أخبار وتقارير

من جامعة «كانساس» إلى عالم «يوتيوب».. رحلة أكاديمي مصري لنشر الفيزياء عبر الإنترنت

على مدار ستة أعوام، بين عامي 2010 و2015، درس الأكاديمي المصري، الدكتور محمد إسماعيل، الدكتوراه في الهندسة النووية بجامعة ولاية كانساس الأمريكية (Kansas State University). وخلال تلك الرحلة العلمية، التي تُوجت بنيل الدكتوراه، تعرف على «التعليم عن بعد»، ولمعت في ذهنه فكرة تطبيقه في مصر.

وبعد سنوات من هذا المسار البحثي، منح موقع «يوتيوب»، مؤخرًا، أستاذ الفيزياء بكلية الهندسة في جامعة مصر للمعلوماتية، درعًا نظير تحقيق محتواه العلمي رواجًا واسعًا، عبر القناة التي تحمل اسم: (Physics for Engineers)، بعدد مشتركين يفوق مائة ألف مشترك، وملايين المشاهدات.

وفي مقابلة مع «الفنار للإعلام»، يقول «إسماعيل»، الذي حصل على بكالوريوس الهندسة، في كهرباء القوى في العام 1999، من جامعة الزقازيق، بترتيب الثاني على دفعته، وماجستير فيزياء الهندسة من الجامعة نفسها، في العام 2007، إن درع «يوتيوب» ثمرة جهود سبع سنوات، بمعاونة مجموعة من الطلاب، كان يشرف عليهم خلال تدريسه لهم بجامعة الزقازيق. كان الهدف توصيل المعلومة للطلاب بأبسط الطرق، ليس في جامعته وحدها، وإنما لجميع جامعات مصر.

اقرأ أيضًا: (حوارات «الفنار للإعلام»|وظائف المستقبل في ظل فجوة المهارات.. من أين نبدأ؟)

وتوزعت المهام بين أفراد تلك المجموعة التي حملت اسم: فريق «كيم كام»، حيث كان هناك فريق للتصوير، وآخر للمونتاج، وثالث لإنتاج المادة ورفعها على «يوتيوب». تشاور الدكتور محمد إسماعيل، مع عميد كلية الهندسة بجامعة الزقازيق وقتها، الأستاذ الدكتور علاء عطا، حول تلك المهمة، وكان الحلم يشمل أن يكون للكلية مصدر تعلم مفتوح «على غرار جامعات كبرى مثل: MIT، وستانفورد، ولكن لظروف خارجة عن الارادة، لم يسر المشروع كما خُطط له، فاقتصر الأمر على قناة يوتيوب».

ملايين المشاهدات

ومنذ تأسيس قناته على «يوتيوب»، في آذار/مارس 2016، حصدت المقاطع التي تم بثها على القناة نحو أحد عشر مليون مشاهدة. وعن ذلك، يقول إنه «يحمد الله أن استعمله في خدمة طلاب العلم في مصر، والعالم العربي».

«إن تقديم مادة مثل الفيزياء، وهي من المواد التي يجد فيها الكثير من الطلاب صعوبة، عملية فيها تحدٍ كبير؛ ما بين تقديم محتوى منضبط من الناحية العلمية، وبين كيفية جذب الطالب ليرى هذا المحتوى، ويستمتع بمحاضرة فيزياء قد تمتد قرابة الثلاث ساعات».

الدكتور محمد إسماعيل، أستاذ الفيزياء بكلية الهندسة في جامعة مصر للمعلوماتية.

ويتحدث عن تجربته بمزيد من التفصيل، قائلًا: «في البداية لم أكن معروفًا سوى لطلابي بجامعة الزقازيق، وهذه كانت المرحلة الأولى من التجربة، ومع تداول تلك المقاطع بين طلابنا، وطلاب الجامعات الأخرى، بدأنا ننتشر، ولكن ببطء، ثم تسارعت العملية أكثر عندما أخذ الطلاب بعض المقاطع التي نقدم فيها نصائح عامة للطلاب، ليس فقط على المستوي العلمي، ولكن على المستوى الإنساني، وهذا جزء من الدور الذي يجب أن يقوم به أستاذ الجامعة».

جائحة كوفيد-19 والتعلم عن بعد

ومع توقف الدراسة النظامية أثناء جائحة كوفيد-19، كان الانتشار الأكبر لقناة الدكتور محمد إسماعيل، كما يروي في مقابلته معنا. وعن دوره خلال الجائحة، يقول: «كنا من القلائل الذين وفروا محتوى منهج الفيزياء لطلاب الهندسة، والعلوم، والحاسبات، وبعض كليات طب الأسنان، ومدارسSTEM ، التي وجد فيها طلاب ضالتهم». وانطلاقًا من هذه الممارسة خلال فترة الوباء، باتت القناة تجتذب مشاهدات ليس من مصر، والعالم العربي فقط، بل بدأ طلاب عرب يتابعونها أثناء دراستهم في جامعات أوروبية وأمريكية. والأكثر من ذلك، أن مقدم المحتوى، الدكتور محمد إسماعيل، «كان يتلقى عبارات استحسان من طلاب لا يتحدثون العربية، ولكنهم تمكنوا من فهم محتواه».

اقرأ أيضًا: (أبرزها تطبيقات الذكاء الاصطناعي.. دليلك إلى اتجاهات دراسة الإعلام في المرحلة الجامعية)

ولم تخل التجربة من تحديات، فمع حلول الوباء، كان الأكاديمي المصري حريصًا على تكوين منصات على Google Class room ، والحديث إلى الطلاب من خلال بعض برامج البث المباشر، مثل «زووم»، الذي سبق واستخدمه خلال دراسته بالولايات المتحدة. ومع لجوئه لهذه الحلول، يحكي «إسماعيل» كيف واجه مشكلة عدم تعود الطلاب على تلك الطريقة في التدريس، واستخفاف البعض بها، ودخول البعض لمضايقة الطلاب الآخرين، بل ومضايقة مقدم المحتوى، وإحداث نوع من البلبلة. وأمام تلك التحديات، ومع مرور الوقت، استطاع الدكتور محمد إسماعيل  التغلب على تلك المضايقات «بعد فهم الطلاب أن هذا النهج الجديد أمر لا بد منه».

قواعد تقديم المحتوى العلمي عبر الإنترنت

ومن واقع تجربته، يرى الدكتور محمد إسماعيل أن هناك بعض القواعد التي يجب على مقدم المحتوى العلمي، عبر الإنترنت، الالتزام بها. وشرح أكثر قائلًا: «إن تقديم مادة مثل الفيزياء، وهي من المواد التي يجد فيها الكثير من الطلاب صعوبة، عملية فيها تحدٍ كبير؛ ما بين تقديم محتوى منضبط من الناحية العلمية، وبين كيفية جذب الطالب ليرى هذا المحتوى، ويستمتع بمحاضرة فيزياء قد تمتد قرابة الثلاث ساعات».

أهداف كرة القدم.. درس فيزيائي

وفي سبيل التغلب على تلك التحديات، كان الأكاديمي المصري يلجأ إلى «عمل محاكاة لبعض تجارب الفيزياء أمام الطلاب ليروا أثر ما يدرسونه بأنفسهم، وكذلك عرض بعض الفيديوهات المشوقة، وتخدم الجانب العلمي في الوقت نفسه، مثل بعض أهداف كرة القدم».

انطلاقًا من هذه الممارسة خلال فترة الوباء، باتت القناة تجتذب مشاهدات ليس من مصر، والعالم العربي فقط، بل بدأ طلاب عرب يتابعونها أثناء دراستهم في جامعات أوروبية وأمريكية.

الدكتور محمد إسماعيل، أستاذ الفيزياء بكلية الهندسة في جامعة مصر للمعلوماتية.

ومما وفر أجواء إيجابية في تلك المحاضرات، هو الاستعانة بفريق آخر من الطلاب، في تصميم، وتنفيذ، وعمل تلك التجارب أمام زملائهم، بل وكان الدكتور محمد إسماعيل يدعو طلابه إلى تنفيذ تجارب مشابهة في المنزل، ما أضفى جانبًا من التشويق والإثارة على العملية التعليمية، كما يقول، بالإضافة إلى عمل مسابقات بين الطلاب لتقديم أفضل مقطع فيديو لمحتوى فيزيائي، وطلب التصويت من بقية الطلاب للمفاضلة بين المقاطع المقدمة من أقرانهم، وسط حالة من البهجة خلال تدريس المادة، بحسب تعبيره.

ويتوقف الأكاديمي المصري أمام الفارق بين تقديم المحتوى العلمي للمتخصصين من الطلاب والباحثين، وبين التجربة نفسها للعوام. ويقول إن تقديم محتوى لعوام الناس يستلزم تبسيطه بشكل يفهمه العامة، وربطه بنماذج وأمثلة من حياة الناس اليومية.

اقرأ أيضًا: («سبوت لايت».. خدمة مميزة من «الفنار للإعلام» لمؤسسات التعليم العالي العربية).

ومع ذلك، يشدد الدكتور إسماعيل على ضرورة ألا يكون هذا التبسيط مخلًا بالمبادئ العلمية «كما انتشر مؤخرًا في ما يسمى بتبسيط العلوم»، بينما يختلف الأمر في تقديم نفس المادة للمتخصصين، حيث تحتوي على معادلات قد يكون بعضها على درجة عالية من التعقيد، مضيفًا أنه «ليس كل ما يُقدّم يصلح تبسيطه لعامة الناس، وإلا فقد قيمته».

وردًا على سؤال حول السبيل الأنسب لربط المحتوى العلمي بوسائط التواصل الاجتماعي بشكل مثمر وفعال، يقول الأكاديمي المصري إن ذلك يتطلب أن يقوم بذلك من هو أهل له «فغير المؤهل لا بد أن يتنحى، ويعي أنها أمانة». وفي المقابل، قد لا يستطيع صاحب العلم توصيل المعلومة بشكل جيد، ولذلك يدعو «إسماعيل» إلى ضرورة أن يجمع من يتولى هذه المهمة بين التأهيل العلمي، ومهارات الشرح، والقدرة على توصيل المعلومة، بالإضافة إلى استخدام وسائل إيضاحية مثل الفيديوهات، والرسوم المتحركة لمحاكاة ما يود الأستاذ شرحه حتى يتخيله الدارس بصورة أفضل.

ويتحدث «إسماعيل»، بكثير من التقدير لما وفره التعلم عن بعد للعملية التعليمية. ويقول إن بإمكان أي طالب، اليوم، دراسة مناهج كاملة في جامعات كبري من خلال منصتها التعليمية المفتوحة. ويضيف: «قد يحتاح الطالب مستوى متقدمًا في موضوع ما، ولا يجده في جامعته، فيستطيع تحصيله من جامعة أخرى، أو مركز تعليمي آخر في مكان آخر من كوكب الأرض».

التعليم الوجاهي

ومع ما حققه من نجاح في التعليم عن بعد، يرى الدكتور محمد إسماعيل أن التعليم الوجاهي ما يزال هو الأصل ولا غنى عن وجود الأستاذ بين طلابه. ويضيف: «وجود هذا الاحتكاك المباشر مهم جدا لبناء شخصية الطالب، ولكن كما ذكرنا يمكن اللجوء للتعليم عن بعد في بعض الموضوعات التي قد لا نجدها متاحة، أو نشعر أننا نحتاج فيها بعض المساعدة التي لاتتوفر في التعليم النظامي العادي».

«أعرف طلابًا كثيرين كان يعانون على المستوى الدراسي، وعندما جلست معهم، وأنصت لهم، وحاولت بقدر الإمكان توجيههم، أحدث ذلك فارقًا كبيرًا في درجة تحصيلهم الدراسي».

الدكتور محمد إسماعيل، أستاذ الفيزياء بكلية الهندسة في جامعة مصر للمعلوماتية.

ويشير الأكاديمي المصري المرموق إلى خطته لتوسيع دوائر المستفيدين من محتواه عبر الإنترنت، حيث يسعى لتوفير محتوى مناسب لطلاب الصف الثالث الثانوي في العام القادم. وعن ذلك المشروع يقول: «وجدنا قصورًا كبيرًا في فهم الطلاب في تلك المرحلة لبعض الأساسيات التي سيحتاجونها في الجامعة، فرأينا أن نستهدف هؤلاء الطلاب، ونحاول تجهيزهم بما يؤهلهم للمرحلة الجامعية».

في الختام، يتحدث الدكتور محمد إسماعيل عن منهجه في التواصل مع الطلاب. ويقول إن مكان الأستاذ الجامعي ليس فقط المنصة التي يدرس منها بمنأى عن الطلاب؛ بل مكانه بين طلابه، مُدرسًا وناصحًا، وأبًا، وموجهًا. ويضيف: «من أمتع اللحظات عندما أكون بين الطلاب، ولا أخفي عليك سرًا، أنني أستعد للمحاضرة، وأذهب إليها كأني ذاهب إلى عرس أحد الأحباب. أستمتع وأنا أشرح، وأستشعر المتعة أكثر وأنا أرى في عيون الطلاب مدى فهمهم، وتفاعلهم».

كما يشدد الأكاديمي المصري على أن تواصل الأستاذ مع طلابه من أهم مفاتيح التحصيل العلمي، إن لم يكن أهمها على الإطلاق. ويقول: «أعرف طلابًا كثيرين كان يعانون على المستوى الدراسي، وعندما جلست معهم، وأنصت لهم، وحاولت بقدر الإمكان توجيههم، أحدث ذلك فارقًا كبيرًا في درجة تحصيلهم الدراسي».

اقرأ أيضًا:

  ابحث عن أحدث المنح الدراسية من هنا. ولمزيد من القصص، والأخبار، اشترك في نشرتنا البريدية، كما يمكنك متابعتنا عبر فيسبوك، ولينكد إن، وتويتر، وانستجرام، ويوتيوب.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى