خاص| «الاعتراف الأكاديمي» والدولار.. تحديات تواجه طلاب التعليم العالي في الشمال السوري

من بين تحديات عديدة فرضتها الحرب في سوريا على القطاع الأكاديمي، يواجه طلاب التعليم العالي في الشمال السوري أزمات متنوعة، وسط مساعٍ من المؤسسات الجامعية، في المنطقة الخاضعة لسيطرة قوى معارضة، للبحث عن حلول.
أحد أبرز هذه الأزمات هي مسألة «الاعتراف الأكاديمي» الدولي، بالدرجات العلمية الممنوحة من جامعات الشمال السوري، بالإضافة إلى أزمة اعتماد سداد الرسوم الدراسية بالدولار الأمريكي، وليس بالليرة السورية التي سجلت انهيارات متتالية أمام العملة الأمريكية حتى صار الدولار الواحد يساوي نحو عشرة آلاف ليرة.
وبحسب أكاديميين، فإن افتتاح جامعات في الشمال السوري، قبل حوالي عشرة أعوام، جاء ضمن «خطة طوارئ»، حيث كانت تعيش المنطقة حالة حرب واسعة، ولم يكن من الممكن أن تنال اعترافًا أكاديميًا من أي جهة، بسبب غياب عامل الأمان، بحسب أستاذ الاجتماع بجامعة إدلب، الدكتور خالد الراضي.
اقرأ أيضًا: (رهف الدغلي.. أكاديمية سورية تواجه محنة اللجوء بأدوات البحث العلمي).
ومن أبرز جامعات الشمال السوري: جامعة إدلب، وجامعة حلب الحرة، وجامعة غازي عنتاب، وجامعة الشام العالمية، وجامعة الشمال الخاصة، وجامعة ماري، وأكاديمية الأناضول للعلوم، وجامعة الحياة للعلوم الطبية.
«والدي لا يعمل منذ أربعة أعوام، وقد استدان القسط الدراسي السنوي لي العام الماضي، لكن هذا العام، لم نعد قادرين على ذلك؛ فنحن نازحون ونعيش في منزل بالإيجار، ونعاني في سبيل تغطية نفقات المعيشة وحدها».
الطالبة بكلية التربية في جامعة إدلب، ريهام العبد الله
ويقول الراضي، في تصريح لـ«الفنار للإعلام»: «عندما تحقق الاستقرار النسبي، كانت هناك تحركات لنيل الاعتراف الأكاديمي، وخاصة من تركيا، حيث أصبح من حق الطلاب، معادلة شهاداتهم مع جامعات تركية، أو استكمال دراساتهم فيها».
وضمن هذه المساعي، أعلن «مجلس التعليم العالي في إدلب»، في وقت سابق، الانضمام إلى «شبكة ضمان الجودة في آسيا والمحيط الهادئ» (APQN)، وهي إحدى شبكات الجودة الخمس في العالم، وتضم نحو 235 مجلس تعليم عال، بالإضافة إلى هيئات، ووكالات، وجهات اعتماد دولية وإقليمية. وكانت جامعة إدلب قد أعلنت كذلك انضمام كلية الصيدلة بالجامعة إلى «الجمعية الأوروبية لكليات الصيدلة».
ويقول الدكتور محمد عاصي، أمين المجلس، في تصريح لـ«الفنار للإعلام»، إن عضوية هذه الشبكة، ومقرها شنغهاي في الصين، «يزيد من رصيد مجلس التعليم العالي في إدلب، حيث تفتح العضوية الباب لتوقيع مذكرات شراكة مع هيئات ومجالس تعليم عال دولية، وهو ما قد يؤدي إلى قبول شهادات خريجي جامعات الشمال السوري لدى الجامعات الأعضاء في نفس الشبكة».
ويشير عاصي إلى أهمية تلك العضوية في الجانب الأكاديمي، حيث تتيح لأعضاء هيئة التدريس المشاركة في الملتقيات البحثية، والمؤتمرات، وغير ذلك من الأنشطة العلمية، كما ترسخ شرعنة العملية التعليمية بالجامعات في شمال سوريا.
اقرأ أيضًا: (الباحثة في الآثار أمل قاسم.. مساعٍ في المهجر لتوثيق وحماية مواقع التراث السوري).
ويصف أستاذ اللغة التركية بجامعة «حلب الحرة»، الدكتور قتيبة الفرحات، ملف «الاعتراف الأكاديمي» بأنه «موضوع معقد للغاية وبحاجة إلى عمل طويل»، لكنه يُبدي تفاؤلًا بالمساعي الجارية لنيل الاعتراف من جامعات تركية ودولية، عبر مشاركة المناهج، ومحددات جودة التعليم مع بعض تلك الجامعات، وبعض أدوات قياس مستوى الطلاب
وردًا على سؤال حول ما إذا كان خريجو جامعات الشمال السوري قد تمكنوا من نيل وظائف بعد تخرجهم، قال الفرحات: «هناك المئات من الخريجين حصلوا على وظائف في المستشفيات، والمنظمات الإنسانية، بموجب شهاداتهم الجامعية، كما جعلت السلطات المسيطرة على المنطقة الأولوية لهؤلاء الخريجين في التوظيف».
ويبذل طلاب من الشمال السوري جهودًا دؤوبة لتخطي عقبة «الاعتراف الأكاديمي». ومن هؤلاء عبد الله الفارس، الذي صرّح لـ«الفنار للإعلام» بأنه تمكن من معادلة شهادة تخرجه في الطب من «جامعة حلب في المناطق المحررة»، في فرنسا عندما هاجر إليها. ويشير إلى أن زملاءه من بقية الطلاب بإمكانهم معادلة شهاداتهم مع جامعات تركية وأوروبية بعد الخضوع لفحص معياري يثبت جدارة الطالب بالالتحاق بالجامعة التي يرغب في الدراسة في صفوفها بالخارج.
وأعلنت جامعة «حلب الحرة»، أواخر أيلول/سبتمبر الماضي، حصولها على اعتماد رسمي من مجلس التعليم العالي التركي.

لكن لم تبدد كل تلك المحاولات والتطمينات مخاوف بعض الطلاب الذين يخشون من عدم وجود اعتراف حقيقي بالجامعات العاملة في الشمال السوري. ويقول طالب الطب البشري في جامعة حلب الحرة، نور سليمان لـ«الفنار للإعلام»: «أخشى من ضياع أكثر من 6 أعوام من الدراسة ما لم أتمكن من معادلة شهادتي مستقبلًا في إحدى الجامعات التركية لأنني أرغب في التخصص في جراحة العظام». ويضيف: «ليس لدي خيار سوى مواصلة الدراسة في شمال سوريا».
الدولار.. أزمة أخرى
أزمة أخرى يواجهها طلاب الجامعات في شمال سوريا، وهي سداد الأقساط الدراسية بالدولار. ولعدم قدرتها على الوفاء بذلك، اضطرت الطالبة بكلية التربية في جامعة إدلب، ريهام العبد الله، إلى التوقف عن الدراسة، حيث كانت بحاجة إلى 150 دولار كقسط سنوي، ونحو 300 دولار أخرى لشراء الكتب، ومصاريف الانتقال إلى الجامعة.
وتقول العبد الله، في تصريح لـ«الفنار للإعلام»: «والدي لا يعمل منذ أربعة أعوام، وقد استدان القسط الدراسي السنوي لي العام الماضي، لكن هذا العام، لم نعد قادرين على ذلك؛ فنحن نازحون ونعيش في منزل بالإيجار، ونعاني في سبيل تغطية نفقات المعيشة وحدها».
طالب الفرقة الثالثة في كلية الهندسة المدنية بالجامعة نفسها، أحمد الشرتح، واجه نفس المعضلة في توفير الدولار، لكنه تمكن من الوفاء بالقسط المطلوب بعدما حصل على عمل مع أحد المقاولين العاملين في المنطقة، حيث يتولى الطالب الشاب رسم المخططات الهندسية، مقابل 150 دولار شهريًا، تؤمّن له مواصلة الدراسة.
اقرأ أيضًا: (انتحار طالب يجدد التذكير بحاجة الجامعات السورية إلى برامج فعالة للصحة النفسية).
وعن تجربته، يقول أحمد الشرتح لـ«الفنار للإعلام»: «أتابع دراستي حاليًا دون مشكلات، لأن العمل لا يتعارض معها، حيث أعمل من المنزل في أغلب الأوقات».
«أهم المخاطر التي تواجه الطلاب خلال دراستهم هو عدم استقرار إقامتهم بسبب النزوح، والتهجير، وصعوبة التنقل من أماكنهم بسبب المخاطر الأمنية الناتجة عن الحرب وتبادل القصف»
رئيس جامعة حلب الحرة، الدكتور عبد العزيز الدغيم
وأمام ارتفاع تكاليف المعيشة، وندرة الوظائف، يضطر طلاب آخرون إلى ترك الدراسة، والالتحاق بأعمال أخرى، ليتمكنوا من مساعدة أسرهم، وخاصة إذا كان رب الأسرة غير قادر على اللحاق بفرصة عمل. ومن هؤلاء محمد الأسامة، طالب الهندسة المعمارية بجامعة إدلب الذي أوقف دراسته لينخرط في عمل يومي للإنفاق على أسرته، على أمل أن يتمكن لاحقًا من العودة إلى صفوف الجامعة.
ومن جانبه، يقول رئيس جامعة حلب الحرة، الدكتور عبد العزيز الدغيم، إن هناك بالفعل منظمات تساعد الطلاب في سداد الرسوم الدراسية، لكنها لا تكفي لتلبية حاجة أغلبية طالبي المساعدة، وخاصة في ظل الظروف المعيشية الصعبة.
وفيما ينشط آخرون في تنظيم حملات لجمع تبرعات للطلاب، عبر الإنترنت، يقول الدغيم، في تصريح لـ«الفنار للإعلام»: «أهم المخاطر التي تواجه الطلاب خلال دراستهم هو عدم استقرار إقامتهم بسبب النزوح، والتهجير، وصعوبة التنقل من أماكنهم بسبب المخاطر الأمنية الناتجة عن الحرب وتبادل القصف». كما يشير إلى أن قائمة التحديات تشمل أيضًا عدم وجود سكن جامعي للطلاب، واضطرارهم إلى قطع مسافات كبيرة حتى يتمكنوا من الوصول إلى الجامعة.