مقالات رأي

دروس من زلزال تركيا.. دعوة لإنشاء مراكز بحثية عربية لدراسة الكوارث الطبيعية

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

طالعتنا الأنباء عبر وسائل الإعلام بتقييد الوصول إلى «تويتر» في تركيا إثر وقوع الزلزال الأخير، وما صاحبه من تداعيات كارثية، قبل أن تتيح السلطات لمواطنيها إمكانية استخدام موقع التواصل الاجتماعي الشهير، بعد محادثات حكومية مع مسؤولي الشركة.

وقد أبرزت دراسات عدة الأهمية الكبيرة لشبكات التواصل الاجتماعي في دعم جهود الإغاثة الحكومية والتطوعية في أوقات الكوارث الطبيعية والأزمات، وظهر ذلك جليًا منذ كارثة تسونامي المحيط الهندي في كانون الأول/ديسمبر 2004، وإعصار كاترينا في 2005. وفي المقابل، فإن حالة عدم التأكد والخوف والهلع التي تصاحب الأزمات الكبرى، يحدث معها انتشار العديد من الأخبار المضللة عن عمد، أو عن غير عمد. وهو أيضًا ما توصلت إليه دراسات متنوعة.

اقرأ أيضًا: (زلزال تركيا وسوريا.. جامعات تتعطل وفرق تطوعية لإغاثة المنكوبين).

كباحث وأكاديمي في مجال الاتصال الجماهيري، أتفهم جيدًا هذه الحيرة التي تجعل السلطات الحكومية في كثير من دول العالم، تقع في هذه الازدواجية بين السماح باستمرار شبكات التواصل الاجتماعي خلال الأزمات والكوارث، لما لها من دور مهم في المساعدة، وبين محاولة المنع، أو تقييد الوصول، لتجنب انتشار الأخبار المضللة، أو الكاذبة التي تعرقل جهود الإنقاذ.

وقد نشرت شبكة «تويتر»، في الثالث عشر من تشرين الأول/أكتوبر 2022، أمثلة لدورها الإيجابي خلال الكوارث الطبيعية، مثل الدور الذي قدمته أثناء حرائق الغابات في أستراليا، حيث نشر الصليب الأحمر الأسترالي وسمًا (هاشتاج)، بعنوان: «جاهز للطوارئ» (EmergencyReady)، وسجّل مشاهدات بلغت 5 ملايين مشاهدة خلال 24 ساعة، وهو ما يؤكد الدور المهم للشبكة في زيادة الوعي،  وتأكيد الجاهزية لمواجهة الأزمات والكوارث.

من واقع هذه المعطيات، نجد أننا أمام أمر مثير للتفكير من قبل الباحثين والدارسين في مختلف فروع العلوم الإنسانية، حيث ستظل هذه الحالة من الاستقطاب، بين المؤيدين للدور الإيجابي النشط، والمهم لشبكات التواصل الاجتماعي، وبين المتشككين في الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الشبكات في تخفيف حدة الآثار الناجمة عن الكوارث، وهو ما يدفعنا للتأكيد على أهمية القيام بدور أكثر إيجابية في مكافحة الأخبار الكاذبة، والمضللة، والشائعات عند وقوع الأزمات.

اقرأ أيضًا: (جامعات الشرق الأوسط على خطى منصات التعلم الرقمي.. تجارب من جائحة كوفيد-19).

ومع وضوح الدور الذي يمكن أن يسهم به الأكاديميون في تخصصات الهندسة والعلوم الطبيعية المختلفة، عند وقوع الزلازل، إلا أنه يظل دور الأكاديميين في العلوم الاجتماعية في مقاومة آثار الكوارث الطبيعية، يحتاج إلى الكثير من الانتباه والاهتمام.

ومنذ العام 1998، نشر «مركز بحوث الكوارث» Disaster Research Center، بجامعة ديلاوير الأمريكية (University of Delaware)، العديد من المقالات حول دور العلوم الاجتماعية في مواجهة الكوارث والزلازل، منها مقالة تؤكد على أنه بإمكان العلوم الاجتماعية أن تساهم في تحديد القيمة الحقيقية للخسائر المترتبة على الزلازل، بما يساهم في جهود إعادة الإعمار التي تقوم بها الحكومات وصناع السياسات، كما أشارت لدور مهم أيضًا للعلوم الاجتماعية في تحديد المستفيدين من جهود إعادة الاعمار، والخطط الأمثل  والأولى بالعناية والاهتمام لتخفيف حدة نتائج الكوارث والزلازل.

كما يمكن للعلوم الاجتماعية أن تساهم في رسم الخطوط العريضة للسيسات الاقتصادية التنفيذية، من خلال نتائج البحوث والدراسات التي تساعد في رسم أفضل طرق التغلب على الآثار الكارثية للزلازل. وهذه الدراسات يقوم بها علماء من تخصصات الجغرافيا، والاجتماع، وعلم النفس، والاقتصاد، والسياسة، بالإضافة إلى دور باحثي العلوم الاجتماعية في رسم سياسات تخص تغيير سلوكيات التعامل مع الكوارث الطبيعية من قبل المواطنين، وإلقاء الضوء على الجوانب التي يمكن من خلالها رفع وعي الجمهور بكيفية التعامل وقت الأزمات، على نحو يسهم في تخفيف وتقليل الأضرار.

كباحث وأكاديمي في مجال الاتصال الجماهيري، أتفهم جيدًا هذه الحيرة التي تجعل السلطات الحكومية في كثير من دول العالم، تقع في هذه الازدواجية بين السماح باستمرار شبكات التواصل الاجتماعي خلال الأزمات والكوارث، لما لها من دور مهم في المساعدة، وبين محاولة المنع، أو تقييد الوصول.

إلى جانب كل ذلك، هناك العديد من الدراسات التي أشارت إلى دور علم النفس السلوكي في مواجهة صدمة الزلازل، وما بعدها، ودور الباحثين في مجال الخدمة الاجتماعية في تخفيف الآثار الناجمة عن عملية إعادة التوطين، والانتقال من الأماكن المتضررة إلى أماكن جديدة، أما علم التربية فقد ساهم بدور مهم في عملية تثقيف وتدريب الطلاب على التعامل مع هذا النوع من الكوارث.

اقرأ أيضًا: (أبرزها ChatGPT.. كيف تستجيب الجامعات لتحديات روبوتات الذكاء الاصطناعي؟).

إن فهم الجانب الاجتماعي للزلازل يحتاج إلى بذل الكثير من الجهد في تطوير منهجيات بحثية مبنية على التكنولوجيا الحديثة، تساهم في دراسة وتحليل مرحلة الصدمة، وما بعدها، على نحو يحقق التعاون بين مختلف التخصصات في العلوم الاجتماعية، للاستفادة من التراث العلمي والبحثي السابق، على نحو يساعد صانعي السياسات في مواجهة الآثار الكارثية للزلازل.

وإذا كان لدى علماء الاتصال الجماهيري، وأساتذة الإعلام في الجامعات العربية، شغف لدراسة اتصالات الأزمة، فإنه يمكن تطوير مجموعات بحثية، من تخصصات اجتماعية متنوعة، تشمل علم السياسة والاقتصاد، وعلم النفس والاجتماع، بالإضافة إلى تخصصات العلوم الطبيعية كالهندسة والحاسبات لخلق مبادرات أكاديمية، لدراسة الزلازل، والأعاصير، والجوائح الطبية والصحية وكل ما شابه من أزمات وكوارث.

وهذه الدعوة، التي أطلقها، إلى تأسيس مركز بحثي اجتماعي عربي لدراسة الكوارث الطبيعية، تقتدي بنماذج عديدة من جامعات أوروبية وأمريكية، ومنها، على سبيل المثال: مركز جامعة كوبنهاجن لدراسات الكوارث،  Copenhagen center for Disaster Research، ومركز جامعة أدجر لإدارة الطوارئ Centre for Integrated Emergency Management (CIEM)، ومركز المخاطر الطبيعية بجامعة كولورادو بالولايات المتحدة الأمريكية Natural Hazards Center University of Colorado – Boulder united States، لذا فقد أصبح من المهم للجامعات العربية أن تعيد النظر في تأسيس مثل تلك المراكز البحثية، لدراسة سبل التصدي، وتقليل الأضرار لهذه الكوارث الطبيعية.

*أستاذ الإعلام بجامعة السلطان قابوس/ سلطنة عمان.

اقرأ أيضًا:

  ابحث عن أحدث المنح الدراسية من هنا. ولمزيد من القصص، والأخبار، اشترك في نشرتنا البريدية، كما يمكنك متابعتنا عبر فيسبوك، ولينكد إن، وتويتر، وانستجرام، ويوتيوب.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى