أخبار وتقارير

الروائي المصري بهاء طاهر.. رحيل هادئ لكاتب لم يحب زخرفة الحقيقة

في هدوء يليق بصاحب «واحة الغروب»، ودّع الروائي المصري بهاء طاهر عالمنا، عن سبعة وثمانين عامًا، ليل الخميس، بعد مسيرة إبداعية حافلة ما بين الكتابة، والترجمة، والعمل الإذاعي.

وبمشاركة وزيرة الثقافة المصرية، نيفين الكيلاني، شيّع أدباء وفنانون، أمس (الجمعة)، جنازة الأديب الراحل، إلى مثواه الأخير بمقابر الأسرة في منطقة السادس من أكتوبر.

الكاتب الذي يعد أحد أهم الروائيين العرب، ولد بمحافظة الجيزة، في الثالث عشر من كانون الثاني/يناير 1935، وحاز ليسانس الآداب في التاريخ في العام 1956 من جامعة القاهرة. وتنوعت تجارب بهاء طاهر بين الترجمة، والعمل الإذاعي، حيث عمل مخرجًا للدراما، ومذيعًا بإذاعة البرنامج الثقافي، حيث كان من مؤسسيها في العام 1957، وحتى العام 1975.

أصدر الكاتب الراحل مجموعته القصصية الأولى تحت عنوان: «الخطوبة»، في العام 1972، ثم أصدر مجموعات أخرى، مثل: «بالأمس حلمت بك»، و«أنا الملك جئت»، و«ذهبت إلى شلال»، و«لم أكن أعرف أن الطواويس تطير»، وروايات: «شرق النخيل»، و«قالت ضحى»، و«الحب في المنفى»، و«خالتي صفية والدير»، و«واحة الغروب»، و«نقطة النور».

«لست ممن يعتقدون أن الجوائز تُعطي قيمةً كبيرة لفائز، إلا إذا كانت أعماله تعطيه هذه القيمة».

الأديب المصري الراحل بهاء طاهر.

ويحصي موقع الجائزة العالمية للرواية العربية، إصدار بهاء طاهر سبعة عشر كتابًا (ست روايات، وخمس مجموعات قصصية، وستة كتب نقدية وفكرية) بالإضافة إلى ترجمات عديدة من الإنجليزية والفرنسية. وقد فاز بالجائزة، المعروفة باسم «البوكر العربية»، في دورتها الأولى، في العام 2008، عن روايته المعنونة: «واحة الغروب»، والتي تدور أحداثها حول إرسال ضابط شرطة إلى واحة سيوه، في مهمة خطرة، عقابًا له على مشاركته في ثورة أحمد عرابي التي مُنيت بالفشل.

بهاء طاهر وجائزة «مبارك»

في الثالث من شباط/فبراير 2011، قبيل تنحي الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك عن الحكم، أعلن بهاء طاهر إعادة جائزة مبارك للآداب التي سبق ونالها في العام 2009 (أصبح اسمها لاحقًا: جائزة النيل). وقال وقتها: «أعتقد أن لكل إنسان القدرة على التعبير والتضامن مع شباب مصر الشرفاء ممّن استشهدوا وجرحوا، حتى ولو كان بشيء رمزي وبسيط جدًا، مثلما فعلت، نظرا لدماء هؤلاء الشباب الشرفاء».

وفي عبارة تعكس رؤيته للجوائز الأدبية، قال عندما تسلم جائزة ملتقى القاهرة الدولي للرواية العربية، في آذار/مارس 2015، أمام حشد من الروائيين العرب والأجانب بدار الأوبرا المصرية: «لست ممن يعتقدون أن الجوائز تُعطي قيمةً كبيرة لفائز، إلا إذا كانت أعماله تعطيه هذه القيمة». كما فاز بهاء طاهر، في العام 1998، بجائزة الدولة التقديرية في الآداب.

المنع من الكتابة

وفق تقرير، نشره قبل أعوام، موقع «سويس انفو»، فقد مُنِعَ بهاء طاهر من الكتابة، في العام 1975، في عهد الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، مما اضطره إلى السفر إلى إفريقيا وآسيا للعمل مترجمًا. واستقر به المقام في سويسرا، مترجمًا بالمقر الأوروبي للأمم المتحدة، منذ العام 1981 وحتى بلوغه سن التقاعد في العام 1995، حيث قرر، وقتها، العودة إلى مصر.

الزواج من سويسرية

وخلال إقامته في أوروبا، تزوج بهاء طاهر، من سيدة سويسرية، وعن تلك التجربة يقول – بحسب التقرير نفسه – إن زواجه كان ناجحًا جدًا «بكل المقاييس والحمد لله». ويضيف: «ربما يرجع هذا إلى أنني عرفتها جيدًا قبل الزواج، وبالطبع ازدادت معرفتي بها بعد الزواج، فتفاهمنا جيدًا». كما يرى أنه «ليست هناك قاعدة عامة يمكن القياس عليها، سلبًا أو إيجابًا، فيما يخص زواج الشباب العربي، أو المصري المهاجر من أجنبيات، فكل حالة لها ظروفها الخاصة».

الموت والحلم في أعمال بهاء طاهر

في دراسة للناقد الكبير الراحل، الدكتور شاكر عبد الحميد، بعنوان: «الموت والحلم في عالم بهاء طاهر»، يقول «عبد الحميد» إن أعمال بهاء طاهر القصصية (الخطوبة – بالأمس حلمت بك – أنا الملك جئت)، والروائية (شرق النخيل – قالت ضحى – خالتي صفية والدير)، تمتلئ بالحديث عن الموت، هناك دائمًا أحداث موت، أو قتل، أو انتحار، أو تذكر لموتى، أو قتلى، أو منتحرين.

ويضيف، في الدراسة المنشورة بمجلة «فصول» النقدية (عدد نيسان/أبريل 1993)، أن الموت في أعمال بهاء طاهر موجود بشكله العياني الفعلي الجسدي المحدد، وموجود أيضًا بشكله الرمزي الاستعاري الإيمائي. موت الإنسان في هذه الأعمال ليس موتًا بجسده فقط، لا يموت المخ، أو القلب، أو يتوقف اندفاع الدم في الجسد فقط، لكن هناك أيضًا موت المعاني والرموز، والمُثُل. غياب العدل وحضور الظلم نوع من الموت لقيمة العدالة الكبيرة. وغياب الحرية وحضور القمع نوع من الموت لقيمة الحرية الكبيرة. وغياب الجمال والنظام والصدق، وحضور القبح والفوضى والكذب نوع من الموت لقيم الجمال والنظام والحقيقة كبيرة الأهمية.

الموت في أعمال بهاء طاهر موجود بشكله العياني الفعلي الجسدي المحدد، وموجود أيضًا بشكله الرمزي الاستعاري الإيمائي. موت الإنسان في هذه الأعمال ليس موتًا بجسده فقط، لا يموت المخ، أو القلب، أو يتوقف اندفاع الدم في الجسد فقط، لكن هناك أيضًا موت المعاني والرموز.

الناقد المصري الراحل د. شاكر عبد الحميد في دراسة عن أدب بهاء طاهر.

ويمضي الناقد الكبير الراحل شارحًا: «يحضر طائر الموت ويهوم ويحوم دائمًا في فضاء عالم بهاء طاهر القصصي والروائي، ويحضر في مواجهته طائر آخر، يسبقه في البدء بالطيران، ويحاول أن يتجاوزه أو يقاومه، أو يتغلب عليه، لكنه دائمًا ينهزم أمامه، إنه طائر الحلم». يحضر هذا الطائر في ليل الشخصيات، وفي نهارها؛ يحضر على هيئة أحلام نوم ليليلة، أو على هيئة أحلام يقظة نهارية، أحيانًا يتحول إلى كابوس، وأحيانًا يتحول إلى ذكرى قديمة، لكن طائر الموت دائمًا ما يخرج له من حيث لا يتوقع، وينشب فيه مخالبه، ويقتله.

بين هذين الطائرين، أو هذين المحورين الأساسيين في أعمال بهاء طاهر، هناك طائر ثالث، أو محور ثالث، يحضر ويفرض وجوده، بل قد يكون هو الواسطة أو الأداة التي يقوم من خلالها الموت باصطياد واقتناص طائر الحلم وذبحه. هذا المحور هو السلطة.

والسلطة في هذا السياق – بحسب الدراسة نفسها – مفهومة بمعناها الواسع الشامل، وليس معناها الضيق فقط. السلطة هنا قد تكون سلطة الأب الذي يهمل في تربية أبنائه، أو يتخلى عن مهمته للآخرين، أو الأب الذي يبالغ في التربية من خلال القسوة ومحو هوية الأبناء، وتحويلهم إلى كائنات فاقدة للإرادة والحرية والمعنى. وقد تكون هذه السلطة هي التراث الذي يصبح بمثابة الأب الذي نلجأ إليه كي يحمينا أو يشرح لنا كل ما لا نفهمه في واقعنا الحاضر الذي يموج بالمتغيرات والصراعات والمعلومات والصور. وقد تكون هذه السلطة هي السلطة السياسية، وقد تكون هي سلطة الآخر أيًا كان، أو سلطة المؤسسات التربوية والإعلامية.. إلخ. بل الأحرى أن نفهمها على أنها كل ما سبق، لأن كل ما سبق مترابط، بشكل مباشر أو غير مباشر، شئنا ذلك أم أبينا، على حد قول الدراسة.

بهاء طاهر وأهم درس في الكتابة الروائية

في كتابه المعنون: «في مديح الرواية»، (طبعة دار الشروق، 2018)، يقول بهاء طاهر: «ليست هناك – في ظنّي – قواعد للرواية سوى أنّها ما يكتبه روائيون موهوبون سواء جاء إبداعهم احتذاءً لمثال سابق، أو ابتكارًا جديدًا على غير مثال، والقارئ المدرب قادر على اكتشاف الرواية الحقيقية من الزائفة».

«ليست هناك – في ظنّي – قواعد للرواية سوى أنّها ما يكتبه روائيون موهوبون سواء جاء إبداعهم احتذاءً لمثال سابق، أو ابتكارًا جديدًا على غير مثال، والقارئ المدرب قادر على اكتشاف الرواية الحقيقية من الزائفة».

  الأديب المصري الراحل بهاء طاهر في كتابه: «في مديح الرواية».

ومع ذلك، تحتاج كل رواية إلى اجتياز اختبارين مهمين؛ الاختبار الأول هو: حكم الجمهور، غير أن هذا الحكم قد يصيب وقد يخطئ؛ بمعنى أن بعض الروايات قد تلقى بعد صدورها رواجًا جماهيريًا، ونجاحًا كبيرًا لأسباب لا علاقة لها بالفن، في حين أن روايات أخرى عظيمة قد تفشل لدى جمهور قرائها المعاصرين، وقد يعجز عن تذوقها. ويضيف «طاهر»، في كتابه: «أكرر أن ذلك يحدث في بعض الحالات فقط، وفي كثير من الأحيان يكون حكم الجمهور صائبًا».

أما الاختبار الثاني أو الحكم النهائي الذي لا نقض فيه ولا إبرام – بلغة أهل القانون – فهو اختبار الزمن. فمع مرور السنين، تسقط من ذاكرة الجمهور والأدب، الروايات التي لا تستحق الاعتبار، في حين تصبح الروايات الحقيقية جزءًا من الذخيرة الباقية للفن الروائي، وتكتسب حياة متجددة مع الأجيال المتتابعة من القراء.

وبعد هذا الإيجاز، يقول صاحب «قالت ضحى»: «وأنا أعتبر هذا الدرس البسيط هو أهم ما تعلمته من تجربتي كقارئ للرواية وكاتب لها، لا تخدعني مهرجانات المديح لروايات بعينها، ولا حملات الهجوم على غيرها».

اقتباسات روائية

وتحتشد أعمال بهاء طاهر بعبارات يتم تداولها للتعبير عن أفكار متنوعة، ومن هذه العبارات، ما ورد في روايته «واحة الغروب: «الحقيقة بسيطة لا تحتاج إلى زخرفة الكلمات»، ومن الرواية نفسها أيضًا: «لا أفهم معنى للموت، لكن ما دام محتمًا فلنفعل شيئًا يبرر حياتنا، فلنترك بصمة على هذه الأرض قبل أن نغادرها».

اقرأ أيضًا:

ابحث عن أحدث المنح الدراسية من هنا. ولمزيد من القصص، والأخبار، اشترك في نشرتنا البريدية، كما يمكنك متابعتنا عبر فيسبوك، ولينكد إن، وتويتر، وانستجرام، ويوتيوب.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى