مقالات رأي

العالم يفقد جيلًا من العلماء بسبب الصراعات والنزاعات

تؤدي الصراعات، والعنف، وانتهاكات حقوق الإنسان، وتغير المناخ، إلى نزوح أعداد لا حصر لها من الناس من ديارهم وبلدانهم. ومن بين هؤلاء: العلماء، والأطباء، والمهندسون، وغيرهم من ذوي التدريب الفني المتقدم.

وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، قُدِّر عدد الأشخاص الذين اضطروا إلى النزوح من منازلهم في العالم، حتى أيلول/سبتمبر من العام 2023 بحوالي 114 مليون نازح، وهو أكثر من ضعف عددهم في 2013 البالغ 51,2 مليون نازح.

اقرأ أيضًا: (الأكاديمية جيهان السويحلي.. من مشاق النزاع الأهلي الليبي إلى تحديات المهجر في بريطانيا).

ورغم غياب تقديرات دقيقة لأعداد العلماء النازحين، إلا أنه من المحتمل أن يكونوا بالآلاف. وحتى مع حصول بعضهم على حق اللجوء، فإن انعدام الأمن يستمر في الغالب بسبب أوضاعهم غير المستقرة.

إن التعاون بين المؤسسات الأكاديمية في الدول العربية التي تشهد صراعات حادة، مثل السودان، وسوريا، وفلسطين، والمؤسسات الدولية، من شأنه تفعيل دور حاسم لإعادة تأسيس التعليم الجيد والبحث العلمي في تلك البلدان.

بحسب الأمم المتحدة، فقد أجبر الصراع المستمر في السودان منذ نيسان/أبريل الماضي، أكثر من مليون شخص على مغادرة البلاد، بينهم طلاب وعلماء وباحثون شباب، كما نزح أربعة ملايين آخرين داخل البلاد. وتعرضت أكثر من مائة جامعة للتدمير أو السرقة، في حين تهدد المواجهات العسكرية المتاحف، والمواقع التراثية التاريخية بالبلاد، فضلًا عن تسبب الاقتتال في إغلاق الجامعات، وتدمير البنية التحتية للمعامل والمختبرات الملحقة بها.

الحروب الكارثية وتهديد العلوم

وقد تناول تقرير، نُشر مؤخرا في دورية «نيتشر» (Nature)، الوضع البحثي والتعليمي في السودان بعد نحو 8 أشهر من اندلاع الاشتباكات المسلحة في العاصمة الخرطوم؛ حيث أدت المواجهات إلى نزوح آلاف الباحثين والطلاب بعد الدمار الذي طال العديد من الجامعات والمختبرات العلمية.

وأبرز التقرير الدور الذي تلعبه «الأكاديمية السودانية الوطنية للعلوم» في دعم علماء السودان النازحين عبر توثيق أسماء الباحثين المتضررين من النزاع، والسعي نحو إقامة شراكات مع المنظمات الدولية لتقديم الدعم للعلماء النازحين، وتنظيم فعاليات لتعزيز الوعي بالأزمة.

اقرأ أيضًا: (باحثات عراقيات يطلقن شبكة لتعزيز حضورهن العلمي في الميدان الأكاديمي).

ويدعو التقرير إلى دعم برامج الزمالة للباحثين النازحين، وإعادة إعمار الهياكل العلمية المتضررة، كما يطرح فكرة أهمية إنشاء برامج زمالات مؤقتة في جامعات أخرى آمنة، إما في السودان أو خارجها؛ لتمكين الباحثين من مواصلة أبحاثهم.

مبادرة «العلوم في المنفى»

تجمع مبادرة «العلوم في المنفى» (Science in Exile) العلماء المعرضين للخطر، والنازحين، واللاجئين جنبًا إلى جنب مع المنظمات المعنية بدعم هؤلاء العلماء وحمايتهم ودمجهم.

تأسست هذه المبادرة، في العام 2016، من قبل مجموعة من العلماء والباحثين والممارسين المعنيين بالأزمة العالمية للعلماء النازحين واللاجئين. ولها مجموعة متنوعة من الأنشطة، تشمل:

  1. الدعوة إلى سياسات وممارسات أكثر شمولًا لدعم العلماء النازحين واللاجئين.
  2. توفير الدعم المباشر للعلماء النازحين واللاجئين، بما في ذلك المنح الدراسية والتدريب والتوجيه.
  3. بناء الشراكات مع المنظمات الأخرى التي تعمل على دعم العلماء النازحين واللاجئين.

مستقبل أفضل للعلماء اللاجئين

إن التعاون بين المؤسسات الأكاديمية في الدول العربية التي تشهد صراعات حادة، مثل السودان، وسوريا، وفلسطين، وغيرها، والمؤسسات الدولية، من شأنه تفعيل دور حاسم لإعادة تأسيس التعليم الجيد والبحث العلمي في تلك البلدان.

ومن الضروري أن تكون المنح، والبرامج في الخارج قصيرة المدى، وتستمر لمدة سنة أو سنتين فقط، وتوفر فرصًا للعلماء للبقاء على اتصال ببلدهم الأم، حتى يتمكنوا من المساعدة في إعادة بناء المؤسسات الأكاديمية الوطنية بمجرد استعادة الاستقرار.

تواجه الأزمة العالمية للعلماء النازحين واللاجئين تحديات كبيرة، ويمكن للمجتمع العلمي الدولي أن يدعم الباحثين الموهوبين الذين تم تهجيرهم، وضمان استمرار مساهماتهم في مجتمعاتهم المحلية، وعلى الصعيد العالمي.

وفي السودان، على سبيل المثال، تتطلب عملية إعادة الإعمار مساعدات دولية كبيرة، وليس فقط بسبب تأثيرات الحرب الفورية، بل أيضًا بسبب التدهور الملحوظ في نظام التعليم العالي السوداني على مدار العقود الأخيرة، نتيجة لعدم وجود استقرار سياسي مستمر، ونقص الموارد والبنية التحتية غير الكافية. ويمكن للتعاون والبرامج المشتركة أن تساهم في إعادة تأسيس التعليم الجيد والبحث العلمي بالمؤسسات الأكاديمية السودانية.

اقرأ أيضًا: (العراقية هديل عبد الحميد.. الإفلات من نكبات الحروب إلى البحث العلمي في أستراليا).

وفي الوقت الراهن، لا تزال الفرص المتاحة للعلماء النازحين واللاجئين قليلة وغير مترابطة، ومعظمها في الشمال العالمي، مع آجال محدودة، وتضارب كبير بين البلدان المضيفة، وكذلك مشاركة محدودة من قبل المجتمع العلمي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأبحاث حول هذه القضايا ضئيلة للغاية.

وفق تقرير سابق لليونسكو، في العام 2021، فإن دمج العلماء اللاجئين والنازحين «يخلق وضعًا مربحًا للجانبين»، وعلى المجتمع الدولي التأكد من أن مهارات هؤلاء العلماء، وخبراتهم، لن تضيع سدى؛ فهؤلاء الأفراد يمثلون أصولًا لا تقدر بثمن للمجتمع العلمي العالمي بأكمله، كما أن فقدان المعرفة والأنظمة والبيانات العلمية له آثار خطيرة على بيئة العلوم الوطنية والدولية.

في النهاية، تواجه الأزمة العالمية للعلماء النازحين واللاجئين تحديات كبيرة، ويمكن للمجتمع العلمي الدولي أن يدعم الباحثين الموهوبين الذين تم تهجيرهم، وضمان استمرار مساهماتهم في مجتمعاتهم المحلية، وعلى الصعيد العالمي.

اقرأ أيضًا:

* عضو هيئة التدريس بقسم التقنية الحيوية، كلية العلوم، جامعة القاهرة، مصر.

للمزيد والتواصل مع الكاتب:

http://scholar.cu.edu.eg/tkapiel[email protected]

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى