أخبار وتقارير

«تاريخ أربعة آلاف عام».. ماذا يخبرنا الكتاب الأكثر مبيعًا للتعليم الجامعي عن فلسطين؟

مع اشتعال الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، واتجاه جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى اقتحام قطاع غزة بريًا، يسجل أكاديميون وطلاب جامعات على مستوى عربي ودولي، تفاعلًا ملموسًا، عبر المشاركة في حملات تضامنية، أو الاحتجاج على سياسات «الإبادة الجماعية» التي تنتهجها إسرائيل، بحق القطاع المحاصر.

امتد هذا التفاعل مؤخرًا، على نطاق عالمي، ليسجل إقبالًا كبيرًا على شراء مؤلفات أكاديمية عن القضية الفلسطينية، وفي مقدمة الكتب التي تصدرت قوائم «الأكثر مبيعًا»، على متجر «أمازون» الإلكتروني، كتاب: «فلسطين.. تاريخ أربعة آلاف عام» (Palestine: A Four Thousand Year History)، لمؤلفه الأكاديمي والمؤرخ الفلسطيني نور مصالحة. والكتاب صدر بالإنجليزية، قبل أن يُتاح في طبعة عربية، في العام 2019، عن «مركز دراسات الوحدة العربية».

اقرأ أيضًا: (إسرائيل تدمر مؤسسات أكاديمية في غزة.. وتفاعل طلابي عالمي مع الأزمة).

وأوضح المؤلف، وهو المدير السابق لمركز «الدين والتاريخ» في جامعة سانت ماري، تويكنهام، عبر حسابه على «فيسبوك»، اليوم (الثلاثاء)، أن كتابه يتصدر الأكثر مبيعًا على موقع «أمازون»، في أربع مجالات أكاديمية: «عصور ما قبل التاريخ»، و«علم الآثار ما قبل التاريخ»، و«تفسير الكتاب المقدس»، و«الآثار».

ماذا يخبرنا الكتاب؟

في عشرة فصول، يتقصى نور مصالحة، عضو مركز الدراسات الفلسطينية بمدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن، تاريخ فلسطين البعيد، ومحاولات مؤسسي دولة الاحتلال الإسرائيلي طمسه، والسطو عليه بتفسيرات «لا تقوم على أساس علمي»، أو تغيير أسماء المدن والقرى الفلسطينية، إلى أسماء عبرية، بل وتغيير أسماء مؤسسي دولة الاحتلال، وكبار قادتها، من أسمائهم التي ولدوا بها في روسيا، وبولندا، وأوكرانيا، وغيرها، إلى أسماء عبرية.

وفق منهج بحثي على أساس زمني، يستكشف الكتاب تطور مفهوم فلسطين، وتواريخها وهويتها، ولغاتها، وثقافاتها، من العصر البرونزي المتأخر، حتى العصر الحديث.

وإذ يعرب المؤلف، في تقديمه للطبعة العربية، عن أمله في أن «تلفت الانتباه إلى التاريخ، والتراث، والجذور العميقة للفلسطينيين، والسكان العرب الأصليين في فلسطين»، فإن الكتاب يخبرنا أن «فلسطين» كان هو الاسم الشائع المستخدم عبر التاريخ القديم؛ فقد ظهر موثقًا أول مرة في العصر البرونزي المتأخر، قبل نحو 3200 سنة، (باليونانية Παλαιστίνη)، وهو الاسم المصطلَح عليه بين 450 قبل الميلاد، و1948 ميلادية، لوصف «منطقة جغرافية بين البحر المتوسط، ونهر الأردن، وأراضٍ مجاورة مختلفة».

ووفق منهج بحثي على أساس زمني، يستكشف الكتاب تطور مفهوم فلسطين، وتواريخها وهويتها، ولغاتها، وثقافاتها، من العصر البرونزي المتأخر، حتى العصر الحديث. ويشير الكاتب إلى أنه «غالبًا ما يُدرَّس تاريخ فلسطين في الغرب، على أنه تاريخ أرض، لا على أنه التاريخ الفلسطيني، أو تاريخ شعب». وبحسب المؤلف، فإن كتابه «يتحدى المقاربة الاستعمارية لفلسطين، والخرافة الخبيثة: أرض بلا شعب».

اقرأ أيضًا: (المؤسسات التعليمية الفلسطينية مجدداً تحت مرمى النيران الإسرائيلية).

وباستخدامه طيفًا واسعًا من الأدلة، والشهادات، والمصادر المعاصرة، يعتمد الكتاب مقاربة من زوايا نظر متعددة لتاريخ فلسطين عبر الزمان، مع عدم الإشاحة عن حقائق البلد، وشعبه الأصلي.

 يسعى الكتاب كذلك إلى تفسير البدايات المتعددة ومراحل تطور مفهوم فلسطين، ووضعها في السياسات الجغرافية، والثقافية، والسياسية، والإدارية. ويناقش أن أسطورة  غزو «الإسرائيليين» أرض كنعان، والروايات الأساسية الأخرى في العهد القديم (أو «التوراة العبرية») – وهي مجموعة كتب وضعت عبر قرون متعددة – هي «روايات خرافية؛ غرضها التأسيس لوعي خاطئ، وليست تاريخًا مؤسسًا على أدلة تخدم الحقيقة وفهم الوقائع».

مناهج التاريخ الأكاديمية

ومن زاوية أكاديمية، يرى المؤلف في كتابه أن مناهج التاريخ الأكاديمية، والمدرسية «يجب أن تؤسَّس على وقائع تاريخية موضوعة في سياقها، وأدلة ملموسة، ومكتشفات أثرية وعلمية، لا على آراء تقليدية، أو سرديّات خيالية من العهد القديم، والعقائد الدينية – السياسية التي يتكرر سردها لأجل مصلحة النخب ذات النفوذ».

بحسب الكتاب، فإن المؤرخين كثيرًا ما يجادلون بأن فلسطين «لم تكن موجودة ككيان إداري رسمي، حتى إنشاء البريطانيين فلسطين الانتداب، عام 1918». ويعلق المؤلف بالقول إنه في الواقع، كانت فلسطين موجودة كيانًا إداريًا خاصًا، وولاية رسمية «منذ أكثر من ألف عام».

https://www.bue.edu.eg/

يضع الكتاب الخط البياني، ويشرح البدايات التاريخية والأصول القديمة لاسم «فلسطين» في إطار تعدد العقائد الدينية والملامح المشتركة في البلاد. ويقول المؤلف إنه لأمر حاسم كذلك، أنه بعد أكثر من 150 عامًا وآلاف الأحفار التوراتية في مدينة القدس القديمة ومن حولها، لا توجد حتى الآن مواد تاريخية، أو أثرية، أو أدلة عملية على «مملكة داود» في عام 1000 قبل الميلاد. وسبب عدم وجود أي مواد أو أدلة عملية على «مملكة داود وسليمان الموحدة» وعلى السرديات الشاملة الأخرى من العهد القديم، هو سبب بسيط: «إنها تقاليد مخترعة».

ويشير إلى أنه على مدى قرون، كان كون المرء يهوديًا يعني الانتماء إلى الدين اليهودي. وبدأ هذا يتغير عقائديًا وراديكاليًا في القرن التاسع عشر، تحت تأثير النظريات العنصرية الأوروبية و«الدراوينية الاجتماعية»، حين أُعيد اختراع تعريف كون المرء يهوديًا، لتصبح هذه هوية عنصرية. واستمر هذا التأطير العنصري لليهود حتى «الهولوكوست النازي».

«مناهج التاريخ الأكاديمية، والمدرسية يجب أن تؤسَّس على وقائع تاريخية موضوعة في سياقها، وأدلة ملموسة، ومكتشفات أثرية وعلمية، لا على آراء تقليدية، أو سرديّات خيالية»

وفي مرحلة ما بعد الهولوكوست، وفي إثر الفظائع النازية، أُعيد اختراع كون المرء يهوديًا من جديد في إثنيّة مفردة. واليوم، يُعامَل اليهود العرب من العراق والمغرب واليمن، مع اليهود الفالاشا المتكلمين بالأمهرية من الحبشة، واليهود الروس، والألمان، والبولنديين، على أنهم ينتمون إلى إثنيّة واحدة، إن لم يكن إلى عنصر واحد، في نظر النظام الصهيوني الإسرائيلي.

كما يخبرنا الكتاب أنه في الاستراتيجيات الصهيونية، ثمة قائمة طويلة – يستعرض الكتاب نماذج منها – من القادة الصهيونيين الذين بدّلوا رسميًا أسماءهم من الروسية والأوروبية الشرقية إلى أسماء ذات رنّة عبرية.

على سبيل المثال:

  • دايفيد بن غوريون (1886 – 1973)، رئيس الوزراء، وزير الدفاع الإسرائيلي، استخدم الجيش الإسرائيلي بعد عام 1948، ليفرض عبرنة عمومية، وتنقية للأسماء العائلية والشخصية،. ولد باسم دايفيد غرون في روسيا؛ كان اسم أمه شاينديل، واسم زوجته الروسية المولد، باولين مونفايس، حين قابلته وتزوجت منه في نيويورك (وغيّرت فيما بعد اسمها إلى باولا).
  • موشي شاريت، ولد في روسيا باسم موشي شيرتوك عام 1894، وصار وزير خارجية إسرائيل عام 1948، واختار أن يعبرن اسمه العائلي عام 1949، بعد إنشاء دولة إسرائيل.
  • غولدا مئير، ولدت باسم غولدا مابوفيتش في كييف عام 1898، ثم سميت فيما بعد غولدا مايرسون. وجدير بالذكر أنها لم تعبرن اسم عائلتها إلا حين أصبحت وزيرة خارجية عام 1956 (كانت رئيسة للوزراء بين عامي 1969 و1974).
  • يتسحاق شامير، ولد باسم إتسهاك جيزييرنيسكي في شرق بولندا عام 1915، كان وزير خارجية عامي 1981 و1982، ثم رئيس وزراء (1983 – 1984)، وبين عامي 1988 و1992.
  • أريئيل شارون، ولد باسم إرييل شاينرمان، في فلسطين الاستعمارية عام 1928 (لوالديه شموئيل وفيرا التي صار فيما بعد اسمها العبري دفورا، وهما مهاجران إلى فلسطين من روسيا)، كان رئيس وزراء بين عامي 2001 و2006.
  • مناحيم بيغين، مؤسس حزب ليكود، وسادس رئيس لوزراء إسرائيل، ولد في بريست – ليتوفسك، التي كانت جزءًا من الإمبراطورية الروسية، باسم مييتشيسلاف بييغون.

وفي الواقع – يروي الكتاب – فإنه حتى مجيء الصهيونية الأوروبية، كان الأعضاء في الجماعة الأقلية اليهودية المتكلمة بالعربية في فلسطين، الذين كانوا يُعرَفون محليًا بإعزاز، بعبارة «اليهود أولاد العرب»، جزءًا لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، وكانت العربية لغتهم وثقافتهم وتراثهم.

ويتطرق الكتاب أيضًا إلى احتلال الاستعمار الاستيطاني قلب الصراع في فلسطين؛ فالاستعمار الاستيطاني «بنية لا حدث». ويقول نور مصالحة إن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني «مغروس بعمق في النزعة الاستعمارية الأوروبية». ويشرح أكثر فيقول إنه غالبًا ما نظر المستعمرون البريطانيون، بإنكارهم وجود الشعوب الأصلية وحقوقها، إلى مناطق شاسعة من الكرة الأرضية على أنها قفار (terra nullius) ليست «لأحد». ويوضح أن هذه العبارة اللاتينية (التي هي في الأصل تعبير قانوني روماني)، كانت مستخدمة لوصف أراضٍ «لم تكن تحت سيادة أي دولة أوروبية – والسيادة على القفار قد تتحقق بالاحتلال، و/أو الاستعمار الاستيطاني»، وفق هذا المفهوم.

https://www.bue.edu.eg/

وفي الختام، يشدد المؤلف على أن «نزع بصمات الاستعمار عن التاريخ، واستعادة التراث القديم، والثقافة المادية لدى الفلسطينيين، وفي فلسطين، وحفظهما، هما أمران حيويان». ويضيف: «ثمة حاجة عاجلة إلى تعليم تاريخ فلسطين القديم، وتاريخ الفلسطينيين المحليين (مسلمين، ومسيحيين، وسامريين، ويهود)، بما في ذلك إنتاج كتب تعليم فلسطينية جديدة ونقدية، للمدارس، والمعاهد، والجامعات، وكذلك لملايين اللاجئين الفلسطينيين المنفيين». كما يرى أنه «لابد لهذا الفهم، وهذا التعليم، من أن يشملا مادة علم الآثار النقدي الجديد في فلسطين، والفهم النقدي الجديد للتاريخ القديم، وذكريات هذه البلاد».

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى