
مع بدء العد التنازلي لانعقاد مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، والمعروف باسم COP28 بالإمارات، يبرز مفهوم «محو الأمية المناخية» في الأوساط الأكاديمية، كإحدى وسائل تزويد الطلاب، والمجتمعات بالمعرفة والمهارات اللازمة للتعامل مع أزمة المناخ.
وتقام فعاليات المؤتمر العالمي في الثلاثين من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، وتستمر حتى الثاني عشر من كانون الأول/ديسمبر المقبل.
مع تأكيدها على أهمية التوعية المناخية، تقول أستاذة الإعلام البيئي بالجامعة اللبنانية، الدكتورة راغدة حداد، إن المنطقة العربية «تعاني بشكل واضح من تأثير التغير المناخي، وخاصة فترات الجفاف الطويلة، والتصحر، والعواصف الترابية، والتدهور الساحلي، واختلال النظم البيئية».
ومع ذلك – تضيف حداد – لا يزال الوعي بهذه التحديات، وما يجب القيام به على مستوى الدولة والمؤسسات والأفراد، «محدودًا في المنطقة العربية».
اقرأ أيضًا: (بطلب من الدول النامية.. إدراج «الخسائر والأضرار» في أجندة مؤتمر المناخ COP27).
وتضيف الأكاديمية اللبنانية، في تصريح لـ«الفنار للإعلام» أن التعليم العالي يجب أن يؤدي «دورًا أساسيًا في التوعية بالآثار المحتملة لتغير المناخ في العالم العربي، وما يتوجب على المؤسسات والحكومات والمواطنين فعله؛ فالشخص غير الأمّي مناخيًا يفهم كيف تؤثر الأنشطة البشرية على النظام المناخي، وكيف يكون لتغير المناخ عواقب على نظام الأرض، وحياة الإنسان».
مفهوم الأمية المناخية
لكن ماذا نعني بـ«محو الأمية المناخية»؟ يجيب، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام في جامعة الأزهر بمصر، الدكتور عبد العظيم خضر بالقول إن الأمية المناخية تعني عدم الوعي بالأبعاد الرئيسية لبيئة كل فرد؛ إذ تؤثر الأنشطة الصناعية، والاقتصادية، وكذلك السلوك الاجتماعي، في البيئة.
وبينما يقول إن التثقيف البيئي يجب أن يشمل أطياف المجتمع كافة، يوضح، في تصريح لـ«الفنار للإعلام»، أن «التعليم وسيلة قوية لبناء المعرفة البيئية، وتغيير السلوكيات الخاطئة».
التعليم العالي يجب أن يؤدي دورًا أساسيًا في التوعية بالآثار المحتملة لتغير المناخ في العالم العربي، وما يتوجب على المؤسسات والحكومات والمواطنين فعله.
الدكتورة راغدة حداد، أستاذة الإعلام البيئي بالجامعة اللبنانية
ويشرح أكثر قائلًا: «يمكن بناء وتنمية الوعي البيئي عبر تضمين المفردات البيئية، والمناخية، ضمن المقررات والمناهج الدراسية، ولكن الإشكالية تكمن في مدى الاستعداد للقيام بهذه المهمة، من حيث توافر الأساتذة المؤهلين، والمواد والمصادر اللازمة، والتي تحتاج تمويلًا مناسبًا، فضلًا عن اعتماد طرق تدريس أكثر انفتاحًا، ومرونة، بعيدًا عن طرق التدريس التقليدية».
اقرأ أيضًا: (مبادرات طلابية بجامعات الإمارات لمواكبة الاستعداد لمؤتمر المناخ C0P28).
وفق دراسة أجرتها منظمة اليونسكو، في العام 2022، وشملت 17,500 ألف شاب من 166 دولة، فإن نسبة لا بأس بها من هذه العينة «يعانون من نقص في المعلومات البيئية والمناخية، حيث أكد 27% من المشاركين أنهم ليسوا على معرفة بالمبادئ والمصطلحات العامة لتغير المناخ».
ورأى 77% ممن شملتهم الدراسة أن «تغير المناخ» يجب تدريسه من قبل أشخاص ذوي خلفيات مختلفة، مع ضرورة «تجاوز جدران المدارس والجامعات للتعلم من خلال الانخراط في الأنشطة البيئية القائمة على المشاريع، والعمل مع المنظمات والخبراء البيئين لمعالجة تعقيد القضية».
البحث العلمي والتغير المناخي
ويقول الأكاديمي المصري إنه مع التأكيد على ضرورة مشاركة المؤسسات المعنية كافة في هذه الجهود لمحو الأمية المناخية، يشدد على أهمية «وجود تقييم علمي واع لمتابعة التنفيذ، وقياس أثر هذه الممارسات بصفة دائمة لتوجيهها نحو الوجهة السليمة».
وأظهرت دراسات أجريت حول تأثير سلوك الطلاب، بعد إدراج التثقيف البيئي في مناهج الدراسة الجامعية، «نتائج إيجابية»؛ حيث «ثبت أن برامج التعلم التي تركز على الحفاظ على البيئة تعمل على تعزيز المواقف والمفاهيم والقيم البيئية، فضلًا عن بناء المهارات التي تُعّدُ الأفراد والمجتمعات للقيام بعمل بيئي إيجابي وبشكل تعاوني».
وترى راغدة حداد أنه بإمكان الدول العربية مواكبة العمل الدولي في هذا الإطار، من خلال «دعم البحوث العلمية من أجل تطوير وقود ذي انبعاثات كربونية منخفضة، ما يقلل من معدلات تلوث الهواء»، مشددة على أن «البحث العلمي هو السبيل الواضح للجامعات العربية إن أرادت اللحاق بالركب العالمي في التصدي للتغير المناخي».
آليات أكاديمية للتوعية المناخية
ويحدد أستاذ الدراسات البيئية بجامعة عين شمس في مصر، الدكتور عبد المسيح سمعان، في تصريح لـ«الفنار للإعلام»، بعض الآليات الأكاديمية للتوعية المناخية. ومن ذلك: تضمين البعد البيئي في المقررات الدراسية للمراحل التعليمية كافة، بصورة مباشرة، أو عبر أنشطة وفعاليات ومعسكرات تجمع الطلاب لتعريفهم بالمفاهيم المرتبطة بالتغير المناخي وسبل المواجهة.
«يمكن بناء وتنمية الوعي البيئي عبر تضمين المفردات البيئية، والمناخية، ضمن المقررات والمناهج الدراسية، ولكن الإشكالية تكمن في مدى الاستعداد للقيام بهذه المهمة، من حيث توافر الأساتذة المؤهلين، والمواد والمصادر اللازمة»
الدكتور عبد العظيم خضر، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام في جامعة الأزهر بمصر
ويدعو سمعان إلى التفريق بين خطاب بيئي دراسي وآخر، حسب كل فئة ومرحلة، حتى تصل المفاهيم واضحة، في رسائل محددة لكل شريحة من المتلقين، ما يحقق أهداف العمل التوعوي في نهاية المطاف، على حد قوله.
وبينما تنص المادة الثانية من «اتفاقية باريس» على الدعوة إلى «تعزيز التعليم والتدريب والتوعية العامة، ووصول الجمهور إلى المعلومات المتعلقة بتغير المناخ»، تفيد دراسة سابقة لليونسكو حول الموضوع نفسه، فإن نحو ثلثي المشاركين في تلك الدراسة، التي تعود إلى العام 2020، رأوا أن «التعليم هو المفتاح للتصدي للتغير المناخي، وما يترتب عليه من فقدان التنوع البيولوجي».
وكانت المفاجأة عندما ذكر المبحوثون، في الدراسة، أن «أكثر من نصف المناهج التعليمية، خلال المرحلتين الابتدائية والثانوية، لم تذكر التغير المناخي» للطلاب، قبل انتقالهم إلى المرحلة الجامعية.