أخبار وتقارير

دراسة الإعلام في زمن الذكاء الاصطناعي.. هل تلحق الجامعات بالمسار؟

من الدعوة إلى ترسيخ التفكير النقدي لدى الطلاب، إلى التأكيد على الحاجة إلى تطوير محاولات الجامعات للحاق بركب الذكاء الاصطناعي في سوق العمل، وخاصة في مناهج دراسة الصحافة بكليات الإعلام، دار نقاش أكاديمي، الثلاثاء الماضي، في ندوة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، تحت عنوان: «الذكاء الاصطناعي وبرامج الإعلام وتعليم الصحافة في العالم العربي: الفرص والتحديات».

كان المعلمون، في السابق، هم من يحددون الأجندة: ماذا سنُعلّم؟ وكيف يجب أن تكون الصحافة؟ أما اليوم، فالسوق هو الذي يمارس الضغط من أجل تلبية الطلب على السوق المتنامية، وعدد الجمهور المتزايد المقبل على الأخبار.

أحمد الجدي، أستاذ الإعلام ودراسات التواصل بجامعة أوريبرو السويدية

وطرحت مديرة الندوة، سارة الشعراوي، مدير تحرير الدورية العلمية ARAB MEDIA & SOCIETY، سؤالًا حول كيفية تدريب الطلاب على التحلي بالعقل النقدي في السياق الجديد لممارسات الذكاء الاصطناعي. وأجابها طارق عبادي، مدير برنامج «مايكروسوفت»، بالولايات المتحدة الأمريكية، بالقول إن هناك الكثير من الأنظمة التربوية لذلك، مشيرًا إلى أن «التأمل» جزء أصيل من الذكاء الاصطناعي، ودعا إلى تعزيز الثقة في الطلاب، قائلًا: «ثق في الطلبة، دعهم يخطئون ثم يصححون أخطاءهم بسرعة.. نحتاج إلى هذا في كل منظومة تربوية».

التفكير النقدي

ولكي يصبح الجيل الشاب لاعبًا أساسيًا في الذكاء الاصطناعي، ذكر «عبادي» أنه يجب أن تشمل منظومة التعليم، ثلاثة أمور، الأول: العقل النقدي، بحيث يطرح الطلاب أسئلة نقدية «دون تسليم بالمسلمات»، متابعًا: «ابدأ دائمًا بلماذا؟»، كما شدد على أهمية الحس الإبداعي – وهو الأمر الثاني المطلوب لهذه المنظومة – حتى يتمكن الإنسان من التفوق على الماكينة، والتفكير خارج الصندوق. وتساءل: كيف يمكن أن نفعل ذلك بينما وُلدنا في بيئة تُملي علينا كل شيء؟ وثالث هذه الأمور هو: تعزيز مهارات التواصل فيما بيننا، سواء كنا متفقين، أو مختلفين «حتى نتمكن من التفوق على الذكاء الاصطناعي».

اقرأ أيضًا: (أبرزها ChatGPT.. كيف تستجيب الجامعات لتحديات روبوتات الذكاء الاصطناعي؟).

أحمد الجدي، أستاذ الإعلام ودراسات التواصل بجامعة أوريبرو السويدية في ندوة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، بعنوان: «الذكاء الاصطناعي وبرامج الإعلام وتعليم الصحافة في العالم العربي: الفرص والتحديات»، 20 حزيران/يونيو 2023 (الجامعة).

من جانبه، قال أحمد الجدي، أستاذ الإعلام ودراسات التواصل بجامعة أوريبرو السويدية، إنه يجب على الأساتذة، الثقة في قدرة الطلاب على التفكير، من أجل تنمية العقل النقدي. وأضاف: «الفكرة ليست أن يصل الطلاب إلى الصواب، أو الخطأ، بل أن يعبروا عن رأيهم، وأن يخرجوا ما في أذهانهم وعقولهم»، مشددًا على ضرورة أن يكون تعلم أدوات عمل أجهزة الذكاء الاصطناعي «من أساسيات تعليم الصحافة».

الجامعات ومحاولات اللحاق بالذكاء الاصطناعي

واستعرض «الجدي» محاولات الجامعات للحاق بالتطور الذي يشهده الذكاء الاصطناعي في سوق العمل. وقال إننا أمام نقطة تحول في الاستعانة بالذكاء الاصطناعي، مشابهة لما عاشته الصحافة منذ ثلاثين سنة، عندما شهدت نقطة تحول في الاستعانة بالإنترنت. وأوضح أن الذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا من حياتنا اليومية، سواء أعجبنا ذلك أم لا، بداية من رسائل البريد الإلكتروني الموجهة، إلى التنبؤ بوقوع الأوبئة، وصولًا إلى الخدمات البنكية الرقمية، وغيرها.

صناعة الصحافة، خلال السنوات الأخيرة، لم تعد تعتمد، بالضرورة، على خريجي كليات صحفية، بل تستعين بخبراء في وسائل التواصل الاجتماعي، للمشاركة في هذه الشبكة العالمية من تدفق المعلومات، والتفاعل مع الجمهور.

أحمد الجدي، أستاذ الإعلامر ودراسات التواصل بجامعة أوريبرو السويدية

في الوقت نفسه – يقول أحمد الجدي – أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا من العمل الصحفي اليومي، من أتمتة الأخبار في الرياضة، والقطاع المالي، إلى التنبؤ بأحوال الأسواق، والأسهم، وتحسين البحث، وتطوير محتوى أفضل، وتقديم محتوى يوافق تفضيلات الجمهور، وتحليل البيانات، مشيرًا إلى أن مبرمجي الذكاء الاصطناعي أصبحوا جزءًا لا يتجزأ من غرفة إنتاج الأخبار.

هذا الواقع الجديد خلق نوعًا من الضغط على تعليم الصحافة بالجامعات، في ممارسة غير مسبوقة، حيث كان المعلمون، في السابق، هم من يحددون الأجندة: ماذا سنُعلّم؟ وكيف يجب أن تكون الصحافة؟ أما اليوم، فالسوق هو الذي يمارس الضغط من أجل تلبية الطلب على السوق المتنامية، وعدد الجمهور المتزايد المقبل على الأخبار، بحسب «الجدي».

يجب تحديد المهارات التي يفتقر إليها طلبة الصحافة، واستحداثها في المناهج التي يدرسونها، ثم مناقشة القدرات والمهارات والكفاءات المتاحة في الأساتذة لمعرفة كيفية استخدام هذه القدرات وتطويرها.

أحمد الجدي، أستاذ الإعلام ودراسات التواصل بجامعة أوريبرو السويدية

وأشار أستاذ الإعلام ودراسات التواصل بجامعة أوريبرو السويدية، إلى أن صناعة الصحافة، خلال السنوات الأخيرة، لم تعد تعتمد، بالضرورة، على خريجي كليات صحفية، بل تستعين بخبراء في وسائل التواصل الاجتماعي، للمشاركة في هذه الشبكة العالمية من تدفق المعلومات، والتفاعل مع الجمهور، ولمعرفة كيف يمكن أن تبيع الأخبار، فيما يعرف بـ«صحافة الـCLICKS والـ SHARE»، ولمعرفة كيفية استخلاص البيانات، وتحليلها.

تضاؤل الطلب على خريجي الصحافة

وقال أحمد الجدي إن الطلب على خريجي الصحافة «يتضاءل، وكل من يعمل في تعليم الصحافة يدرك أن عدد الطلاب المقبلين على الدراسة يتراجع، ولا يجد الخريجون وظيفة مستقرة بسهولة». وأوضح أن العصر الصناعي للصحافة مقبل على نهايته، واصفًا الوضع الراهن بأنه «وجود على المحك».

إزاء هذه التغيرات، بدأت مدارس الصحافة حول العالم في الاستجابة للضغوط، من الولايات المتحدة، إلى أوروبا، وأيضًا الشرق الأوسط. وقال الأكاديمي المتخصص في دراسات التواصل إن استخدام الذكاء الاصطناعي في الصحافة بالولايات المتحدة، كان مطابقًا للمناهج التقليدية الموجودة في جامعات مثل ميزوري، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، (MIT) (Massachusetts Institute of Technology). وأوضح أن هذه الجامعات تدمج ملامح الذكاء الاصطناعي في مناهجها.

جانب من ندوة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، بعنوان: «الذكاء الاصطناعي وبرامج الإعلام وتعليم الصحافة في العالم العربي: الفرص والتحديات»، 20 حزيران/يونيو 2023 (الجامعة).

أما في أوروبا، نجد جامعات مثل لندن للاقتصاد في بريطانيا، وأمستردام في هولندا، تمزج بين العناصر التجريبية، في برامج تربوية من المنظور التقليدي، حيث تلمس القشرة الخارجية للذكاء الاصطناعي، عبر تقديم بعض الوحدات التدريبية للصحافة الرقمية، والذكاء الاصطناعي باعتبارها مبادرات رائدة، وفق أحمد الجدي. وأشار كذلك إلى أن جامعتي لندن، ودبلن، تقومان بدمج الذكاء الاصطناعي في الصحافة، في مناهج علوم الحاسب الآلي. وإلى الإقليم الإسكندنافي، يقول «الجدي» إن تلك المنطقة «ستكون الرائد والقائد في هذا المجال»، حيث توجد الكثير من شركات الذكاء الاصطناعي التي تقدم حلولًا عن طريق مختلف الشركات الصحفية في السويد، وفنلندا، والنرويج.

كيف تواجه الجامعات تحديات الذكاء الاصطناعي في تدريس الإعلام؟

ورأى أحمد الجدي أنه يجب التصدي لتحديات الذكاء الاصطناعي في دراسة الإعلام بالجامعات عبر مراحل خمس، تبدأ بتشكيل مجموعات تضم خبراء القطاع العام والخاص. ومن خلال هذه المجموعة، يتم تحديد المهارات التي يفتقر إليها طلبة الصحافة، واستحداثها في المناهج التي يدرسونها، ثم يتم تشكيل مجموعات أخرى مع الأساتذة العاملين في تدريس الصحافة، وفيها يتم مناقشة القدرات والمهارات والكفاءات المتاحة في هؤلاء الأساتذة لمعرفة كيفية استخدام هذه القدرات وتطويرها، وذلك عبر طرح تساؤلات مثل: هل نحن بحاجة للاستعانة بأشخاص جدد في هيئات التدريس؟ أو ما هي المهارات المطلوبة في الجيل الجديد من معلمي الصحافة وعلوم الحاسب الآلي لنعرف كيفية الدمج بين الجانبين؟

المرحلة الثالثة في هذا السياق، تتمثل في تشكيل مجموعة ثالثة مع مقدمي خدمات الذكاء الاصطناعي، لمناقشة الخطوات التالية، وما الذي يمكن أن يقدمه التعليم في هذا الصدد، ثم تحديد القدرات المطلوبة لإعداد منهج تربوي أفضل، في خطوة رابعة، وختامًا، يتم اقتراح برنامج جديد، وليكن لدرجة الماجستير، في مدة تتراوح من سنة إلى سنتين، تستهدف العاملين في مجال الصحافة، لدعم مهاراتهم، على أن يتم تمويل هذه البرامج إما من المؤسسات الصحفية، أو الحكومات، أو المنظمات المعنية.

اقرأ أيضًا: (الذكاء الاصطناعي وإعادة تشكيل التعليم.. فرص يجب إدراكها رغم التحديات).

ويصف «الجدي»، مواجهة جامعات الشرق الأوسط لتحديات الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلام، بأنها «في طور الجنين»، حيث تركز الجامعات على تعريف الذكاء الاصطناعي، وكيفية تأثيره، مشيرًا إلى أن جامعات الملك سعود، والشارقة، وحمد بن خليفة، تلجأ إلى المنظور التجريبي. ويصف البرنامج الخاص بجامعة قطر، بـ«المتميز»، نظرًا للارتباط الوثيق، بين التعليم الصحفي بالجامعة، ومعهد التدريب التابع لقناة «الجزيرة» القطرية، ومعهد بحوث الحاسب الآلي في الجامعة.

ويقول إن هناك بعض المخاوف التي تثار عند الحديث عن استخدام الذكاء الاصطناعي في تدريس الصحافة، منها التساؤل حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي مفيدًا للديمقراطية، أو أداة لتحفيزها. ويضيف أن إحدى مشكلاته تتمثل في إعادة إنتاج المعلومات.

وقال أستاذ الإعلام إن الذكاء الاصطناعي يقوم على قواعد البيانات التي ستنتهي يومًا، مشيرًا إلى أن «المعلومات التي غُذي بها (شات جي بي تي)، تعود إلى ما قبل العام 2021، وبالتالي فإن أية معلومات، أو أخبار أحدث من ذلك التاريخ، لن تكون موجودة في قاعدة بياناته». وذكر الأكاديمي المتخصص في دراسات التواصل إن المخاوف بشأن الذكاء الاصطناعي مرتبطة أيضًا بمسائل الخصوصية، والمساءلة، والتحيز المحتمل، و«خاصة إذا تم تغذية قواعد بيانات الذكاء الاصطناعي بسرديات غير حقيقية».

ويضاف إلى كل ما سبق – يقول «الجدي» – العبء التعليمي، حيث يجب، الآن، تعليم طلاب الصحافة، الحاسب الآلي، والبرمجة، وتنقية البيانات وتصنيفها، و«هذا أمر شاق، وصعب للغاية بالنسبة لهم، فالصحافة إحدى العلوم الإنسانية، ومع ذلك نطالب دارسيها، اليوم، بالتفوق في بعض التخصصات الأخرى».

تيك توك.. و«بيع التجربة»

من زاوية أخرى، تطرق طارق عبادي، مدير برنامج «مايكروسوفت»، بالولايات المتحدة، إلى تأثير الذكاء الاصطناعي على صعود منظومة الإعلان عبر الإنترنت، مثل توفيق «جوجل» بين أمور تناسب تفضيلات المستخدمين، ثم الانتقال إلى «تيك توك» و«إنستغرام»، قائلًا: «انتقلنا من المحتوى، والنشر، والمشاركة إلى (بيع التجربة)؛ فلا شيء في محتوى (تيك توك)، الناس تشتري وتُقبل على التجربة».

أتوقع أن تواجه عملية تعليم الذكاء الاصطناعي «مقاومة ثقافية عنيفة، لأننا نقدم للناس أدوات ستحل محلهم، ونطلب منهم استخدامها».

أحمد عصمت، استشاري تكنولوجيا الإعلام والتحول الرقمي

كما تحدث في الندوة، أحمد عصمت، استشاري تكنولوجيا الإعلام والتحول الرقمي، عن وظائف قد يحل محلها الذكاء الاصطناعي، وذكر منها: الترجمة، والتصوير، والإنتاج الإعلامي. وتطرق إلى دبلومة يقدمها مركز كمال أدهم للصحافة التلفزيونية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وقال إنها تركز على المبادئ الأساسية للذكاء الاصطناعي، والفرق بين تعلم الآلة، والتعلم العميق، والبيانات، وغير ذلك. وقال إن الذكاء الاصطناعي «ليس علمًا صعب الفهم، لكنه مرتبط بأمور تقنية وفنية». وتوقع عصمت» أن تواجه عملية تعليم الذكاء الاصطناعي «مقاومة ثقافية عنيفة، لأننا نقدم للناس أدوات ستحل محلهم، ونطلب منهم استخدامها».

اقرأ أيضًا:

  ابحث عن أحدث المنح الدراسية من هنا. ولمزيد من القصص، والأخبار، اشترك في نشرتنا البريدية، كما يمكنك متابعتنا عبر فيسبوك، ولينكد إن، وتويتر، وانستجرام، ويوتيو

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى