.”

لاحقاً، بدأت مروى في تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها. (تم حجب اسمها الكامل واسم جامعتها نتيجة لوضعها القانوني الضعيف).

وقالت إن وقتها مقسم بين عملها في تعليم العربية وبين الدراسة للحصول على الماجستير والتدريب في عيادة الأسنان كجزء من الدراسة.

لا تعد مشكلة عدم انتظام وصول المصروفات الدراسية للمبتعثين اليمنيين أمراً جديداً. إذ سبق وأن واجهت مروى ذات المشكلة خلال سنوات دراستها الأولى. حينها كان بإمكان أسرتها مساعدتها، لكن الوضع اليوم مختلف. إذ قُتل والدها أمام منزلهم، في عدن في عام 2014 ، على أيدي جنود ميليشيات مجهولة، دون دافع واضح للجريمة. (كان والدها يعمل دبلوماسياً ووالدتها قد توفيت في عام 2007).

كطالبة مبتعثة وفق منحة حكومية، تحصل مروة على 1,800 دولار أميركي كل ثلاثة أشهر من الحكومة اليمنية. ومن المفترض أن يغطي هذا المبلغ – 600 دولار شهرياً- كل نفقاتها بما في ذلك الرسوم الدراسية. لكن وصول هذه المستحقات غير منتظم، كما أنها توقفت تماماً لمدة ستة أشهر بعد دخول قوات الحوثيون العاصمة اليمنية صنعاء في أيلول/ سبتمبر 2014.  قالت مروى “لقد اعتدنا على التعامل مع تأخر المستحقات لشهر أو اثنين، لكن لم يكن من الممكن التعامل مع تأخير لمدة ستة أشهر.”

تعد موسكو مدينة مترامية الأطراف، أحياناً تستغرق مروى ما يصل إلى ثلاث ساعات يومياً للانتقال ذهاباً وإياباً لتدريس أحد الطلاب اللغة العربية. وعلى الرغم من صعوبة حياتها في روسيا، تود مروى البقاء لاستكمال الدكتوراه.

قالت “هنا لدي صعوبات تعودت عليها، لكنني أخشى مواجهة صعوبات جديدة في مكان جديد لم أعتد عليه.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى