
انتقد بعض الأكاديميين الغربيين اختيار قطر لاستضافة المؤتمر العالمي لأخلاقيات البيولوجيا العام المقبل؛ إذ أعرب عددٌ من أساتذة وعلماء أخلاقيات البيولوجيا عن «قلقهم بشأن سجل قطر في مجال حقوق الإنسان».
وكانت الرابطة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا قد اختارت الدوحة، في وقت سابق، لاستضافة المؤتمر، وهي المرة الأولى التي يُعقد فيها الحدث في بلد شرق أوسطي. ويشمل مجال أخلاقيات البيولوجيا دراسة وممارسة الأخلاقيات في مجال الصحة، لا سيما فيما يتعلق بالمشاكل الأخلاقية للتكنولوجيا الجديدة.
اقرأ أيضًا: (تحول الفروع الأجنبية إلى جامعات وطنية.. تجربة من قطر).
على خلفية ذلك، نشرت مجموعة من الأكاديميين، من ثلاث جامعات هولندية، رسالة في مجلة «بايوإثيكس» Bioethics، عبّروا فيها عن مخاوفهم من «تلميع الفساد أو غسل الأخلاق» بسبب استضافة قطر الحدث. وذكرت الرسالة بشكل خاص «انتهاكات حقوق الإنسان – بما في ذلك معاملة العمال المهاجرين، وحقوق المرأة، والفساد، وتجريم المثليات والمثليين ومغايري الهوية الجنسانية، والمتحيرين جنسيًا، أو مجتمع الميم (LGBTQI +)، وتأثير البلد على تغير المناخ».
ورفض ريكه فان دير جراف، الأستاذ المساعد لأخلاقيات الطب في المركز الطبي الجامعي في أوتريخت، والجهة الرئيسية المذكورة في الرسالة، الرد على أسئلة «الفنار للإعلام».
من جانبه، يقول محمد غالي، أستاذ الإسلام وأخلاقيات الطب الحيوي بجامعة حمد بن خليفة في قطر، والرجل الذي يقف وراء اقتراح استضافة الحدث، إنه يؤيد النقاش حول أهلية قطر كمضيف، لكن بشروطٍ معينة. وقال: «لا يمكنك تحديد دولة، والتي تصادف أن تكون عربية إسلامية، وتقول لي، وفقًا لمعاييري، قطر غير مؤهلة. يجب أن تستند مثل هذه المناقشة إلى معايير متسقة نتفق عليها كمجتمع لأخلاقيات البيولوجيا، وهو ما ينبغي تطبيقه على جميع المضيفين المستقبليين».
ويعتقد «غالي» أن النقاش حول استضافة قطر للحدث تأثر بالجدل حول استضافة قطر لكأس العالم FIFA العام الماضي. وقال: «أشك في تأثر الزملاء، الذين أثاروا هذه الانتقادات، بما أسميه متلازمة كأس العالم لأنهم نسوا أن مضيف هذا المؤتمر، وبخلاف كأس العالم، مؤسسة وليست دولة».
«لا يمكنك تحديد دولة، والتي تصادف أن تكون عربية إسلامية، وتقول لي، وفقًا لمعاييري، قطر غير مؤهلة. يجب أن تستند مثل هذه المناقشة إلى معايير متسقة نتفق عليها كمجتمع لأخلاقيات البيولوجيا، وهو ما ينبغي تطبيقه على جميع المضيفين المستقبليين».
محمد غالي، أستاذ الإسلام وأخلاقيات الطب الحيوي بجامعة حمد بن خليفة في قطر.
سيُعقد المؤتمر العالمي السابع عشر لأخلاقيات البيولوجيا في «مركز أبحاث التشريع الإسلامي والأخلاق» في الدوحة، بالشراكة مع القمة العالمية للابتكار في الصحة. وهذه ليست المرة الأولى التي تستضيف فيها المؤسسات البحثية في قطر فعاليات حول قضايا أخلاقيات علم الأحياء.
في عام 2014، نظمت كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورجتاون بواشنطن العاصمة بالولايات المتحدة أول مؤتمر دولي لها حول أخلاقيات البيولوجيا الإسلامية في قطر. وجمعت خبراء من الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط لاستكشاف المقاربات الإسلامية والكاثوليكية والعلمانية لفهم أخلاقيات علم الأحياء. وفي عام 2017، نظم «مركز أبحاث التشريع الإسلامي والأخلاق» ندوة لمدة ثلاثة أيام حول «الأخلاق الإسلامية ومسألة الجينوم»، وفي العام التالي، عُقد مؤتمر دولي حول «السياسات واللوائح وأخلاقيات علم الجينوم».
اقرأ أيضًا: (باحثون يسعون لحماية مصايد الأسماك في قطر لمواجهة التغير المناخي).
ويرى «غالي» وجوب تركز الاهتمامات المشروعة على البنية التحتية الأكاديمية للمؤسسة المضيفة، وقدرتها على ضمان مناقشة الموضوعات الحساسة أثناء المؤتمر. ويوافق أودو شوكلينك، الأستاذ ورئيس قسم أبحاث أونتاريو في أخلاقيات علم الأحياء بجامعة كوينز الكندية، على وجوب تركيز المشاركين، عند اتخاذ القرار بشأن مشاركتهم، على ما إذا كانت هناك حرية أكاديمية في المؤتمر.
في مقالٍ افتتاحي في مجلة «بايوإثيكس» Bioethics، يشير «شوكلينك» إلى أن ا«نتهاكات حقوق الإنسان لم تظهر في المحادثات حول مكان انعقاد المؤتمر عندما عُقد في دول استبدادية مثل الصين، أو دولة اتُهمت أيضًا بانتهاكات حقوق الإنسان مثل الهند». وكتب: «ما يهم هو مدى ضمان المبادئ الأساسية الأكاديمية خلال كل من هذه الأحداث – أي مناقشة مفتوحة، من دون قيود على الموضوعات أو وجهات النظر. سيتم قياس المؤتمر في قطر وفقًا لهذا المعيار الأكاديمي الراسخ».
وردًا على أسئلة «الفنار للإعلام»، قال: «فيما يتعلق بقطر، وللأسف، لا يمكن ضمان ذلك إلا من خلال تقديم مشاركة افتراضية بالإضافة إلى المشاركة الشخصية».
وفي رسالة بالبريد الإلكتروني، أشار «شوكلينك» إلى قضية الطبيب القطري ناز محمد الذي أعلن عن مثليته الجنسية. وكتب: «إذا أراد (هو) المشاركة شخصيًا (على سبيل المثال، في لجنة حول الالتزامات المهنية لأخصائيي الرعاية الصحية تجاه المرضى المثليين في دول مثل قطر)، فإنه سيتعرض لمخاطر شخصية كبيرة، نظرًا لكونه يحمل أيضًا جواز سفر قطري، بالإضافة إلى جواز سفر أمريكي (حيث حصل على اللجوء السياسي). ربما يكون هذا أفضل مثال على الخط الرفيع لمنظمي المؤتمرات الأكاديميين عندما يقررون عقد اجتماعات في بلدان مثل قطر».
وفي ردٍ على رسالة الأساتذة الهولنديين، كتبت نانسي جيكر، الأستاذة في كلية الطب بجامعة واشنطن، ورئيسة الرابطة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا، في مجلة «بايوإثيكس»: «لا تشترط الرابطة أن تكون حكومة البلد المضيف ديمقراطية، وإذا فعلنا ذلك، لن يكون ما يقرب من 39 في المئة من البلدان مؤهلين لذلك». وفي المقال، رحّبت «جيكر» بالذهاب إلى قطر كفرصة لجلب أصوات متنوعة للحوار العالمي حول أخلاقيات البيولوجيا.
ويتفق «غالي» مع رأي رئيسة الرابطة، ويرى أن هذا هو الهدف من الحدث. ويقول: «نحن بحاجة إلى تنويع مجال أخلاقيات البيولوجيا وإثرائه من خلال تضمين رؤىً من مختلف التقاليد الدينية. إنها أيضًا لحظة تعلّم بالنسبة لنا لمعرفة كيف يتعامل العلماء، من مناطق أخرى، مع المخاوف المتعلقة بالأخلاقيات البيولوجية. هذه هي الطريقة التي يمكن بها للخطاب الأخلاقي الحيوي أن يكون عالميًا حقًا».
اقرأ أيضًا:
كيف نجعل التاريخ القديم مادة شيّقة لطلاب الجامعات في قطر؟