مقالات رأي

نظام لإنشاء مبانٍ قادرة على التكيّف مع البيئة.. تجربة بحثية بجامعة الشارقة

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

في منطقة تشتهر بناطحات السحاب والحرارة الحارقة، يقود عارف مقصود، العالم في جامعة الشارقة، فريقًا بحثيًا يدرس استخدام أساليب التصميم الحسابي لإنشاء مبانٍ قادرة على التكيف مع الظروف البيئية.

معظم المباني في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومنطقة الخليج، مصنوعة من الخرسانة المسلحة، والفولاذ، مع ألواح كبيرة من الزجاج، وهذا ما يفشل في عزل أجزائها الداخلية بالكامل عن الحرارة الشديدة في الخارج. ولذلك، تُشغّل مكيفات الهواء المستهلكة للطاقة على مدار اليوم، مما يؤدي، ضمن أسباب أخرى، إلى تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري التي يلومها العلماء في حدوث موجات الحر الشديدة الحالية.

اقرأ أيضًا: (باحثون يسعون لحماية مصايد الأسماك في قطر لمواجهة التغير المناخي).

وهكذا، يتسابق العلماء في المنطقة على إيجاد تصميمات لمبانٍ مزودة بتكييف هواء «ذكي»، ومواد منخفضة التوصيل الحراري، بغرض التخفيف من تأثير الحرارة الحارقة طوال أشهر الصيف. ولتحقيق ذلك، عادة ما يتجهون إلى أدوات مثل التصميم الحسابي لتعزيز أبحاثهم.

دراسات التصميم الحسابي

مؤخرًا، نشر «مقصود» وزملاؤه في جامعة الشارقة دراسة في مجلة العمارة والهندسة حول استخدام التصميم الحسابي لحل المشكلات، وإنشاء مبانٍ ذكية يمكنها التعلم من بيئتها والتكيف معها. ويقول «مقصود»، الأستاذ المشارك في الهندسة المعمارية: «أسعى للتوصّل إلى تصميمات لمبنى ذاتي التعلّم قادر على التكيف والتعلم من البيئة»، مشيرًا إلى وجود دراساتٌ مماثلة حول تصميم المباني الذكية في أجزاء مختلفة من العالم.

«أسعى للتوصّل إلى تصميمات لمبنى ذاتي التعلّم قادر على التكيف والتعلم من البيئة».

عارف مقصود، أستاذ مشارك في الهندسة المعمارية بجامعة الشارقة.

وتبرز الدراسة الجديدة، لـ«مقصود» وزملائه، والتي تحمل عنوان: «التصميم الحسابي لأشكال وهياكل البناء المستقبلية المتكيفة بيئيًا»، في اعتمادها على أساليب التصميم الحسابي، والمواد الخضراء والمعاد تدويرها لإنشاء مبانٍ مستقبلية، ومتكيفة مع البيئة. يوضح «مقصود»: «تسد هذه الورقة فجوة في مجال الهندسة المعمارية من خلال استكشاف إمكانات التصميم الحسابي (CD) لإنشاء مبانٍ أكثر مسؤولية بيئيًا وقدرة على التكيف». ويقول إن تصميم فريقه «يتميز عن المشروعات السائدة بدمج التكنولوجيا المتقدمة، وكفاءة الطاقة، والاستدامة البيئية، وقدرات التكيف، وراحة الساكنين، وتوفير التكاليف على المدى الطويل».

مباني ذاتية التعلم

تتبع الدراسة الجديدة سلسلة من أوراقٍ بحثية سابقة حول استخدام التصميم الحسابي لإنشاء مبانٍ ذاتية التعلم. فازت إحداها، والمنشورة بعنوان «مباني التعلم الذاتي: دمج الذكاء الاصطناعي لإنشاء مبنى يتكيّف مع تحديات المستقبل»، بجائزة أفضل ورقة بحثية في المؤتمر الدولي للتنوع البيولوجي والتنمية المستدامة عام 2021.

نظام لإنشاء مبانٍ قادرة على التكيّف مع البيئة.. تجربة بحثية بجامعة الشارقة
عارف مقصود، أستاذ مشارك في الهندسة المعمارية بجامعة الشارقة (الجامعة).

عن أحدث دراسة أجراها الفريق، يقول «مقصود»: «إذا ما نُفّذ هذا المشروع في مكانٍ معين، فإن نظام البناء الذكي سيكون قادرًا على دراسة وجمع المعلومات داخليًا حول ثقافة ذلك المكان والتكيف مع تلك الثقافة». وأضاف: «ستستخدم أجهزة الاستشعار لمعرفة عدد الأشخاص في المبنى، والفترة الزمنية التي يقضونها معًا، والملابس التي يرتدونها، والإجراءات التي يتخذونها».

وسيكون للمبنى أيضًا القدرة على جمع وتخزين البيانات حول الطقس واستهلاك الطاقة. ويشرح «مقصود» ذلك قائلًا: «بناءً على البيانات المجموعة، تُتّخذ الإجراءات اللازمة لتقليل استخدام الطاقة في المبنى، مثل تغيير لون النوافذ لتقليل كمية الحرارة في الداخل».

مفاهيم من الطبيعة

استخدم «مقصود» وفريقه البحثي خوارزمية تستفيد من مفاهيم من الطبيعة، لتصميم وإنشاء مواد تحاكي عملية النمو والقدرة على التكيف في الهياكل العظمية الخلوية. ويؤكد الباحثون أن الهدف النهائي هو إنشاء مبنى يمكنه تقديم حلول مبتكرة لأية تحدياتٍ محتملة.

«إذا ما نُفّذ هذا المشروع في مكانٍ معين، فإن نظام البناء الذكي سيكون قادرًا على دراسة وجمع المعلومات داخليًا حول ثقافة ذلك المكان والتكيف مع تلك الثقافة».

عارف مقصود، الأستاذ المشارك في الهندسة المعمارية بجامعة الشارقة – الإمارات.

وقد أحدث تصميم العلماء تحولًا في البناء؛ فبينما يستمر استخدام الخرسانة المسلحة والفولاذ لتوفير الدعامة الأساسية للمبنى، ستشكل «المواد الخضراء والمُعاد تدويرها، والعزل عالي الأداء، والزجاج الذكي، والأسطح الخضراء، والأنظمة الموفرة للطاقة، والألواح الشمسية، والتركيبات الموفرة للمياه، والبناء الجاهز، والتشطيبات القابلة للتحلل» الجزء الأكبر من المواد، بحسب «مقصود».

اقرأ أيضًا: (مهندسون يطبعون بيوتاً ثلاثية الأبعاد في الشارقة).

As Heat Scorches the Region, U. of Sharjah Scientists Are Designing Buildings that Can Adapt

بمجرد تنفيذه، سيعمل المبنى على تحسين تنظيم درجة الحرارة الداخلية، وراحة السكان من خلال أنظمة تعتمد على أجهزة الاستشعار الآلية، والتكامل بين تكييف الهواء المستدام وأنظمة الطاقة المتجددة، وتقليل استهلاك الطاقة باستخدام الذكاء الاصطناعي (AI) لمراقبة انبعاثات غازات الدفيئة.

التكيف مع ظروف الوباء

في أحد مشروعات دراستهم الأخيرة، على سبيل المثال، يتصور العلماء مبنىً يمكن أن يحمي سكانه من التحديات التي تفرضها حالات الطوارئ الصحية مثل وباء كوفيد-19. كما سيتكيف المبنى من خلال تفعيل قواعد التباعد الاجتماعي داخل المبنى، وهو ما يمكن أن يتم «من خلال التواصل بين نظام التصميم الحسابي في السحابة، والروبوتات داخل المبنى».

«عندما يتعلق الأمر بأداء المباني، يمكن استخدام أنظمة التشغيل الآلي الجديدة للتحكم في الأمن والراحة وكفاءة الطاقة. يمكّن الذكاء الاصطناعي المباني من أن تصبح أماكن مدفوعة ببيانات وتعليقات مُدخلة في الوقت الفعلي، وتتواصل مع نفسها مثل كائنٍ حي».

اقتباس من دراسة أجراها فريق بحثي بجامعة الشارقة.

وكتب الباحثون في دراستهم: «من الطرق الأخرى للتعامل مع تحديات كوفيد-19، وضع نوع مبتكر من الجلد لا يتلقط الجراثيم على الجدران الداخلية للمباني. يمكن أن يضمن هذا تعقيم المساحات في جميع الأوقات».

استخدام الذكاء الاصطناعي في العمارة والتصميم

كما سلط الباحثون الضوء في دراستهم على كفاءة استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في العمارة والتصميم. وبحسب الدراسة: «عندما يتعلق الأمر بأداء المباني، يمكن استخدام أنظمة التشغيل الآلي الجديدة للتحكم في الأمن والراحة وكفاءة الطاقة. يمكّن الذكاء الاصطناعي المباني من أن تصبح أماكن مدفوعة ببيانات وتعليقات مُدخلة في الوقت الفعلي، وتتواصل مع نفسها مثل كائنٍ حي».

ويضيفون الباحثون في الدراسة نفسها: «يمكن لمنصات إدارة الطاقة القائمة على الذكاء الاصطناعي تتبُّع أنماط الاستخدام لخلق الظروف المناسبة للمستأجرين، والحفاظ على الطاقة والمال». ومن خلال توظيف أحدث التقنيات مذهلة لإنتاج تصميمات حسابية صديقة للبيئة، يقترب الباحثون من تحويل حلمهم إلى حقيقة. وعوضًا عن الاعتماد على الخرسانة المسلحة، كما هو الحال الآن، يمكن تصميم المباني المستقبلية حسابيًا باستخدام مواد بناء تخفف من تأثير الحرارة الخانقة في الخارج.

وبثقة كبيرة، يأمل «مقصود» وزملاؤه، في قدرة أدوات التصميم الحسابي على تزويدهم باستراتيجيات لتصنيع تصميماتهم رقميًا، وترجمة هياكلهم الرقمية إلى واقعٍ ملموس.

عفت أروة : “كاتبة مقيمة” في كلية الاتصال بجامعة الشارقة

اقرأ أيضًا: 

ابحث عن أحدث المنح الدراسية من هنا. ولمزيد من القصص، والأخبار، اشترك في نشرتنا البريدية، كما يمكنك متابعتنا عبر فيسبوك، ولينكد إن، وتويتر، وانستجرام، ويوتيوب

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى