أخبار وتقارير

مهارات وطرق تدريس التفكير النقدي في كتاب جديد

وسط انشغال أكاديمي مستمر بتنمية قدرات طلاب الجامعات، وإعدادهم لسوق العمل بأكبر قدر ممكن من المهارات، يبرز «التفكير النقدي» كحاجة ملحة لمجتمع التعليم العالي، بل والمجتمعات كافة في عالمنا الراهن.

وهذا المصطلح ليس جديدًا على بيئة التعلم في العالم، بل يعود إلى بضعة عقود مضت، كما يخبرنا المؤلف الأمريكي، جوناثان هابر، في كتابه: «التفكير النقدي» (الطبعة العربية، مؤسسة هنداوي، ت: إبراهيم سند أحمد، كانون الأول/ديسمبر 2022).

صدر هذا الكتاب بالإنجليزية، في العام 2020، ضمن سلسلة «المعرفة الأساسية»، التابعة لمؤسسة «إم آي تي بريس»، بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة. وهي مؤسسة نشر رائدة في المجالات العلمية متعددة التخصصات.

اقرأ أيضًا: (مؤسس «وقف الإسكندرية» صلاح خليل: أحلم بنظام تعليمي لا يتأثر بعدم المساواة في العالم).

بدأ تدريس مهارات التفكير النقدي لطلاب التعليم العالي في «لحظة فارقة»، في العام 1983، حين ألزم نظام جامعة ولاية كاليفورنيا، جميع الطلاب بإكمال دورة تدريبية عن التفكير النقدي قبل التخرُّج.

يقول الكتاب إن تدريس مهارات التفكير النقدي لطلاب التعليم العالي بدأ في «لحظة فارقة»، في العام 1983، حين ألزم نظام جامعة ولاية كاليفورنيا، جميع الطلاب بإكمال دورة تدريبية عن التفكير النقدي قبل التخرُّج. وقد أدى هذا القرار – بحسب المؤلف – إلى انتشار الدورات التدريبية المعنية بالتفكير النقدي في التعليم العالي بالولايات المتحدة، ما أثمر، في نهاية المطاف، زيادة هائلة في الأبحاث التي تتناول تدريس التفكير النقدي، منذ ثمانينيات القرن العشرين، وحتى اليوم.

وفي نفس العام، نشرت «اللجنة الوطنية للتميُّز في التعليم» (أنشئت بتكليف من الرئيس الأمريكي رونالد ريجان)، تقريرًا بعنوان: «أمة في خطر». وخلص التقرير إلى أن منظومة التعليم الأمريكي، وقتذاك، «متخلفة عن المنظومات التعليمية في بلدانٍ أخرى». ونتيجة لعمل اللجنة، صار من الأولويات الوطنية تحسين المدارس، عبر ممارسات المساءلة التي ترتكز على معايير أكاديمية صارمة، وإجراء تقييمات منتظمة لطلاب المراحل التعليمية كافة.

الاقتصاد القائم على المعرفة

ومن رحم التطورات التعليمية المتتابعة، والتي تزامنت مع مناقشات السياسات التعليمية على مستوى العالم، جاء الانتقال من الاقتصاد القائم على الصناعة إلى الاقتصاد القائم على المعرفة، حيث تفضيل المهارات، مثل: القدرة على التفكير الفعّال، والتواصل المقنِع، والعمل الجماعي، على القدرة على استيعاب المعلومات الخام واجترارها. ومع سهولة الوصول إلى المعلومات الخام، بنقرةٍ من زرٍّ، أو تمريرِ إصبع على الهاتف، بات لزامًا على أفراد مجتمع «عصر المعلومات»، أن يتعلَّموا كيفية المعرفة، بفعالية تلك المعلومات، وذلك بالتفكير فيها بوضوح، وبأسلوبٍ نقدي، كما يقول الكتاب الذي بين أيدينا.

تعريف التفكير النقدي

يورد الكتاب تعريفات عدة للتفكير النقدي، نختار منها ما يلي:

«نمطٌ للتفكير، في أي موضوع أو محتوى أو مشكلة، يعمد فيه المفكرُ إلى تحسين جودة تفكيره عن طريق تحليل الموضوع أو المحتوى أو المشكلة ببراعة؛ ومن ثمَّ تقييم ما كان يفكِّر فيه وتشكيله من جديد. ويتَّسم التفكير النقدي بذاتيةِ التوجيه والانضباط والمراقبة والتصحيح. إنه يقتضي الالتزامَ بمعاييرَ صارمةٍ للتميز والتحكُّم الواعي في استخدام تلك المعايير. وينطوي التفكيرُ النقدي على التواصل الفعَّال وحلِّ المشكلات، والالتزام بالتغلُّب على الأنانية الفطرية والأعراف المجتمعية».

جوناثان هابر، مؤلف كتاب «التفكير النقدي» (Medium).

وهذا التعريف صاغته مؤسسة «التفكير النقدي»، وهي منظمة غير هادفة للربح في كاليفورنيا بالولايات المتحدة، تم تأسيسها في ثمانينيَّات القرن العشرين، وكانت قوةً رئيسية في تقديم الدعم لتدريس التفكير النقدي في الولايات المتحدة، بحسب المؤلف.

مهارات التفكير النقدي

ويركز المؤلف، في كتابه، على دراسة العناصر التي ينبغي معرفتها والتحلي بها، كي يُصبح الإنسان مفكرًا نقديًّا. وفي فصل منفرد، يستعرض تلك العناصر، مثل: التفكير المنظَّم، أو المنطق، والمهارات اللُّغوية والمجادلة، مع تقديم بعض المهارات والسمات الأخرى، مثل الابتكار والسمات الشخصية، التي يرى عدد كبير من الباحثين، والمعلمين أنها ضرورية من أجل التفكير النقدي.

ويستعرض الكتاب السمات الشخصية التي ينبغي أن يتحلى بها المفكر النقدي، مثل حبِّ الاستطلاع، والتقمُّص الفكري والإبداع، التي قد يبدو أنها تليق بوصفٍ للشخصية أكثرَ مما تليق بمنهج دراسي، أو مجموعةٍ من المعايير الأكاديمية. وتتعلق هذه المصطلحاتُ «بالسِّمات» البشرية، وتُسمى أيضًا بالصفات أو الخصال السلوكية، وهي تصفُ ما ينبغي أن يتحلى به المفكر النقدي عند تطبيق المعرفة والمهارات المرتبطة بالتفكير المنطقي المنضبط على مواقف الحياة الواقعية.

اقرأ أيضًا: (ما يجب أن يفعله العراقيون للارتقاء بنظامهم التعليمي.. قراءة في كتاب للأكاديمي محمد الربيعي).

يستعرض الكتاب السمات الشخصية التي ينبغي أن يتحلى بها المفكر النقدي، مثل حبِّ الاستطلاع، والتقمُّص الفكري والإبداع، التي قد يبدو أنها تليق بوصفٍ للشخصية أكثرَ مما تليق بمنهج دراسي، أو مجموعةٍ من المعايير الأكاديمية.

ومع انتشار دورات التفكير النقدي، لا سيما في التعليم العالي منذ ثمانينيَّات القرن العشرين، حدَّد المعلمون المعْنيُّون بتدريس هذه الدورات التدريبية، وكذلك الباحثون في مجال التفكير النقدي، مجموعةً كبيرة من السمات المطلوبة للتفكير الفعال والتأملي، وكذلك الاستعداد لتطبيق تلك القدرة عمليًّا، وخاصة في المواقف التي قد لا يكون التفكير العميق هو الخيار الوحيد فيها لدى الشخص، أو استجابته التلقائية الأولى.

وتضمنت أعمال مؤسسة «التفكير النقدي»، وضع أطرٍ تحدد صفات المفكر النقدي، ومنها مجموعة «السمات الفكرية القيمة» المماثلة للعديد من القوائم الأخرى التي تضم السمات الشخصية التي يجب على المفكر النقدي التحلِّي بها.

وتشمل هذه القائمة السمات التالية:

  • التواضع الفكري: إدراك الشخص حدود معرفته، والأخطاء المحتملة في تفكيره.
  • الشجاعة الفكرية: قدرة الشخص على الدفاع عن معتقداته بثقة، وعدم السلبية في القبول بصحة ما يقال له، حتى مع وجود الضغط الاجتماعي.
  • التقمُّص الفكري: الاستعداد لأن يتخيَّل الشخص نفسه متبنيًا التوجُّه العقلي للآخرين، كي يفهم مواقفهم على نحوٍ أفضل.
  • الاستقلال الفكري: قدرة الشخص على التفكير لنفسه، مع التحكُّم في تفكيره المنطقي أيضًا.
  • النزاهة الفكرية: الأمانة في التفكير والجدال، بحيث يُلزِم الشخص نفسه، والآخرين بالمعايير الفكرية الصارمة ذاتها، وأن يكون على استعداد للاعتراف عند الخطأ.
  • المثابرة الفكرية: الاستعداد لبذل الجهد الفكريِّ الشاقِّ للتغلب على العقبات، من أجل الإجابة عن الأسئلة، أو الحِجَاج دفاعًا عن مواقفه.
  • الثقة في المنطق: الإيمان بأن الأفضل للجميع بمرور الوقت، هو الالتزام بالتفكير المنطقي، باعتباره وسيلةً لاكتساب المعرفة وإيجاد حلول المشكلات.
  • الإنصاف في التفكير: الاجتهاد لتحرِّي حُسن النية في معاملة جميع وجهات النظر بإنصاف، بغضِّ النظر عن المعتقدات الشخصية، أو الاستجابة العاطفية تجاه القضايا المطروحة للنقاش، أو أعراف المجتمع (مثل ضغط الأقران للموافقة على وجهة نظر واحدة).

طرق تدريس التفكير النقدي

ولا يغفل الكتاب الحديث عن طرق تدريس التفكير النقدي، حيث يقول المؤلف إنه ينبغي تدريس المعارف المرتبطة بالتفكير النقدي بالطريقة الصريحة، سواءٌ أكان ذلك في صورة دورة تدريبية مخصصة، أو في صورة عنصر مكمل في دورات تدريبية أخرى.

يوجد العديد من الأساليب التعليمية المبتكرة التي طُبقت لتدريس مهارات التفكير النقدي ولا تزال تُطبَّق، ومن أمثلتها: المناقشة الموجَّهة، والتعلم القائم على المشروع، والاستقصاء.

ويدعو إلى ضرورة أن يتلقى المعلمون الراغبون في دمج محتوى التفكير النقدي في دوراتهم التدريبية، تدريباتٍ على مهارات محدَّدة في التفكير النقدي، وطرق تدريسها. ويرى أنه إذا تم دمج التفكير النقدي ضمن تخصُّص آخر، فينبغي أن يوفِّر هذا الدمج للطلاب الفرصة في التفاعل المستمرِّ مع أساليبِ التفكير النقدي، لا إقصاء موضوعات التفكير النقدي في حصة أو حصتين بمعزلٍ عن باقي جدول الدورة التدريبية، كما يطالب بضرورة توفير فرص مهمة للطلاب، ليطبقوا فيها ما تعلَّموه من خلال الممارسة المدروسة.

وبخلاف هذه المبادئ العامة – وفق المؤلف – يوجد العديد من الأساليب التعليمية المبتكرة التي طُبقت لتدريس مهارات التفكير النقدي ولا تزال تُطبَّق، ومن أمثلتها: المناقشة الموجَّهة، والتعلم القائم على المشروع، والاستقصاء.

وعلى الرغم من حداثة عهد دورات النقاش التدريبية المستوحاة من أسلوب تعلم الفنون القتالية، فإنها تستند أيضًا إلى طرقٍ تعليمية واسعة الانتشار، مثل التعلم القائم على الكفاءة، الذي يحدِّد التقدم بناءً على قدرة الطالب على إظهار إتقانه لأهداف التعلم الواضحة، بدلًا من تحديده بناءً على «عدد ساعات الحضور في الصف الدراسي» أو الدرجات النهائية، وفق المؤلف.

جوناثان هابر، كما يعرّفه موقع «مؤسسة هنداوي»، باحث تربوي، وكاتب، ورائد أعمال يعمل في مجالات تدريس التفكير النقدي، والتقييم، والتعلم القائم على التكنولوجيا. وله أعمال منشورة في مجلة «نيويورك تايمز»، ومجلة «بوسطن جلوب». ومن مؤلفاته الأخرى كتاب: «الناخب النقدي».

اقرأ أيضًا:

  ابحث عن أحدث المنح الدراسية من هنا. ولمزيد من القصص، والأخبار، اشترك في نشرتنا البريدية، كما يمكنك متابعتنا عبر فيسبوك، ولينكد إن، وتويتر، وانستجرام، ويوتيوب.

https://www.bue.edu.eg/
Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى