أخبار وتقارير

رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة: الفنون الليبرالية أفضل أنواع التعليم.. وتداخل التخصصات يسد فجوة المهارات

في عالمٍ سريع التغير يضجّ بتحدياتٍ بيئية واجتماعية واقتصادية حرجة، يرى أحمد دلال، رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة، أن البحث، ذي التخصصات المتداخلة، والفنون الليبرالية، ضروريان في استجابة التعليم العالي لأزماتنا الأكثر إلحاحًا.

تولى «دلال» مهامه ليكون الرئيس الثالث عشر للجامعة الأمريكية بالقاهرة في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، بعد أن شغل منصب عميد جامعة جورجتاون في قطر لمدة أربع سنوات.

بصفته باحثًا متميزًا في الفكر الإسلامي، شغل «دلال» مناصب أكاديمية وإدارية عدة، حيث كان عميدًا للجامعة الأمريكية في بيروت (AUB) من عام 2009 إلى 2015، وأستاذًا للتاريخ هناك لمدة عامين فيما بعد، كما قام بالتدريس في جامعة ستانفورد، وجامعة ييل، وكلية سميث، وجامعة جورجتاون في الولايات المتحدة، حيث شغل منصب رئيس قسم الدراسات العربية والإسلامية من 2003 إلى 2009.

في مقابلة مع «الفنار للإعلام»، يتحدث «دلال» عن حاجة الجامعات لإعادة النظر في البرامج الأكاديمية، وإعداد الخريجين بشكل أفضل لتلبية احتياجات سوق العمل، والتركيز على التعاون ذي التخصصات المتداخلة لحل المشكلات الراهنة.

نموذج الفنون الليبرالية

في خضم تراجع الاهتمام بالعلوم الإنسانية وكفاح الخريجين للعثور على وظائف، دعت العديد من وكالات التعليم، وصانعي السياسات إلى قطع تمويل هذه البرامج. ومع ذلك، يرى «دلال» أن هناك دليلًا عالميًا على أن الخريجين الأكثر نجاحًا وإبداعًا وكبار القادة في العالم هم نتاج كليات الفنون الليبرالية، مثل جامعة برينستون، وجامعة ستانفورد وغيرهما.

وعن ذلك يقول: «لنفكر في العمل البيئي؛ لا يتعلق الأمر بالجانب التقني فقط. إنه جزء مركزي للغاية؛ بغيابه لن تنتج أية حلول. ومع ذلك، فأنت بحاجة إلى اتخاذ خيارات تقنية بغياب ضرورات حتمية على المستوى الفني. وأنت تتخذ مثل هذه الخيارات بناءً على التحليل الاقتصادي والجدوى والتأثير الاجتماعي. هناك بُعد أخلاقي وفلسفي في هذا الحوار. عندما تتوافر لديك كل هذه العوامل [من خلال تعليم الفنون الليبرالية]، ستكون في وضع مختلف تمامًا من الناحية النوعية للمساهمة في حل المشكلات البيئية».

اقرأ أيضًا: إلى التطوير أم التهميش؟ دراسة العلوم النظرية في الجامعات العربية أمام مفترق طرق

وبعد دراسته الهندسة الميكانيكية، وخوضه مجال صناعة الطيران، حوّل «دلال» مساره المهني وحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الدراسات الإسلامية من جامعة كولومبيا. وهو بهذا يتحدث من وجهة نظر نادرة تمثل مزيجًا فريدًا لمجالي العلوم والإنسانيات. وعن تجربته، يقول: «العلوم الإنسانية ضرورية للغاية. لقد استمتعتُ بعملي كمهندس، وبعد أن أصبحت مؤرخًا، استمتعت بعملي أكثر. أنا من أشد المؤمنين بأن الفنون الليبرالية أفضل أنواع التعليم، ليس بسبب مساري الخاص، بل لوجود أدلة تجريبية تثبت ذلك».

«يتغير التعليم بسرعة كبيرة بعد أن اضطرتنا جائحة كوفيد-19 إلى تعلم استخدام التكنولوجيا. التعليم مجال محافظ للغاية، ولولا الوباء، لتطلب الأمر 20 عامًا أخرى لنتعلم مثل هذه التقنيات».

أحمد دلال، رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة.

لكن «دلال»، وبدلاً من التمسك بنموذج واحد، يدعو أيضًا إلى إعادة النظر فيما تعنيه الفنون الليبرالية اليوم. ويقول إن علينا إعادة النظر في كل شيء، مشيرًا إلى أننا بحاجة إلى أن نكون منفتحين، وأن نتكيف مع احتياجات مجتمعاتنا، وأن نغير التعليم العالي. ويوضح أن هناك على الدوام مجال لإعادة النظر في الشكل الذي يجب أن تبدو عليه مناهج الفنون الليبرالية، من دون التخلي عنها، لأنها تظل، من الناحية المنطقية والتجريبية، الطريقة الأكثر فاعلية في التفكير لإعادة تشكيل وظائف الطلاب فعليًا، وتمكينهم من إحداث التأثير في مجتمعاتهم، بحسب تعبيره.

تداخل التخصصات

بهدف معالجة مشكلات اليوم المعقدة والمترابطة بشكلٍ أفضل، يقول «دلال» إن هناك حاجة إلى بذل جهود مدروسة في التخصصات المتداخلة، لكنه يعترف، مع ذلك، بالصعوبات بسبب الطبيعة المحافظة للمجال الأكاديمي.

ويقول إن الحديث عن برامج جديدة ذات تخصصات متداخلة، ليس بالأمر السهل، حيث إن الأكاديميين محافظون، ومعتادون على العمل داخل أقسام ونماذج ثابتة للغاية. ويضيف: «نحن بحاجة إلى إخراج الأشخاص من مناطق الراحة الخاصة بهم، وتحفيزهم وتشجيعهم على التفكير خارج إطار هذه الأنظمة».

بجمع الناس من شتى المجالات معًا، يعتقد «دلال» بإمكانية تولد احتمالات لا يمكن لأحد أن يتخيلها، ولن تتوافر عندما يعملون في صوامع منعزلة، بحسب تعبيره. ويضيف أن إمكانية خلق التفكير المستقبلي تكون هائلة عندما يعمل الفنانون، وحتى المسرحيون، جنبًا إلى جنب مع المهندسين، والمهندسين المعماريين.

ويستطرد: «لدينا أمثلة حقيقية عندما نتعامل مع التصميم. ويعني هذا البدء بتحديد المشكلة وتقديم مجموعة متنوعة من مجالات الخبرة لحلها، بدلًا من البدء بتخصصٍ محدد».

اقرأ أيضًا: البحريني نادر كاظم لـ«الفنار»: حبس المعارف في صناديق التخصصات «سجن أكاديمي»

وقال إن هذا سوف يدرب الطلاب ليكونوا باحثين منذ البداية، مضيفًا: «بعد أربع سنوات، سيكون لديك بالفعل باحثين. الشباب هم الطاقات. إننا نترك لأطفالنا عالمًا يعجّ بالمشكلات. أقل ما يمكننا فعله هو تزويدهم بالأدوات التي تمكنهم من تحرير طاقاتهم الإبداعية وابتكار الحلول لنا».

مستشهدًا بالتطور الحضري الحديث في مصر، يعتقد «دلال» أن مصر هي المكان المناسب لتطوير الدراسات الحضرية بطريقة تتداخل فيها التخصصات. ويرى أن هذا يشمل استخدام الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات في الدراسات الحضرية، والتشغيل المستدام للمدن، والتفكير في المدن الذكية. كما يقول إننا بحاجة إلى مطورين حضريين لديهم معرفة بالاقتصاد وعلوم البيانات والذكاء الاصطناعي، ويعملون مع الفنانين حتى يتمكنوا من المساهمة في إدامة نجاح هذا النموذج.

جودة التعليم وصلته بالواقع 

مع تزايد أعداد الشباب في العالم العربي، يؤكد «دلال» ضرورة زيادة الاستثمار في التعليم العالي. ويقول إن  الافتقار إلى الجامعات، حتى وقت قريب، كان أكبر مشكلات التعليم في المنطقة. ويوضح أنه حتى الستينيات، لم يكن هناك سوى 50 جامعة في العالم العربي، وكانت الجامعة الأمريكية بالقاهرة واحدة منها،  

مشيدًا بوجود ما يقرب من 1,400 جامعة، أو أكثر، في المنطقة اليوم. ومع ذلك، يخشى «دلال» من أن يهتم هذا التوسع بالعدد دون إيلاء الاهتمام الكافي بالجودة. ويقول إن جودة التعليم وصلته بالواقع «مفقودة في الغالب».

«ليس في الإمكان حل مشكلة واقعية في إطار تخصص واحد. في كل يوم، ستواجه مشكلة جديدة، وأنت بحاجة إلى أن تكون مبدعًا وأن تجد حلاً، وأن تمتلك الأدوات اللازمة للتفكير الإبداعي وغير المألوف لمعالجة مشكلات الحياة الواقعية».

أحمد دلال، رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة.

وفي السياق نفسه يقول إن التعليم يتغير  بسرعة كبيرة بعد أن اضطرتنا جائحة كوفيد-19 إلى تعلم استخدام التكنولوجيا. ويوضح أن التعليم مجالٌ محافظ للغاية، و«لولا الوباء، لتطلب الأمر 20 عامًا أخرى لنتعلم مثل هذه التقنيات. لقد اضطررنا إلى ذلك، والآن لدينا هذه الموارد بين أيدينا».

وللبقاء على صلة بسوق العمل، يدعو «دلال» إلى التركيز على ما يجب تدريسه. وأوضح أن «بعض البرامج ستتقادم. ولسنا بحاجة إلى تغيير اسم القسم، بل ما نقوم بتدريسه هناك، لأنه يتغير بسرعة ونحن بحاجة إلى مواكبة الاتجاهات، ليس من حيث طرق التدريس فحسب، بل من ناحية المحتوى والملاءمة والجودة».

فجوات المهارات ومراكز التطوير المهني

في خضم مشهدٍ عمالي متغير، يرى «دلال» أن تداخل التخصصات وسيلة لسد الفجوات بين المهارات التي يبحث عنها أصحاب العمل، وتلك التي يمتلكها الباحثون عن عمل. وقال إن ما يميز الجامعة الأمريكية بالقاهرة، إلى جانب عددٍ قليل من الجامعات الإقليمية، هو تقديمها لبرامج متخصصة.

وأضاف أن معظم الجامعات تقدم العديد من البرامج التي تركز على تخصصٍ بعينه، لكنها غير متكاملة. وبتفصيل أكثر، يقول: «لذلك عندما تدرس الهندسة، يكون لديك مناهج هندسية ثقيلة ومناهج أخرى ذات صلة بالهندسة ولا شيء غير ذلك. ما يميز هذه المؤسسة المصممة على الطراز الأمريكي هو أنك، بالإضافة إلى الحصول على أساس متين في هذه الموضوعات المتصلة ببناء خبرتك، ستدرس مجموعة من الموضوعات الأخرى لإثراء معرفتك وقدراتك لتصبح ناقلًا للمعرفة، وقادرًا على فهم القضايا الأخلاقية، حتى لو كنت تتخصص في أحد مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات».

ويقرر رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة أنه ليس في الإمكان حل مشكلة واقعية في إطار تخصص واحد، ففي كل يوم، ستواجه مشكلة جديدة، وأنت بحاجة إلى أن تكون مبدعًا وأن تجد حلاً، وأن تمتلك الأدوات اللازمة للتفكير الإبداعي وغير المألوف لمعالجة مشاكل الحياة الواقعية.

ولتعزيز هذه الجهود، تقود الجامعة مشروعًا تموله الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، لإنشاء أكثر من 27 مركزًا للتطوير المهني في الجامعات الحكومية المصرية. ويوضح أن هذه البرامج «تحويلية للغاية. إنها تغيّر حياة هؤلاء الخريجين. يتمثل أحد أهدافها في زيادة تجهيز الطلاب ليكون لديهم أساس قوي جدًا في تخصص معين، وكيفية الخروج إلى السوق وتقديم أنفسهم والعمل بنجاح، وكيفية التحدث عن وظائفهم».

اقرأ أيضًا: د. مها فخري تتحدث لـ«الفنار للإعلام» عن «مراكز التطوير المهني»: ندعم الطلاب بمهارات سوق العمل

وأضاف أن حاضنة الأعمال «فينتشر لاب» في الجامعة (AUC Venture Lab)، تعد مسرع الأعمال الجامعي الرائد في المنطقة منذ عام 2013. ويقول: «لقد قمنا بتسريع 300 شركة ناشئة، إن لم يكن أكثر، وليس في الجامعة الأمريكية بالقاهرة فحسب؛ فلدينا برامج ومقترحات من طلاب من جامعات أخرى».

وأشار إلى نجاح شركة Swvl، وهي شركة مصرية ناشئة تخرجت من حاضنة الأعمال AUC Venture Lab، وهي مدرجة الآن في بورصة ناسداك في نيويورك. وقال: «أولئك الذين أطلقوا Swvl لم يتخصصوا في مجالات ذات صلة بعملهم، لكنهم خرجوا بأفكار جديدة وقادوا نماذج ناجحة».

السياسات الخضراء

مع استعداد مصر لاستضافة مؤتمر COP27 الدولي لتغير المناخ، والذي يبدأ في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري في شرم الشيخ، تحدث «دلال» بإسهاب عن جهود الجامعة الأمريكية بالقاهرة على مدى عقد من الزمن لمكافحة تغير المناخ، والذي وصفه بأنه التحدي «الأكبر والأكثر عالمية»، والذي يربط العالم من أقصاه إلى أقصاه.

ويوضح أن عمل الجامعة في معالجة القضايا المتعلقة بتغير المناخ يغطي مجالات متعددة من البحث والتعليم والمشاركة والتدخلات. ويرى أن قمة المناخ «فرصة لتحفيز عملنا وتركيزه».

ويشير إلى أن الجامعة أطلقت، هذا العام، مبادرة تغير المناخ، التي جمعت المجموعات الفاعلة في الجامعة، في منصة للتكامل والتعاون معًا، لتوفير مورد مفيد لمؤتمر COP27 القادم. وقال «دلال» إن المبادرة تركز على الاستدامة الاقتصادية، وهو سؤال كبير بالنسبة لدول جنوب الكرة الأرضية.

وقال إن الجميع يتطلع إلى مصر لدورها الكبير في التعبير عن هذا الجانب من تغير المناخ، وكيفية جعله ممكنًا، وكيفية مواجهة تحديات المناخ دون تقويض جهود التنمية. مضيفًا: «وهذا مصدر قلق بشكل خاص في البلدان التي لم تساهم بشكل كبير في أزمات المناخ التي تعاني منها اليوم».

كما تحدث «دلال» عن مساهمات الجامعة الأمريكية بالقاهرة في الأبحاث المرتبطة بقضايا مثل بناء وتصميم المباني الخضراء، وتوظيف الطاقة الشمسية في تحلية المياه للأغراض الزراعية، والتوسع في تربية الجمبري والأسماك لمعالجة قضايا الأمن الغذائي، وتطوير مصادر الطاقة البديلة والهيدروجين الأخضر.

اقرأ أيضًا: جواد الخراز لـ«الفنار للإعلام»: شح المياه قد يعوق خطط إنتاج الهيدروجين الأخضر في شمال إفريقيا

وقال «دلال» إن الدول المتقدمة ساهمت أكثر من غيرها في تلويث البيئة، مضيفًا أن ليس باستطاعة البلدان النامية في جنوب الكرة الأرضية تحمل تكلفة الحلول المخصصة الضرورية للتكيف.وتابع: «تحلية مياه البحر مكلفة للغاية، لذلك يعمل باحثونا على تطوير تقنيات ميسورة التكلفة حتى يتمكنوا من إنتاج الأغشية اللازمة محليًا. فيما تعمل مجموعة أخرى على زراعة أشجار المانغروف لمعالجة آثار تغير المناخ والأضرار التي تلحق بالسواحل. وقد أنتج عملنا بعض النماذج الأولية وتم تسويقها للتنفيذ على نطاق تجاري».

تعليم يركز على الغرض

في الختام، يشدّد «دلال» على ضرورة إعادة النظر في البرامج الجامعية، وبناء برامج جديدة وتطوير القدرات القائمة، وتكوين كوكبة من الخبرات. ويقول: «في أوقات الراحة تنسى الغرض. يتمثل هدفنا في تشكيل الحياة المهنية للطلاب لتمكينهم من إحداث فرق في مجتمعاتنا، وتخريج أفضل ما يمكننا من الطلاب، بالإضافة إلى إنتاج المعرفة ذات الصلة، وخلق بيئة تحفيزية تجعل ذلك ممكنًا».

اقرأ أيضًا:

الطريق إلى قمة المناخ COP27.. مصر تقود مطالب الأفارقة بالتصدي للاحتباس الحراري

مبادرة مصرية لتدريب طلاب الجامعات على تطبيقات الطاقة المتجددة في سوق العمل

بعد قصص ناجحة.. دعوات للتوسع في برامج ريادة الأعمال بالجامعات المصرية

سباق مع العطش: مصر في بحث دؤوب عن مصادر أخرى للمياه

ابحث عن أحدث المنح الدراسية من هنا. ولمزيد من القصص، والأخبار، اشترك في نشرتنا البريدية، كما يمكنك متابعتنا عبر فيسبوك، ولينكد إن، وتويتر، وانستجرام، ويوتيوب.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى