أخبار وتقارير

من محيط انفجار مرفأ بيروت.. «الفنار للإعلام» يرصد أسباب انتعاش المعارض الفنية

تشهد المعارض الفنية في منطقتي الجميزة، ومار مخايل، انتعاشًا كبيرًا بعد الدمار الذي لحق بهما إثر انفجار مرفأ بيروت عام 2020.

ولا يأبه عشاق الفن، الذين يديرون بعض صالات العرض هناك، بأن ينبع جزءٌ من الاهتمام الراهن من اعتبار الفن أحد الطرق القليلة الآمنة لاستثمار الأموال في بلدٍ لا يستطيع فيه الكثير من الناس الوصول إلى مدخراتهم المصرفية.

في حديثها لـ«الفنار للإعلام»، قالت رانيا حمّود، التي تمتلك معرضًا فنيًا جديدًا مكونًا من ثلاثة طوابق يسمى Art Scene في الجميزة: «في الوقت الحاضر، أصبح جمع الأعمال الفنية اتجاهًا رائجًا، خاصة بين الطبقة الجديدة من الأثرياء الذين يعتقدون أن امتلاك القطع الفنية دليل على النخبوية».

«في أعقاب انفجار المرفأ، وعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية، أصبح الناس أكثر تعطشًا للجمال والفن. تشعر أنهم حريصون على الاستمتاع بالحياة بغض النظر عن المصاعب، إنهم يرغبون في أن يعيشوا حياتهم!»

رانيا حمّود، مالكة جاليري Art Scene بالجميزة.

وأضافت أنه في أعقاب انفجار المرفأ، وعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية، أصبح الناس «أكثر تعطشًا للجمال والفن. تشعر أنهم حريصون على الاستمتاع بالحياة بغض النظر عن المصاعب، إنهم يرغبون في أن يعيشوا حياتهم، ولا يرغبون في الموت وهم على قيد الحياة».

اقرأ أيضًا: بيروت ما بعد الانفجار: خسائر فنية وثقافية فادحة

وكانت مهندسة التصميم الداخلي والتشكيلية اللبنانية قد افتتحت معرضها الجديد قبل بضعة أشهر، كأحد المعارض العديدة التي انتشرت في الجميزة ومار مخايل المجاورة. وتعتقد «حمّود» أن إدارة معرض فني يمنحها واجب تثقيف الناس حول الفن، ولذلك تحتفظ بركن للقراءة حيث يمكن للزائرين الاطلاع على الكتب الفنية المتوفرة.

وبتفصيل أكثر، تقول: «المعرض ليس مجرد عمل تجاري؛ إنه مكان يمكن أن يتعلم المرء فيه عن الفن. يزور المعرض العديد من الشباب ويطرحون أسئلة حول اللوحات. إنهم حريصون على الانغماس في الفن وسط الزمن القبيح الذي نعيشه».

الاحتفاء بالفن وسط الفوضى

من جانبه، قال شربل لحّود، جامع الأعمال الفنية المخضرم، وصاحب جاليري Chaos Art، إنه افتتح المكان قبل خمسة أشهر لأن «الفن يُخرِج أفضل ما في الناس، ويقرّبهم من بعضهم البعض للتواصل الاجتماعي وتقدير الجمال». ويضيف: «في لبنان، نعيش في حالة من الفوضى، وفي خضم هذه الفوضى نصنع فنًا جميلًا. بسبب الفوضى والروتين اليومي، ينتج الفنانون اللبنانيون فنًا جميلًا، هو النتاج النهائي لحياة فوضوية».

«الفن طريقة جيدة لاستثمار أموالك. علاوة على ذلك، لدينا الكثير من المواهب التي تحتاج إلى مساحة لعرض أعمالها للجمهور… اعتبروني مجنونا؛ أن أفتح معرضًا خلال هذه الأزمة، لكن بيروت لن تموت أبدا. لهذا السبب يجب أن نكون في بيروت».

شربل لحّود، جامع تحف مخضرم ومالك جاليري Chaos Art. 

ويرى «لحّود» أن الزيادة في عدد المعارض الجديدة ترجع أساسًا إلى أن الأشخاص الذين يستطيعون تحمل تكاليف الشراء يشترون بشكل متزايد قطعًا فنية كاستثمارٍ آمن، في بلد أصبح فيه الوصول إلى مدخرات البنوك غير ممكن إلى حد كبير بسبب الأزمة المالية.

ويوضح: «الفن طريقة جيدة لاستثمار أموالك. علاوة على ذلك، لدينا الكثير من المواهب التي تحتاج إلى مساحة لعرض أعمالها للجمهور. … اعتبروني مجنونا، أن أفتح معرضًا خلال هذه الأزمة، لكن بيروت لن تموت أبدا. لهذا السبب يجب أن نكون في بيروت».

التركيز على الهوية اللبنانية

ينخرط الفنانون المحليون باستمرار في المعارض المنتشرة حول بيروت، مع التركيز على الهوية الثقافية اللبنانية، والصعوبات المستمرة وحادثة انفجار الميناء التي أعادت تشكيل البلاد. ومن وجهة نظرهم، يحتاج اللبنانيون إلى أساس ثقافي للفخر الوطني والتفاهم الثقافي، بعيدًا عن الجدال السياسي والانقسامات الطائفية. كما يعتبرون الفن ضرورة تعليمية واجتماعية للأجيال القادمة.

وفي هذا السياق، افتتح زيد الأمين، الحاصل على درجات علمية في إدارة الأعمال والفنون الجميلة من الجامعة اللبنانية الأمريكية، جاليري Août في الجميزة بعد وقت قصير من انفجار الميناء الذي دمّر أجزاء من بيروت

في 4 آب/ أغسطس 2020، والذي راح ضحيته والده، من بين أكثر من 215 شخصًا.

قال «الأمين»: «قررتُ أن يكون موقع معرضي قرب منطقة الميناء وأطلقت عليه اسم Août (آب/ أغسطس بالفرنسية) لسببٍ شخصي مؤلم. بالإضافة إلى ذلك، يهدف الأمر جزئيًا إلى إحياء المشهد الثقافي في الجميزة ومار مخايل بعد الانفجار، فضلًا عن إجراء حوار ثقافي بين بيروت وبقية العالم».

اقرأ أيضًا: «كل يصنع إيمانه بيده» معرض افتراضي لدعم الحياة الثقافية في لبنان

وافتتح «الأمين» صالة عرض ثانية في مار مخايل العام الماضي، حيث يعرض أعمال فنانين عالميين، معظمهم من آسيا والولايات المتحدة. ويُمثل جامعو التحف الأجانب والمغتربون اللبنانيون الجزء الأكبر من زبائنه. ويضيف: «استثمار المزيد من الناس في الفن شجّع على افتتاح العديد من صالات العرض، خاصة في مار مخايل والجميزة، والتي أصبحت مناطق ذات أبعاد رمزية بعد الانفجار».

الفن استثمار آمن

في السنوات القليلة الماضية، بدأ أكثر من 50 معرضًا فنيًا العمل في بيروت، مما أثار تساؤلات حول جدوى مثل هذه المساعي في بلدٍ يشهد أزمة شاملة، بحسب ما قاله أحد القيّمين الفنيين، والذي طلب عدم الكشف عن هويته.

ويقول أمين المعرض لـ«الفنار للإعلام»: «أعتقد أن هناك سببين رئيسيين لهذه الفورة في المعارض الفنية؛ بالتأكيد هناك غسيل أموال من خلال الفن، والسبب الآخر هو سعي العديد من الأشخاص، في بداية الأزمة، إلى توفير جزء من مدخراتهم من خلال الاستثمار في الفن». ويتابع: «أولئك الذين لم يكن لديهم ما يكفي من المال للاستثمار في العقارات أو الذهب يمكنهم تحمل تكلفة اللوحات. وقد شجع هذا على افتتاح صالات العرض من قبل جيل جديد من الأشخاص ورجال الأعمال الذين لا يمتلكون معرفة حقيقية بالفن.. إنهم يريدون البيع وتحقيق الربح فحسب».

«قررتُ أن يكون موقع معرضي قرب منطقة الميناء وأطلقت عليه اسم Août (آب/ أغسطس بالفرنسية) لسبب شخصي مؤلم. بالإضافة إلى ذلك، يهدف الأمر لإحياء المشهد الثقافي في الجميزة ومار مخايل بعد الانفجار، فضلاً عن إجراء حوار ثقافي بين بيروت وبقية العالم».

زيد الأمين، نجل أحد ضحايا انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020

ومع ذلك، أتاح انتشار المعارض الفنية فرصة أكبر للفنانين المحليين من الشباب والناشئين. وأضاف المصدر نفسه: «لم يمتلك هؤلاء الفنانون مساحة لعرض أعمالهم من قبل، حيث اكتفت معارض النخبة القليلة، التي احتكرت السوق، بعرض أعمال الفنانين المعروفين والراسخين فقط. لهذا السبب، نشهد طلبًا على صالات العرض الجديدة الآن».

تشجيع الفنانين الشباب

على صعيدٍ آخر، افتتحت سناء جابر، وهي فنانة تشكيلية وصاحبة جاليري Escape، المكان قبل أربعة أشهر في الأشرفية، وهو حي آخر تضرر بشدة في انفجار عام 2020، بهدف ترويج الفن وتشجيع الفنانين الشباب.

وعن تجربتها، تقول «جابر»: «علينا المثابرة. على كل من يستطيع أن يفعل شيئًا إيجابيًا في هذا البلد ألا يتردد. لا يمكننا البقاء مكتوفي الأيدي في انتظار ما قد يحدث غدًا». ويستضيف جاليري «جابر» معرضًا مفتوحًا لطلاب الفنون من خريجي الجامعات اللبنانية. وتضيف: «هذه طريقة لتشجيع الفنانين الجدد على تطوير فنهم ومواصلة العمل. يضطر الكثيرون للعمل في مجالات مختلفة لكسب لقمة العيش، لذلك أهملوا موهبتهم الفنية على الرغم من قضائهم أربع سنوات في دراسة الفنون في الجامعة».

واليوم، يعد الفن عملًا مزدهرًا في سبيل تعزيز هوية لبنان كمركز ثقافي. وتقول رانيا حمّود: «كلما زاد عدد صالات العرض الجديدة لدينا، كان ذلك أفضل. سيكون من الجميل أن يصبح لبنان مركز الفن في الشرق الأوسط. لذا دعونا نصدر الفن والجمال بدلًا من المخدرات».

اقرأ أيضًا:

ابحث عن أحدث المنح الدراسية عبر موقعنا من هنا، وشاركنا النقاش عبر مجموعتنا على «فيسبوك» من هنا، وللمزيد من المنح، والقصص، والأخبار، سارع بالاشتراك في نشرتنا البريدية.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى