مقالات رأي

«العودة إلى الألف».. تجربة فنية ترصد جماليات الخط العربي

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

بمنظور سطحي، يعدّ «الألف» الحرف الأول في الأبجدية العربية، ويحمل قيمة عددية تساوي الرقم 1، لكن الحرف يؤطّر مفاهيم مختلفة، حيث إنه يدل على الله، الواحد، والأول، والبداية والنهاية.

وقد أسْرَ هذا الحرف الفنانة ندى عبد الله، التي كرّست لهذه الرسالة، طاقتها، ووقتها، ومهاراتها، ومعرفتها بالخط العربي. ولا تُخفي «عبد الله» إخلاصها لرسالتها، وتقول: «الألف هو البداية، أول حروف الأبجدية العربية وأول حرف من اسم الله».

ولهذه الأسباب، حمل معرضها الأخير عنوان: «العودة إلى الألف». وقد أقيم في رواق جاليري في كلية الفنون الجميلة والتصميم بجامعة الشارقة، كجزء من الاحتفالات بمناسبة «بينالي الشارقة للخط».

اقرأ أيضًا: (آليات تدريس الخط العربي.. جدل يواكب إدراج «تراث الجمال» في قوائم اليونسكو).

اختارت الفنانة هذا الحرف لإظهار جماليات الخط العربي وإبراز تاريخه، وأنماطه، وأشكاله. وتأتي أعمالها الخطيّة لحرف الألف بأنماط مختلفة، ويمكن رؤيتها على الملصقات، والمنحوتات، واللوحات الجدارية، والرسوم المتحركة.

«يمكن ملاحظة التحول في أنماط الخط العربي من خلال رسم حرف الألف في كل خط. من خلال اختلاف المقاييس والارتفاع الرأسي للحرف، يمكن اكتشاف بصمة الخط».

وعن تجربتها، تقول: «يمكن ملاحظة التحول في أنماط الخط العربي من خلال رسم حرف الألف في كل خط. من خلال اختلاف المقاييس والارتفاع الرأسي للحرف، يمكن اكتشاف بصمة الخط». وتضيف: «يعمل الألف كرمز للنص، يمكن للخبراء من خلاله تمييز أسلوب ونوع الخط».

الدلالة الدينية

تركز أعمال «عبد الله» الفنية على اكتشاف الألف بالخط الكوفي، وإظهار إمكانية إنتاج أنماط جديدة باستخدام أحدث الوسائط والتصميم الرقمي والتكنولوجيا. وتوضح: «يبدأ كل خط من الألف بسلسلة من النقاط، ويتحرك لأعلى، أو ينزل لأسفل، لتشكيل خط عمودي للحرف المقدس. بدوره، يتحول الحرف إلى قوالب مختلفة بناءً على الخط المستخدم».

وتشير الفنانة إلى أنه في أقدم المخطوطات كان حرف الألف بالخط الكوفي الأولي قصيرًا وواضحًا «ليعكس التركيز على الدلالة الدينية بدلاً من البصرية». وفي أعمالها الفنية، حوّلت «عبد الله» انبهارها، وإخلاصها للألف إلى ضربات رأسية مرتفعة وأنيقة. وتقول: «رحلة الألف من الشرق إلى الغرب، ومن الماضي إلى الحاضر، تسلط الضوء على مستويات التطور».

تأثير الخط الكوفي

يُعتقد أن الخط الكوفي، موضع اهتمام السيدة «عبد الله» بشدة، قد تم اختراعه في القرن السابع بمدينة الكوفة جنوب العراق. ووصل الخط إلى ذروته في القرن التاسع الميلادي، حيث زيّن المخطوطات القرآنية، والرِق، ونقوش شواهد القبور، والزخارف المعمارية، والأقواس والعملات المعدنية.

ويظهر الخط الكوفي في أنواع وخصائص مختلفة. ومن أبرز أنواعه: الخط الكوفي الفاطمي، والقيرواني، والمملوكي، وغيرها. ويشير كلٌّ منها إلى سلالة إسلامية، أو منطقة جغرافية ضمن العالم الإسلامي. ويشتهر الخط الكوفي بأسلوبه الزخرفي ونقوشه، بأنواعه المورقة، والمعقدة، والمزهرة، والمربعة، وغيرها من الخصائص التي يمكن أن تكون فريدة، وذات زوايا، ومستقيمة، وأفقية، وملتوية.

يمكن للمسافر إلى أي بلدٍ عربي، أو مسلم رؤية الخط الكوفي في كل مكان تقريبًا، ولكن من دون الالتفات إليه كثيرًا، فقد تجد الخط الكوفي على الشعارات، واللوحات الإعلانية، واللافتات، والصحف، والمجلات، ولكنه يبرز، على وجه الخصوص، كجزء من العجائب المعمارية التي نُقشت بها آيات من القرآن الكريم على محاريب، وجدران المساجد.

وتتميز أشكال الحروف الكوفية لـ«عبد الله»، بشكل أساسي، بالعناصر والموضوعات التقليدية التي أصبحت جزءًا من حياة الناس في العالم العربي والإسلامي. ويعتمد عملها، بشكل كبير، على الرموز الدينية، حيث قدّس المسلمون حرف الألف، ومن هنا كان اهتمامها بالحرف الذي يدل على الإله.

«الوحدة وعدم التمييز»

ومن بين مخطوطاتها البارزة، عملٌ مستوحى من حديث للنبي محمد. ويحمل العمل اسم «سواسية»، ويصور المفهوم الكامن وراء قول الرسول إن «الناس سواسية مثل أسنان المشط»، بغض النظر عن لونهم، أو دينهم، أو توجههم، أو عرقهم. وتوضح: «في هذا السياق، يشير المشط ضمنًا إلى الوحدة، وعدم التمييز». 

تعد لوحة «سواسية»، مثالًا آخر على أعمال الخط الفنية لعبد الله، وهي تصور حديثًا للنبي محمد، يقول فيه إن الناس متساوون مثل أسنان المشط. وتقول: «في هذا السياق، يشير المشط ضمنًا إلى الوحدة، وعدم التمييز».

وكما هو حال حرفها المفضل، فقد نفذّت عملها «سواسية» باستخدام الخط الكوفي القديم «لمحاكاة الجانب التعبدي للمحتوى»، وقد «تم تمثيل النص بأسلوب كوفي منقّط، تم تطويره خصيصًا لهذا المشروع».

وتستخدم «عبد الله» عدة نقاط لجذب الانتباه و«بناء خطوط بصرية وأشكال صلبة جديرة بتركيز أكبر».

وكانت قد أنتجت وعرضت عملها «سواسية» في ذروة انتشار جائحة كوفيد-19 لتسليط الضوء على «أهمية الوحدة، والتعاون، والتواصل».

مهنة دولية

كفنانة، ومصممة، ومعلمة، أسست «عبد الله»  مهرجان «بالعربي» (Bilarabic) للتصميم، وهو تجمع يسعى إلى الترويج للثقافة العربية، والتصميم كمنصة ديناميكية للتعاون المفتوح. وعرضت أعمالها في لبنان، والإمارات العربية المتحدة، واليونان، وكوريا، والعراق، والأردن، ومصر، والبحرين، والمملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة، ودول أخرى.

ويعود تاريخ اهتمامها، وعملها، وأبحاثها في الخط العربي والطباعة إلى التسعينيات؛ ففي السنوات التي قضتها في كلية الفنون الجميلة والتصميم بجامعة الشارقة، ابتكرت «عبد الله» وطلابها خطوطًا عربية مستوحاة من الخط العربي، وصممت خطوطًا لاتينية مستوحاة من أشكال الحروف العربية، وطوّرت طرقًا جديدة لاستخدام الخط الكوفي المربع.

وقد مارس طلابها الطباعة مستخدمين الخطوط التي ابتكروها لكتابة النشيد الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة على شكل علم الإمارات. وقد تم تحويل هذا التصميم إلى لوحة جدارية تزين حاليًا مدخل الكلية وتم عرضها في ATypI، وهي جمعية للطباعين الدوليين مقرها باريس.

ليون بارخو، أستاذ علوم الإعلام والاتصال في كلية الاتصال بجامعة الشارقة، وأستاذ فخري بجامعة يونشوبينغ السويدية. في عمله السابق كصحفي، شغل منصب مدير مكتب في وكالة «رويترز» للأنباء، وكاتبًا في وكالة« أسوشيتد برس».

اقرأ أيضًا:

  ابحث عن أحدث المنح الدراسية من هنا. ولمزيد من القصص، والأخبار، اشترك في نشرتنا البريدية، كما يمكنك متابعتنا عبر فيسبوك، ولينكد إن، وتويتر، وانستجرام، ويوتيوب.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى