أخبار وتقارير

الصدمات النفسية بين اللاجئين: طرق متنوعة للعلاج ونقص في المعالجين

يأتي المقال التالي كجزء ثاني من سلسلة من جزأين، الجزء الأول الصدمات النفسية بين اللاجئين: حالة شائعة ومنسية والذي تضمن استعرضاً للأبحاث التي جرت على الصحة العقلية للشباب المصابين بصدمات نفسية.

طور علماء نفس وباحثون علاجاً ناجعاً لمساعدة الساعين لتحسين الصحة النفسية للشباب اللاجئين المصابين بصدمات نفسية. لكن النقص في عدد أخصائي الصحة النفسية المؤهلين للعمل مع اللاجئين يجعل من الصعب تطبيق هذه الطرق العلاجية.

مع ذلك، هناك العديد من الطرق يمكن استخدامها من قبل المتطوعين والعاملين في المنظمات الحكومية وغير الحكومية.

تقول الأبحاث إن الخطوة الواجب تطبيقها بصورة فورية هي تحقيق الاستقرار في بيئة الطفل، من خلال إنشاء محيط آمن ونظام حياتي ثابت. ويقول الخبراء إن العلاج الشامل، بطبيعة الحال، هو الهدف النهائي. لكن من المهم إعطاء مساحة زمنية كافية للتعافي، حيث أن بعض المرضى يحتاجون وقتاً كبيراً للعلاج ليستعيدوا القوة اللازمة للتخلص من آثار التجارب التي مروا بها.

ويؤكد بعض علماء النفس على ضرورة وجود أفراد مدربين لتنفيذ العلاج، مما يحد من إمكانية قيام المتطوعين بهذا الأمر.

قالت إليزابيث شاور كايزر، الأخصائية في علاج الصدمات النفسية في جامعة كونستانز في ألمانيا، إن العلاج الملائم استخدامه مع من فقدوا أوطانهم لابد أن يستوفي عدة شروط، “لابد أن تكون طرق العلاج شاملة وقابلة للاستخدام مع الجميع.”

وتضيف كايزر “يجب أن يتم استخدام هذه الطرق بسهولة في الواقع دون الحاجة لوجود مستشفى أو أجهزة طبية معقدة. يجب أن تتوفر بسهولة بحيث تصل لدرجة إمكانية جلوس المختص تحت إحدى الأشجار مع المريض وتقديم العلاج له، بأقصى سهولة ممكنة، وبأقل تكلفة ممكنة.”

بدوره قال كين كرول، خبير أول في برنامج الصحة النفسية في إدارة إساءة استخدام المواد الطبية وخدمات الصحة العقلية، إحدى الإدارات في وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية، “يعد المنهج التدريجي هو أفضل طريقة متبعة لممارسة هذه الطريقة. يجب إتباع الحرص وعدم استخدام طرق العلاج بصورة متسرعة، بل يجب أولاً تحقيق الاستقرار في البيئة المحيطة بالمريض.”

وأوضح كرول أن  الأمر متفاوت “بالنسبة لبعض الأطفال، تستغرق الأمور وقتاً طويلاً جداً، لذلك على المعالج تقييم النتائج بصورة فردية.”

يمكن للاستقرار وإستعادة النظام في حياة الطفل أن يحقق المعجزات، ويعد الانتظام في الحياة الدراسية وسيلة فعالة لتحقيق ذلك، بحسب كرول. في هذه المرحلة يصبح التأكد من حضور الأطفال لدروسهم في المدارس في البلاد المستقبلة أمراً مهماً.

قال كرول “بمجرد أن يكون هناك شعور بالاستقرار والأمان، يمكن البدء بالعلاج دون الخوف من إمكانية حدوث انتكاسة، فليس من الجيد استرجاع الأحداث التي مر بها هؤلاء الأطفال.”

بعد إعادة الإحساس بالأمان للأطفال، تصبح المرحلة التالية هي فحصهم للتأكد من إحتمالية وجود اضطرابات في صحتهم العقلية، على سبيل المثال اضطراب ما بعد الصدمة النفسية أو الإكتئاب.

يعد من المثالي أن يقوم الأخصائيون الذين تم تدريبهم بصورة جيدة بعملية الفحص هذه، لكن قلة العدد المتاح من هؤلاء الأخصائيين يجعل الأمر شبه مستحيل.

قال فادي معلوف، المتخصص في الطب النفسي للأطفال في الجامعة الأميركية في بيروت، إن “المتطوعين غير المتخصصين في الأمر، يمكن أن يساعدوا في إجراء الفحص بتوزيع الاستبيان وجمع المعلومات في حال حصولهم على بعض التدريب الأساسي لتأدية هذه المهمة.”

لاحقاً تأتي مرحلة تقديم العلاج للأطفال الذين تظهر عليهم أعراض المرض.

قال كرول “يظهر التحسن بصورة أسرع على الأطفال الذين يعانون من أعراض المرض في حال تشخيص المشكلة بصورة دقيقة والتركيز على علاجها.”

ويؤكد الخبراء على أن مشكلات الصحة العقلية لا يمكن تجاهلها.

قال فرانك نينور المعالج النفسي في جامعة بيلفيلد في ألمانيا، “يقول الكثيرون ممن يخضعون للعلاج إنه لا جدوى من الخوض في أحداث الماضي، ويجب التطلع إلى المستقبل.”

كان نينور قد قام بدراسات على شباب عانوا من صدمات نفسية متعلقة بأحداث عنف وقعت في أوغندا. قال “لكن هؤلاء الذين يعانون لا يمكنهم القيام بذلك، لأنهم لم يتخلصوا من ماضيهم.”

ذهب نينور وفريق من الأخصائيين النفسيين إلى مخيم للاجئين في أوغندا، لإجراء إحدى الدراسات، وتوصلوا إلى طريقة علاج تدعى “السرد الكاشف” تضمنت جلسات  حضرها ستة من الشباب الصومالي تتراوح أعمارهم بين 12 و 17 عاماً، كانوا يعانون من الضغط العصبي الناتج عن الصدمات النفسية والإكتئاب. أثناء تلك التجربة تم قياس الأعراض المرضية قبل بدء العلاج، ومباشرة بعد بدءه ثم تم قياسها مرة أخرى بعد مرور تسعة أشهر.  

خلال الجلسات، تمكن المريض من تذكر أحداث حياته بدءاً من الذكريات الأولى وصولاً إلى اللحظة الراهنة، مع إعطاء اهتمام زائد للتجارب السلبية أثناء أحداث الحرب.

وبالرغم من أن الجلسة الأولى تكون مؤلمة، إلا أن الأمور تصبح أفضل لاحقاً حيث أظهرت الأبحاث نجاح تلك الطريقة العلاجية. كما أظهرت نتائج أبحاث نينور أن العلاج قلل من أعراض المرض بشكل كبير، وهي النتائج التي أظهرتها مجدداً الأبحاث المتتابعة. 

وبحسب معلوف فإن هناك أنواع أخرى من علاج “الإدراك السلوكي” الذي يركز على علاج الصدمات النفسية، وفيه يقوم المعالج بإستثارة الشعور بالعار والتفكير السلبي لدي المريض، ثم يحاول استبداله بشعور واقعي وفعال.

قال معلوف “تساعد جلسات العلاج الأطفال على إدراك تجاربهم مع الصدمات النفسية.”

هنالك ايضاً العلاج عن طريق كتابة الشهادات، حيث يقوم  كل من المريض والمعالج بكتابة ماذا حدث، وهي طريقة تدعم الأبحاث فعاليتها.

بالنسبة لبعض المرضى، القيام بإنتاج شئ ملموس ككتابة شهادة، يعد أقل صعوبة من التحدث إلى الطبيب المعالج، بحسب نينور.

تكون العقارات الطبية مفيدة في حالات قليلة، لكن نادراً ما يُنصح بها للصغار، ويحذر نينور “بالرغم من أن هناك بعض الدلائل على أن العقاقير المضادة للإكتئاب يمكن أن تساعد المريض، إلا أن فعاليتها محدودة للغاية بالنسبة للأطفال. في الواقع يكاد لا يوجد أي دليل على فعاليتها بالنسبة الأطفال. بل إنها قد تزيد خطر الانتحار لدى المراهقين.”

أكد جميع الخبراء الذين قابلتهم الفنار للإعلام أن تحديد أي الطرق أفضل يعتد على وضع المريض بوصفه حالة قائمة بذاتها. 

من جهة أخرى،  يختلف الأخصائيون النفسيون حول من يملك القدرة علي تقديم اختيار علاج السلوك الإدراكي أو العلاج السردي. إذ يعتقد البعض بضرورة وجود خلفية طبية للمعالج. بينما يقول أخرون إن العلاج يمكن أن يقدمه أي متطوع حصل على قدر محدود من التدريب.

قالت فرينا إرتل المعالج النفسية في مستشفى بيلفيلد، والتي تعاونت مع نينور من قبل، إن واحدة من نقاط النجاح بالنسبة لطريقة العلاج السردي الكاشف أنه يمكن لأي شخص تقديمه بعد مروره بفترة تدريب قصيرة نسبياً. قالت “يجب أن يكون المعالج شخصاً يعتمد عليه، لأن المريض بحاجة لنقطة اتصال ثابتة.”

يختلف معلوف مع وجهة نظر إرتل، إذ يعتقد أن مقدم العلاج يجب أن يكون أخصائياً تم تدريبه بصورة دقيقة. قال “هي طريقة من طرق العلاج النفسي، وتشمل التحقق من الأفكار والمشاعر ومناقشة القصص، الأمر الذي قد يكون مؤلماً، ولا أرى أن هذا يمكن أن يقدمه شخص عادي ليس لديه خلفية في الصحة النفسية.”

توجد بعض البرامج التدريبية للأخصائيين النفسيين على العلاج السردي الكاشف في العالم العربي، منها برنامج “العودة للحياة” الذي يقدمه “المعهد الدانماركي المناهض للتعذيب”  و “معهد الصحة العائلية”  التابع لمؤسسة نور الحسين في الأردن.

وتوصي الشبكة الوطنية للصدمات النفسية للأطفال في الدليل الذي قدمته أن يبدأ المعالجين النفسيين تدريبهم على العلاج السلوكي بدورة إلكترونية تسبق سلسلة من الدروس المكثفة التي يتم تقديمها وجهاً لوجه، وذلك لأن مهارة تقديم هذه الطريقة من العلاج لا يمكن تعلمها وتطبيقها بصورة سريعة، بحسب ما أوردته الشبكة.

مع ذلك، يعترف معلوف أنه عند نقطة معينة لابد من الاعتراف بوجود عدد كبير من الأطفال اللاجئين الذين يحتاجون للعلاج النفسي مع وجود نقص في عدد الأخصائيين النفسيين المؤهلين تماماً للقيام بالمهمة.

قال معلوف” حتى في لبنان، لدينا أربعة أخصائيين نفسيين متخصصين في علاج الأطفال.” موضحاً أنه لايجب أن يبدو الأمر “وكأن أي شخص قادر على علاج هؤلاء الأطفال، في نفس الوقت نحتاج أن نتعامل مع واقع  نقص عدد أخصائي الصحة العقلية.”

وأضاف “يمكن للمتطوعين التعامل مع تقنيات التعامل مع الضغط العصبي، مما يمنع الوصول لحالات القلق النفسي، لكن لا يمكنهم التعامل مع حالات قصور الانتباه وفرط الحركة وحالات إضطراب ما بعد الصدمة.”

بصورة عامة، يتفق الخبراء على أن أفضل الطرق لمعالجة اللاجئين الشباب الذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية، هو تمكينهم من العرض على أخصائيين نفسيين يتمكنون من علاجهم.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى