أخبار وتقارير

هل تتعرض «جنسيات» بعينها لمضاعفات «كوفيد-19» الحرجة؟..دراسة تجيب

أمام ألغاز وباء كوفيد-19، وآثاره، وتفاعلاته المتباينة من بلد إلى آخر، يقف المجتمع العلمي، منذ نحو عامين، على أطراف أصابعه؛ بحثًا عن إجابة لتساؤل، أو تفسير لظاهرة محيرة.

من هنا، تثير الدراسة، التي نشرتها حديثًا دورية «نيتشر»، الرائدة في أبحاث العلوم، جدلًا علميًا واسعًا، وخاصة بين خبراء الفيروسات؛ إذ توجه، بشكل صريح، الاتهام إلى «جين وراثي»، لمجتمعات بعينها، بالمسؤولية عن حدوث «مضاعفات حرجة»، بعد الإصابة بفيروس كورونا المستجد، لأشخاص ينتمون لمناطق محددة، أو إثنيات دون أخرى.

وهذا الجين الوراثي – وفق الدراسة – هو (LZTFL1) المسؤول عن «زيادة المضاعفات والأعراض الحرجة، والإصابة بفشل الجهاز التنفسي المصاحب للعدوى بفيروس كورونا المستجد». وترجع الدراسة السبب إلى دور هذا الجين في «منع الخلايا المبطنة للجهاز التنفسي والرئتين من الاستجابة للفيروس بشكل صحيح، وذلك من خلال زيادة إنتاجها لبروتين ACE2  على سطحها، والتي يرتبط بها فيروس كورونا المستجد، مما يساعد الفيروس على غزو الخلايا، وإحداث العدوى بكفاءة أعلى».

الدراسة التي حملت عنوانًا يقول: «تحديد الجين الوراثي LZTFL2 كعامل مرشح في مضاعفات كورونا»، بحثت أثر هذا الجين الوراثي على زيادة فرص حدوث تلك المضاعفات، والكيفية العلمية التي يجري بها الأمر.

في مقابلة مع «الفنار»، يقول باخوس طنوس، الأستاذ في كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد: «تاريخيًا؛ تؤثر العوامل الجينية الوراثية على الإصابات بعدة فيروسات، مثل فيروس الأنفلونزا (H1N1)، المعروف بين البشر بجائحة أنفلونزا الخنازير التي وقعت في عام 2009، والإيبولا، وعدوى فيروس الورم الحُلَيمِي البشري (HPV)».

«تاريخيًا؛ تؤثر العوامل الجينية الوراثية على الإصابات بعدة فيروسات، مثل فيروس الأنفلونزا (H1N1)، المعروف بين البشر بجائحة أنفلونزا الخنازير التي وقعت في عام 2009، والإيبولا، وعدوى فيروس الورم الحُلَيمِي البشري (HPV)».

باخوس طنوس
الأستاذ في كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد

ويترأس «طنوس»، وهو لبناني أمريكي، قسم الأبحاث السرطانية بمستشفى ماساتشوستس العام (المستشفى الجامعي التعليمي الرئيسي لكلية الطب بجامعة هارفارد).

وعلى الرغم من إشارة الدراسة إلى الكيفية التي تتم بها التغييرات الجذرية في «الكروموسوم»، والذي يساعد على زيادة إنتاج البروتين ACE2، المسؤول عن حدوث المضاعفات، إلا أن «طنوس» يؤكد، في المقابل، أن هذا الجين الوراثي «يلعب – من جهة ثانية – دورًا إيجابيًا في منع تغيير الخلايا لتكون سرطانية بسرعة أكبر، حيث إن زيادة إنتاج البروتين ACE2 تجعل لدى حاملي هذا الجين مناعة أكبر في تكاثر الخلايا السرطانية بسرعة».

ورصدت الدراسة أن نحو 60% من الأشخاص في بريطانيا، الذين تعود أصولهم إلى جنوب آسيا، يحملون هذه النسخة من الجين الوراثي مقارنة بنسبة 15%، من أولئك الذين ينحدرون من أصل أوروبي، «مما يفسر جزئيًا ارتفاع معدلات الوفيات، ومشاهد دخول المستشفيات التي شوهدت في بعض مجتمعات المملكة المتحدة، وكذلك تأثير كورونا في شبه القارة الهندية، وتسجيل سكانها من بين الأكثر عرضة للمضاعفات الحرجة».

عن ذلك، تقول منى كيال، استشاري الأمراض الفيروسية والجرثومية، بمستشفى براغ الجامعي لـ«الفنار»: «يبدو أن هناك استعدادًا وراثيًا عند بعض الأشخاص، أو حتى بعض الإثنيات، قد يساهم في زيادة خطر المضاعفات عند الإصابة بفيروسات مثل الفيروس المسبب لكوفيد-19، أو الأنفلونزا وغيرها». وتشير إلى «دراسات توصلت إلى وجود علاقة محتملة بين بعض الجينات وشدة الإصابة، حيث قارنت الجينوم البشري عند من أصيبوا بأعراض شديدة، وبين الذين أصيبوا بالفيروس دون أعراض خطيرة».

ومع ذلك، تؤكد استشاري الأمراض الفيروسية على أنه «لا يمكن إغفال عوامل الخطورة الأخرى التي تزيد نسبة حدوث المضاعفات بشكل خطير، وخاصة التقدم في العمر والبدانة المفرطة، ومرض السكري، وأمراض القلب والأمراض التنفسية المزمنة والسرطانات. والتي قد يضاف لها ربما العوامل الجينية والإثنية».

«لا يمكن إغفال عوامل الخطورة الأخرى التي تزيد نسبة حدوث المضاعفات بشكل خطير، وخاصة التقدم في العمر والبدانة المفرطة، ومرض السكري، وأمراض القلب والأمراض التنفسية المزمنة والسرطانات. والتي قد يضاف لها ربما العوامل الجينية والإثنية».

منى كيال  
استشاري الأمراض الفيروسية والجرثومية، بمستشفى براغ الجامعي

لكن إسلام حسين، الباحث في علم الفيروسات، يقول لـ«الفنار» إن الصورة «لا تزال غير مكتملة». ورأى أن اعتبار هذا الجين «عاملًا وحيدًا مسؤولًا عن تحديد مدى خطورة الإصابة، تصور مخل لمرضٍ غاية في التعقيد، لا زلنا نحاول فك شفراته».

ويوضح الباحث المصري المقيم بالولايات المتحدة، رؤيته بالقول إن الفيروس المسبب لمرض نقص المناعة المكتسب (إيدز) يعد «أحد أبرز الأمثلة على دور الجينات في الأمراض الفيروسية؛ حيث إن هناك نسبة بسيطة من البشر (أغلبهم من سكان أوروبا)، يحملون طفرة جينية تجعلهم غير قابلين للعدوى». لكنه يتابع قائلًا: «الصورة مختلفة تمامًا مع فيروس كورونا، وليست بالشكل الأبيض، أو الأسود الذي قد يتخيله البعض. نحن أمام دراسة مثيرة للاهتمام، وتكشف عن أحد العوامل الجينية التي قد تلعب دورًا في تحديد فرصة حدوث مضاعفات خطيرة، ولكنها بالطبع لا ترسم الصورة كاملة».

لذلك، يتوقع «حسين»، إجراء المزيد من الدراسات في المستقبل التي «ستكشف الستار عن المزيد من العوامل الجينية التي تتحكم في أدق التفاصيل الميكانيكية لعدوى فيروس كورونا، وربما تلعب أدوارًا أكثر أهمية». وهو ما يؤيده طنوس، مشيرًا إلى الحاجة «لإجراء مزيد من الدراسات البحثية لتشمل أكثر من دولة، وتضم عددًا أكبر من الجنسيات؛ للتأكد من دور هذا الجين الوراثي في حدوث المضاعفات عند الجنسيات التي تحمله بنسبة كبيرة، كما أوردت الدراسة».

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

ويرى أستاذ الصحة العامة بجامعة هارفارد أن «النتائج التأكيدية للدراسة تساهم في ابتكار أدوية قد تساعد على خفض نسب المضاعفات، عبر خفض نسب البروتين عند الإصابة بفيروس كورونا في الجسم، وخاصة عند الجنسيات الأكثر حملًا لبروتين هذا الجين الوراثي (..) توجد علاجات حاليًا لوقف انتشار الفيروس، لكن نتائج الدراسة ستساعد الباحثين على تحديد آلية فاعلية دوائية تعمل على خفض بروتين  ACE2بشكل يسهم في وقف مهاجمة الفيروس للجهاز التنفسي».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى