أخبار وتقارير

دراسة التراث الثقافي لتجاوز الانقسامات.. تجربة أكاديمية من لبنان

عوضًا عن هيمنة صورة الانقسام السياسي والعنف، يرى هنري زغيب، مدير مركز التراث اللبناني بالجامعة اللبنانية الأمريكية، أن شباب بلاده بحاجة إلى التعرف على تاريخهم وحضارتهم.

وينشر المركز مجلة تراثية يأمل «زغيب» أن تصبح مستودعًا للدراسات البحثية، وأن تشجع الطلاب والباحثين على الخوض في موضوعات تتعلق بالتراث اللبناني. ولا يقتصر هذا الاهتمام على تلك الجامعة وحدها، فقد كشفت جامعة الروح القدس في الكسليك (USEK)، مؤخرًا، عن سلسلة من اللوحات التي استعادت رونقها وجمالها السابق على يد طلاب الفنون والخبراء الإيطاليين، في إطار برنامج دراسي جديد.

ويأتي كل هذا في إطار محاولة الحفاظ على التراث الثقافي وترميمه، بعد سنوات من الحرب، والإهما،  وسوء الإدارة التي أدت إلى فقدان وسرقة القطع الأثرية والأعمال الفنية. وعلى الرغم من الاهتمام الأكاديمي المتزايد، يشعر «زغيب» أن الكثير من أبناء الجيل الشاب لا يدركون حقًا أهمية تراثهم.

إنهم يعرفون فقط ما يسمعونه في الأخبار وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو أمرٌ سام ومثير للانقسام. يعتقدون أن لبنان عبارة عن الانقسامات السياسية والعنف لا غير. في هذا المركز، نسعى لتعريفهم بـ«لبنان الوطن»، بكل ما يعنيه من تراث، وحضارة، وتاريخ، وطبيعة، وشخصيات بارزة. ويتجاوز كل هذا الزمن والسياسة والحروب». 

– هنري زغيب، مدير مركز التراث اللبناني في الجامعة اللبنانية الأمريكية.

ويقول لـ«الفنار للإعلام»: «إنهم يعرفون ما يسمعونه في الأخبار وعبر وسائل التواصل الاجتماعي فقط، وهو أمرٌ سام ومثير للانقسام. يعتقدون أن لبنان عبارة عن الانقسامات السياسية والعنف لا غير». ويضيف أن المركز، الذي أنشئ قبل عشرين عامًا، يسعى إلى تعريفهم بـ«لبنان الوطن، بكل ما يعنيه من تراث، وحضارة، وتاريخ، وطبيعة وشخصيات بارزة. ويتجاوز كل هذا الزمن والسياسة والحروب». 

اقرأ أيضًا: الخبيرة الثقافية باليونسكو نهلة إمام لـ«الفنار»: على صناع القرار الاستفادة من الإنتاج الأكاديمي حول التراث

كما يؤكد أهمية تعريف الطلاب بالقيم الثقافية، والاجتماعية، والتاريخ، والحضارة. ويقول إن مهمتهم هي الحفاظ على هذه القيم وغرسها في الشباب. «لا ترغب الجامعة اللبنانية الأمريكية في تخريج طلاب من حملة الشهادات المهنية فقط. … نريدهم أن يكونوا متعلمين ومثقفين».

ويأمل «زغيب» في إدخال دراسات التراث في المناهج الدراسية العادية بالجامعة كخطوة أولى لإيجاد برنامج متكامل لدراسات التراث. ويشير إلى تزايد اهتمام الطلاب بالحفاظ على التراث من خلال حضور المؤتمرات والندوات. وفي نبرة أسى، يقول: «يفرّ الساعون للهجرة بعد التخرج من الدولة الفاسدة، وليس من لبنان، كوطن وتراث».

طلاب في جامعة الروح القدس – الكسليك، يعملون على ترميم اللوحات التي تضررت في انفجار ميناء بيروت (الجامعة).

يضم المركز، مجموعة من المخطوطات القديمة، واللقى، ولوحات مشاهير الفنانين اللبنانيين، والصور القديمة لموارد لبنان الطبيعية، وجميعها محفوظ في حرم الجامعة في جبيل، شمال بيروت. وبحسب «زغيب» فإن المركز لديه خطة لعرض مقتنيات المجموعة بمجرد تخصيص مساحة يسعون إلى تحويلها إلى متحف دائم للحفاظ على الذاكرة الجماعية للشعب.

برنامج جديد في الكسليك

في عام 2018، قدمت جامعة الروح القدس في الكسليك (USEK)، برنامجها الجديد في مجال ترميم والحفاظ على الممتلكات الثقافية، بالتعاون مع جامعة أوربينو الإيطالية، المتخصصة في أعمال الترميم.

يتابع الطلاب برنامجًا لنيل درجة البكالوريوس لمدة ثلاث سنوات، ومن ثم درجة الماجستير لمدة عامين. ويقوم أساتذة إيطاليون زائرون بتدريس الدورات، وإعطاء دروس عملية في المختبرات في تقنيات متخصصة.

«نحن الجامعة الوحيدة التي تقدم برنامجًا لنيل درجتي البكالوريوس والماجستير في ترميم وحفظ التراث الثقافي. وهو برنامج قيّم يهدف للحفاظ على الذاكرة الجماعية وحضارة وتاريخ الشعب. … إذا ضاع تراثنا أو تم محوه، ضاعت الأمة». 

جوزيف زعرور، مدير البرنامج الجديد في جامعة الروح القدس – الكسليك. 

وعن ذلك، يقول جوزيف زعرور، مدير البرنامج: «إنه برنامج فريد من نوعه، ليس في لبنان فحسب، بل في المنطقة. نحن الجامعة الوحيدة التي تقدم برنامج لنيل درجتي البكالوريوس والماجستير في ترميم وحفظ التراث الثقافي». ويرى أيضًا أنه برنامج قيّم لأنه «يهدف إلى الحفاظ على الذاكرة الجماعية، وحضارة، وتاريخ الشعب. … إذا ضاع تراثنا أو تم محوه، ضاعت الأمة».

تعود ملكية اللوحات التي رمّمها البرنامج مؤخرًا إلى متحف سرسق،  وكانت قد تضررت بشدة في انفجار مرفأ بيروت عام 2020.

ويوضح «زعرور» أن ترميم التراث الثقافي في لبنان ارتبط، في الغالب، بالخبراء الأجانب من إيطاليا أو فرنسا بسبب الافتقار لهذا التخصص محليًا، ولكن في غضون عامين، سوف تقدم الجامعة  الدفعة الأولى من خبراء الترميم المؤهلين للقيام بعمل مناسب، وفق تعبيره.

أقامت الجامعة ثلاث ورش عمل متخصصة، ومجهزة بالكامل لترميم جوانب مختلفة من التراث الثقافي. تركز إحداها على اللوحات الخشبية والنسيج، فيما خُصّصت أخرى للمواد الحجرية واللوحات الجدارية والأسطح المعمارية المزخرفة والأعمدة. أما الثالثة، فقد تناولت مجال الورق، بما في ذلك الكتب والمخطوطات.

دراسة التراث الثقافي لتجاوز الانقسامات.. تجربة أكاديمية من لبنان
طالب في جامعة الروح القدس – الكسليك، يعمل على ترميم اللوحات التي تضررت في انفجار ميناء بيروت (الجامعة).

بدأ البرنامج بتسعة طلاب قبل وقتٍ قصير من الأزمة الاقتصادية والمالية لعام 2019، والتي أعقبتها جائحة كوفيد-19. وعن تجربتهم مع البرنامج في ذلك الوقت، يقول «زعرور» إن أساتذة إيطاليا لم يكن بإمكانهم السفر إلى لبنان أثناء الإغلاق، وتم تقديم الدورات عبر الإنترنت. وفي مرحلة ما، أرسلت الجامعة طلابها إلى إيطاليا لإكمال الدورات التي تتضمن العمل المخبري. أما الآن، فقد بدأ الأستاذة في العودة.

تقدم الجامعة البرنامج نفسه الذي تقدمه جامعة أوربينو الإيطالية. وبعد ثلاث سنوات من الدراسة في حرم الجامعة في الكسليك لنيل درجة البكالوريوس، يقضي الطلاب عامين في الجامعات الإيطالية لنيل درجة الماجستير. ويقول «زعرور»: «في الواقع، مدة البرنامج خمس سنوات، لأنك بإتمام برنامج البكالوريوس وحده لن تُعتبر مرممًا متخصصًا. يجب أن يتخصص الطلاب في أحد المواد الثلاثة. إذا كان سيختار الخشب والنسيج، عليه الذهاب إلى أوربينو، ولترميم القطع الأثرية الحجرية يتعين عليهم الذهاب إلى نابولي، ولترميم الكتب والمخطوطات يذهبون إلى روما أو بولونيا. لدينا اتفاقيات مع كل هذه الجامعات».

ويتفق كلٌ من «زغيب» و«زعرور» على وجوب البدء بالتربية التراثية في سنٍ مبكرة. وبتفصيل أكثر، يقول «زغيب»: «من المهم البدء في غرس القيم الثقافية والتراثية في نفوس الأطفال الصغار. يجب أن تكون الدراسات التراثية والثقافية جزءًا من المناهج المدرسية العادية. يجب ألا ننتظر وصولهم إلى مرحلة التعليم العالي. … هذه هي الطريقة الوحيدة لتنشئة أجيال واعية ثقافيًا».

اقرأ أيضًا:

  ابحث عن أحدث المنح الدراسية من هنا. ولمزيد من القصص، والأخبار، اشترك في نشرتنا البريدية، كما يمكنك متابعتنا عبر فيسبوك، ولينكد إن، وتويتر، وانستجرام، ويوتيوب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى