أخبار وتقارير

التعليم العالي و«اشتباكات السياسة».. ماذا وراء إغلاق حرم جامعة تكساس إي آند إم في قطر؟

رغم تباين التفسيرات المثارة حول قرار إغلاق حرم جامعة تكساس إي آند إم في قطر، مؤخرًا، إلا أن البيانات المتواترة من أطراف «الأزمة»، تسلط الضوء على مدى التداخل فيها بين «التعليم العالي» و«اشتباكات السياسة».

البداية كانت ببيانين متواترين، في التاسع من فبراير (شباط) الجاري، أعلنت فيهما الجامعة الأم، و«مؤسسة قطر» التي تستضيف فرع الجامعة في الدوحة، فض الشراكة بحلول العام 2028، رغم اختلاف الجانبين في إيراد الأسباب، والملابسات التي انتهت إلى هذا القرار.

وأعلن مجلس أمناء الجامعة الأم في الولايات المتحدة إجراء تصويت انتهى بالموافقة على إنهاء العقد مع «مؤسسة قطر»، التي تمول فرع الجامعة الرئيسي في الدوحة، مما أنهى فعليًا البرنامج الذي مضى عليه 20 عامًا.

اقرأ أيضًا: (دراسة جديدة: تكلفة فروع الجامعات الأميركية في الخليج أكبر من عائدها المعرفي).

ويعني التصويت على إنهاء العقد مع «مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع» الحكومية، أن الجامعة ستبدأ في إنهاء حرمها الجامعي في الدوحة خلال السنوات الأربع المقبلة قبل إغلاق أبوابها رسميًا. وكان من المقرر أن يستمر عقد الشراكة الحالي حتى 30 يونيو (حزيران) 2033، قبل الإعلان عن القرار الأخير.

تم التصويت بأغلبية سبعة أصوات مقابل واحد، دون مناقشة. وفي بيان صحفي، أُرسل بعد التصويت، أعلن مجلس إدارة الجامعة إعادة تقييم وجود الجامعة في قطر هذا الخريف «بسبب تزايد عدم الاستقرار في الشرق الأوسط».

لتفسير قرارها، أشارت الجامعة، في بيانٍ صادر عن مجلسها، إلى «تزايد انعدام الاستقرار الإقليمي». وبدورها، أصدرت «مؤسسة قطر» ردًا وصفت فيه هذه الخطوة بأنها «متأثرة بحملة تضليل».

وأصدر رئيس الجامعة مارك ويلش، وهو جنرال متقاعد بالقوات الجوية، نفيًا للاتهامات، ووصفها بأنها «خاطئة» و«غير مسؤولة».

اقرأ أيضًا: (حرب غزة تثير تساؤلات حول الحريات الأكاديمية في الجامعات الأمريكية).

وقال رئيس مجلس الإدارة بيل ماهومز: «قرر مجلس الإدارة أن المهمة الأساسية لجامعة تكساس إيه آند إم يجب أن تُطوّر بشكل أساسي في تكساس والولايات المتحدة. بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين، لن تحتاج الجامعة بالضرورة إلى حرمٍ جامعي على بعد 8000 ميل لدعم التعاون التعليمي والبحثي».

الحرب الإسرائيلية على غزة

وجاء قرار الجامعة على خلفية الحرب الإسرائيلية على غزة، وما نجم عنها من تصعيد التوترات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، لكنه يأتي أيضًا في أعقاب انتقادات متزايدة لقطر على وجه التحديد بسبب علاقاتها مع حركة «حماس» التي شنت هجمات مباغتة ضد أهداف إسرائيلية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وردت عليها إسرائيل بحرب انتقامية مدمرة ضد قطاع غزة.

وتقول القيادة القطرية إن الولايات المتحدة تدعم قرارها استضافة المكتب السياسي لـ«حماس» في الدوحة، وقد أشادت إدارة بايدن بدورها كوسيط بين إسرائيل و«حماس»، مما يسهل المفاوضات بشأن الرهائن. وخلال الهدنة المؤقتة بوساطة قطرية، أطلقت «حماس» سراح حوالي 100 رهينة.

وتدفع الحكومة القطرية مئات الملايين من الدولارات كتكاليف تشغيلية للجامعات كل عام، وفي المقابل توفر فروع الجامعات الأجنبية في الدوحة تعليمًا عاليًا نخبويًا لمئات الطلاب القطريين، وغيرهم من جميع أنحاء المنطقة.

في رسالة من «مجموعة مراقبة معاداة السامية» في يناير (كانون الثاني)، تعرضت جامعة تكساس إيه آند إم للهجوم بسبب علاقاتها مع قطر. واتهمت الرسالة الجامعة بالتورط في «صفقة سرية منحت قطر السيطرة على تكنولوجيا الأسلحة النووية»، ووصفت قطر بأنها «دولة تدعم حركة ماس والجماعات المسلحة الأخرى».

من جانبه، نفى المتحدث باسم الجامعة مايك رايلي، في بيان مكتوب، أن يكون قرار إغلاق الحرم الجامعي في قطر متأثرًا بـ«حملة تضليل». وأضاف البيان أن النقاش حول مستقبل الفرع «بدأ قبل ورود معلومات كاذبة عن جامعة تكساس إي آند إم وقطر».

«السياسة وصناعة القرار الأكاديمي»

في المقابل، أعلنت «مؤسسة قطر»، في بيان رسمي، الخميس، تلقينا نسخة منه، إنهاء الشراكة مع الجامعة التي تأسست في العام 2003، وتخرج فيها أكثر من 1500 مهندسًا، وشكلت تعاونًا حيويًا مع العديد من القطاعات، وأنتجت بحوثًا رائدة في الهندسة والاستدامة لمدة تزيد عن 20 عامًا، على حد قول البيان. وعزت المؤسسة هذا القرار إلى قرار مجلس الأوصياء بالجامعة. وأشارت هند زينل، المدير التنفيذي للإدارة والاستراتيجية والشراكات في قطاع التعليم العالي بمؤسسة قطر، إلى إقامة المؤسسة «شراكات راسخة مع الجامعات الدولية، وذلك من خلال الرؤية طويلة الأمد التي تقوم عليها منظومتها للتعليم والبحوث وتنمية المجتمع ذات المستوى العالمي». وأضافت: «استراتيجية مؤسسة قطر للتعليم العالي تأخذ بعين الاعتبار مستقبل المنظومة التعليمية. وفي أعقاب قرار جامعة تكساس إي آند إم إنهاء شراكتنا، سوف يُشرَع في تنفيذ وتسريع مراحل هذه الاستراتيجية، بحيث تضمن استمرارية عمليات التعليم والتطوير الشخصي وإجراء البحوث الأكاديمية للطلاب المسجلين خاصة في مجال الهندسة».

«حملة تضليل»

وفي معرض تعليقها على خطوة الإغلاق، قالت زينل: «قرار مجلس حكماء جامعة تكساس إي آند إم إنهاء الشراكة مع مؤسسة قطر تأثر بحملة تضليل تهدف للإضرار بمصالح المؤسسة. ومن المثير للقلق أن هذه المعلومات المضللة أصبحت العامل الحاسم في اتخاذ هذا القرار بما يتجاوز المبادئ الأساسية للتعليم والمعرفة، ولا يراعي التأثير الإيجابي الكبير الذي أحدثته هذه الشراكة على كل من دولة قطر والولايات المتحدة».

وتابعت: «من المخيب للآمال أن تقع مؤسسة أكاديمية ذات مكانة عالمية مثل جامعة تكساس إي آند أم ضحية مثل هذه الحملة، وتسمح للسياسة بالتسلل إلى عملية صنع القرار لديها. لم يكلف مجلس أوصياء الجامعة نفسه في أي وقت عناء التواصل مع مؤسسة قطر لتقصي الحقيقة قبل اتخاذ هذا القرار الذي بني على أساس خاطئ».

وختمت بقولها: «مع ذلك، فإن القرارات التي تستند إلى أي اعتبار يتجاهل مصالح الطلاب وسعيهم للحصول على العلم والمعرفة لن تؤثر على رؤيتنا للتعليم العالي في مؤسسة قطر واستراتيجيتنا لتحقيق هذه الرؤية».

«مفاهيم خاطئة»

وفي السياق نفسه، كتبت الصحفية القطرية حصة آل ثاني، والتي تتابع دراستها في كلية «ميديل» للصحافة المرموقة، في مقال رأي، ما يلي:

في رسالة دعم نُشرت في 13 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، حافظ الرئيس المؤقت مارك أ. ويلش الثالث على موقف محايد تجاه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، مثل العديد من الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة. إذا كان البيان الأولي للحرم الجامعي محايدًا، فما هي التطورات التي حدثت خلال الـ 118 يومًا التي أدت إلى قرار إغلاق فرعهم في قطر في نهاية المطاف؟

وبعد شهر من الإبادة الجماعية – تقول حصة آل ثاني – حث السفير مارك دي والاس، الرئيس التنفيذي لمشروع مكافحة التطرف (CEP)، الجامعات الأمريكية في قطر على مطالبة العائلة الحاكمة بتسليم قادة «حماس». وانتقد الجامعات، بما في ذلك جامعة تكساس إيه آند إم، لعملها في بلد يعتبره دولة راعية لـ«الإرهاب» و«التطرف».

وجاء في المقال: لقد أدام تأطير العرب والدول العربية في وسائل الإعلام الغربية، وخاصة بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، وجهات نظر متحيزة، كما أبرزت ملاحظات إدوارد سعيد في كتابه «تغطية الإسلام». ومضت الكاتبة تقول: «كثيرًا ما يُصوّر المسلمون والعرب بشكل ضيق على أنهم إما موردون للنفط أو إرهابيون محتملون، الأمر الذي يساهم في استمرار المفاهيم الخاطئة. ويستمر هذا البناء الإعلامي في التأثير على القرارات المعاصرة، وهو ما تجسد في الحالة الأخيرة حيث حث مشروع مكافحة التطرف جامعة تكساس إي آند إم على قطع العلاقات مع مؤسسة قطر بسبب مخاوف تتعلق بهجمات 7 أكتوبر، وحماس.

ورأت الكاتبة أن الصدام بين الروايات الإعلامية، والاعتبارات السياسية، والمبادئ التعليمية، يسلط الضوء على مدى تعقيد الشراكات الدولية في بيئة تشكلها التحيزات التاريخية. وقالت: «تثير التطورات الأخيرة في جامعة تكساس إي آند إم في قطر شعورًا بالحزن وخيبة الأمل. وفي ضوء ذلك، يمكن لمؤسسة قطر أن تفكر في إعادة تقييم التعاون مع المؤسسات الأمريكية، مع الاعتراف بالطبيعة السياسية المتأصلة للجامعات وعملها وفق أجندات كامنة».

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى