مقالات رأي

الإصابة بالسرطان في الشرق الأوسط.. ماذا يقول البحث العلمي عن ارتفاع معدلات المرضى الشباب؟

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

يُصاب الناس في الشرق الأوسط بأنواعٍ مختلفة من السرطان في سنٍ مبكرة نسبيًا مقارنة بأقرانهم في الغرب. هذا ما وجده باحثٌ طبي في جامعة الشارقة من اختلافات مقلقة، بعد دراسته للموضوع طوال سنوات.

يقول الباحث وائل عبد الرحمن: «أدهشني العدد الكبير جدًا من حالات السرطان، بما في ذلك سرطان القولون، وسرطان الثدي، وسرطان الجلد، وسرطان الكبد، وسرطان البروستات، والعديد من الحالات الأخرى، في صفوف الشباب ممّن تقل أعمارهم عن 50 عامًا».

وبالمقارنة، قال الباحث إن هذه الأمراض في الغرب «تصيب الناس بعد 20 عامًا في المتوسط عن هذا العمر». وبالإضافة إلى ذلك، وجد «عبد الرحمن» أنه «غالبًا ما يتم تشخيص السرطانات، في الشرق الأوسط، في مرحلة متقدمة، وتكون الاستجابة سيئة للعلاج الكيميائي، وبالتالي تكون النتيجة سيئة. حيث يتوفى العديد من هؤلاء المرضى بعد وقتٍ قصير من التشخيص». وقال إنه عادة ما يتم تشخيص السرطان في الغرب في مرحلة مبكرة، مما يوفر فرصة أفضل للشفاء.

التعاون الدولي

على مدى أكثر من عقدٍ من الزمن، درس «عبد الرحمن» الاختلافات في نتائج الإصابة بالسرطان عبر المجموعات العرقية المختلفة، في رحلةٍ أكاديمية أخذته إلى مؤسسات بحثية بارزة في الشرق الأوسط والغرب.

يعمل الباحث حاليًا أستاذًا في كلية العلوم الصحية بجامعة الشارقة، حيث تشمل اهتماماته البحثية الأسباب البيئية للسرطان والأساس الجزيئي للسرطان. يحمل «عبد الرحمن» شهادتي البكالوريوس والماجستير في الطب من جامعة الزقازيق في مصر، وشهادة الدكتوراه في علم الأمراض الجزيئي من جامعة إدنبرة. كما أجرى بحثًا مكثفًا في جامعة كامبريدج وجامعة هلسنكي، حيث درس التغيرات المورفولوجية في الخلايا والأنسجة.

اقرأ أيضًا: اختلاف الأمراض المسببة للوفاة في المنطقة العربية

بينما عزا بعض الأطباء العاملين في دول الشرق الأوسط، ذات مرة، الفجوة الزمنية الهائلة بين وقت الإصابة بالسرطان وتشخيصه بين الشرق والغرب على أنها مجرد جزء من «الاختلافات العرقية»، يعتقد «عبد الرحمن» أن العوامل البيئية تلعب أيضًا دورًا مهمًا. ويقول: «سلّط بحثي الذي قارن بين سرطان القولون في فنلندا ومصر الضوء على الاختلافات في السمات الجزيئية، والتغيرات اللاجينية التي تشير إلى عوامل بيئية مختلفة».

على سبيل المثال، يعزو الباحث انتشار سرطان القولون إلى مجموعة متنوعة من السموم البيئية، إلى جانب العمر والجينات. ويرى أن لأنماط الحياة تأثير أيضًا.

السعي لشرح الاختلافات

شرع «عبد الرحمن» في بحوثه لوصف الفروق الجزيئية بين السرطانات في الشرق الأوسط والغرب على أمل أن يفسر ذلك الاختلافات في حدوث الإصابة بالسرطان والعمر الذي يصيب فيه المرضى. وقال: «بدأتُ في استكشاف هذا الاحتمال بعمق وعلى المستويات الجزيئية لفهم هذه الأنماط الظاهرية، وتطبيق هذه المعرفة في البرامج القائمة على الأدلة للوقاية من السرطان».

الإصابة بالسرطان في الشرق الأوسط.. ماذا يقول البحث العلمي عن ارتفاع معدلات المرضى الشباب؟
د. وائل محمد عبد الرحمن، الأستاذ في كلية العلوم الصحية بجامعة الشارقة (الجامعة).

في ورقة بحثية سابقة حول هذا الموضوع، نُشرت في عام 2011 مع مؤلفين مشاركين في جامعة هلسنكي، قارن «عبد الرحمن» وزملاؤه بين أورام القولون والمستقيم لدى مرضى من مصر والدول الغربية. وكان الاستنتاج الرئيسي للورقة أن السرطانات التي تصيب أشخاصًا في أجزاء مختلفة من العالم اختلفت في «المستويات الجزيئية أيضًا».

وقال «عبد الرحمن» إن النتائج التي توصل إليها الفريق الفنلندي تشير إلى ارتفاع معدل الإصابة بسرطان القولون في شمال أوروبا وفنلندا مقارنة بشمال إفريقيا ومصر. ومع ذلك، فإن «المشكلة في مصر هي تزايد حالات الإصابة بالسرطان في سنٍ مبكرة والزيادة الكلية بمرور الوقت».

التركيز على العوامل البيئية

وأشار هذا التفاوت إلى الاختلافات في التعرض البيئي للسموم والمواد المسرطنة المحتملة مثل البنزين، والأسبستوس، والنيكل، وكلوريد الفينيل، والرادون، والكادميوم. وقادت النتائج «عبد الرحمن» وزملاءه إلى «التركيز على دور الملوثات البيئية في الإصابة بالسرطان». ويؤكد الباحث أن العوامل البيئية جعلت سرطان القولون والمستقيم وسرطان الثدي أكثر تهديدًا وانتشارًا.

«أدهشني العدد الكبير جدًا من حالات السرطان، بما في ذلك سرطان القولون، وسرطان الثدي، وسرطان الجلد، وسرطان الكبد، وسرطان البروستات، والعديد من الحالات الأخرى، في صفوف الشباب ممّن تقل أعمارهم عن 50 عامًا».

الدكتور وائل عبد الرحمن، باحث بجامعة الشارقة.

وقاد «عبد الرحمن»، وساهم في العديد من الدراسات الأخرى التي سلطت الضوء على أسباب حدوث الإصابة بالسرطان في الغرب والشرق الأوسط وتأثير التعرض للملوثات البيئية. ويشمل ذلك مقالة، منشورة في عام 2017، لمراجعة الأدبيات العلمية الحديثة مع تركيز على الاختلافات في عُمر السرطان ومعدل حدوثه بين شطري العالم.

اقرأ أيضًا: ألغاز حول مسببات المرض في العالم العربي

تناولت دراسة لاحقة، نُشرت في عام 2020، الملوثات البيئية التي ارتبطت بسرطان الثدي. وشملت هذه المواد البيسفينول أ، أو ثنائي الفينول أ (BPA)، والذي يوجد في مجموعة واسعة من المنتجات البلاستيكية، بما في ذلك عُلب الأطعمة والمشروبات، والنوافذ المقاومة للكسر، وأنابيب إمداد المياه.

بحثت الدراسة، التي شارك «عبد الرحمن» في تأليفها، في الأساس الجزيئي الذي يمكن من خلاله أن يؤدي التعرض طويل الأمد للبيسفينول أ BPA والملوثات الأخرى إلى الإضرار بخلايا الثدي الطبيعية والإصابة بالسرطان. وفي مقال شارك في تأليفه مؤخرًا، وجد «عبد الرحمن» وزملاؤه أن مادة BPA قد تسبب أيضًا آثارًا ضارة يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بسرطان القولون والمستقيم.

انطلاقًا من نتائج بحثه، يقوم «عبد الرحمن» حاليًا بحملة لتقييد استخدام الأكياس البلاستيكية بسبب «آثارها الضارة المعروفة».

السمنة والسرطان

كما يدرس «عبد الرحمن» العلاقة بين السمنة والسرطان، في محاولة لتحديد ما إذا كانت السمنة يمكن أن تهيئ الخلايا الطبيعية لتتحوّل إلى خلايا سرطانية. وقال: «ترتبط العديد من أنواع السرطانات المختلفة بزيادة وزن الجسم». وتشمل هذه سرطانات الثدي والقولون والمستقيم والمبيض والبنكرياس والغدة الدرقية، بالإضافة إلى الورم النقوي المتعدد.

وفقا لمنظمة الصحة العالمية، تعدّ السمنة وفرط الوزن مشكلة عالمية. أظهرت إحصاءات منظمة الصحة العالمية لعام 2016 أن أكثر من 1.9 مليار بالغ يعانون من زيادة الوزن، ويعاني 650 مليون منهم من السُمنة، بما في ذلك 39 مليون طفل دون سن الخامسة. وأشار علماء آخرون إلى أن السمنة تشكل مصدر قلقٍ متزايد في الشرق الأوسط، وخاصة منطقة الخليج.

إلى جانب ارتباطها بمختلف أنواع السرطان، تُعد السمنة أيضًا أحد عوامل الخطر المهمة للإصابة بالأمراض المزمنة مثل مرض السكري، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والدماغية، وهشاشة العظام، واضطرابات التنفس.

اقرأ أيضًا:

ابحث عن أحدث المنح الدراسية من هنا. ولمزيد من القصص، والأخبار، اشترك في نشرتنا البريدية، كما يمكنك متابعتنا عبر فيسبوك، ولينكد إن، وتويتر، وانستجرام، ويوتيوب

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى