أخبار وتقارير

إلى التطوير أم التهميش؟ دراسة العلوم النظرية في الجامعات العربية أمام مفترق طرق

أمام توجه متزايد نحو  إطلاق مبادرات، وخطط لربط المناهج في الجامعات العربية بسوق العمل، والتركيز على الدراسة التطبيقية، تبدو الكليات النظرية، وبرامجها الدراسية في مفترق طرق.

وتتفاوت أوضاع أقسام العلوم الاجتماعية والإنسانية بتلك الجامعات، حيث قررت السعودية، على سبيل المثال، خفض أعداد المقبولين في الكليات النظرية، وتحويل 40 كلية نظرية إلى كليات تطبيقية «صحية، وتقنية، وهندسية»، جنبًا إلى جنب مع خطط مصرية لإثراء قطاع التعليم العالي بجامعات جديدة، تقدم تخصصات تواكب سوق العلم، بديلًا عن الكليات النظرية.

مسألة عالمية

في مقابلة عبر البريد الإلكتروني مع «الفنار للإعلام»، تقول مشيرة الجزيري، المديرة المشاركة للمجلس العربي للعلوم الاجتماعية في بيروت، إن أفول تدريس العلوم الاجتماعية والإنسانيات مسألة عالمية، ولاتنطبق فقط على المنطقة العربية.

شهد المجتمع الجامعي، في العقود القليلة الماضية، رواج فكرة مفادها أن العلوم الاجتماعية ضعيفة الصلة بالتنمية، والنمو المعرفي، والاقتصادي الذي تحتاجه المجتمعات، وبالتالي غير مطلوبة في سوق العمل.

مشيرة الجزيري، المديرة المشاركة للمجلس العربي للعلوم الاجتماعية في بيروت

وتضيف أن المجتمع الجامعي، شهد، في العقود القليلة الماضية، رواج فكرة مفادها أن العلوم الاجتماعية ضعيفة الصلة بالتنمية، والنمو المعرفي، والاقتصادي الذي تحتاجه المجتمعات، وبالتالي غير مطلوبة في سوق العمل، وأن التخصصات العلمية، ولاسيما تكنولوجيا المعلومات، وإدارة، وريادة الأعمال، هي الرائجة والمطلوبة في العصر الحالي.

تخصصات مهمشة

وتعلق بالقول إن هذا التصور أسفر عن نتائج معاكسة لتطلعات دراسي وباحثي العلوم الاجتماعية، حيث بات إيجاد الدعم المالي لتلك التخصصات أكثر صعوبة عن ذي قبل بسبب رواج الأفكار المشار إليها، وبالتالي اضطرت جامعات عدة حول العالم، إلى إغلاق أقسام العلوم الاجتماعية لديها. وتوضح أن الوضع يختلف في العالم العربي، نتيجة النظرة الرسمية لتخصصات العلوم الاجتماعية، باعتبارها «تخصصات مهمشة»، يلتحق بها الطلاب عادة من أصحاب الدرجات المنخفضة، مثلما هو الحال في مصر، على حد قولها.

ويكمن الحل – والكلام ما يزال لمشيرة الجزيري – في تطوير دراسات العلوم الاجتماعية والإنسانية في العالم العربي، عبر النهوض بتدريسها وتطوير محتواها، وحتى تظهر قدراتها الكامنة في إحداث التحول والتغيير الاجتماعي، ومساعدة الدارسين على التفكير بشكل خلاّق، ومبتكر، ونقدي في المسائل التي تدور حولهم، وتساعدهم على تعمق فهمهم للثقافات، أو المجتمعات الأخرى، وكذلك تطوير مهارات التفكير التحليلي.

وترى الباحثة في العلوم الاجتماعية أن غياب التركيز على القدرات الكامنة لهذه العلوم، يفرغ المجتمعات  من القدرة على التفكير النقدي، والخلّاق، والقدرة على إنتاج المعارف التي نحتاجها لفهم، وتحليل المشكلات، واقتراح حلول لها، مشددة على أهمية نشر الوعي بأهمية العلوم الاجتماعية، ودورها في تطور المجتمعات، وتوضيح هذا الدور لطلاب التعليم الأساسي، وتعريفهم بفرص العمل المتنوعة التي تتيحها دراسة العلوم الاجتماعية، وتسليط الضوء على الشخصيات العامة، والقدوة الناجحة التي درست العلوم الاجتماعية، وساهمت في تطور المجتمع بأشكال مختلفة.

جائحة كورونا، والانكماش الاقتصادي الناتج عنها في غالبية دول العالم العربي، ضاعف من الأوضاع السيئة لدارسي العلوم الاجتماعية والإنسانية.

هانيا الشلقامي، أستاذة الأنثروبولوجيا بالجامعة الأمريكية بالقاهرة

كما تطالب «الجزيري» الجامعات العربية، بتطوير محتوى وطريقة تدريس العلوم الاجتماعية والإنسانيات، بحيث تشتبك مع التطورات العالمية في إنتاج المعرفة، ولتصبح أكثر تعبيرًا عن قضايا المجتمع وأولوياته. وفي هذا الإطار، تشير إلى أن الاتجاه العام في كثير من الجامعات يركز على تداخل الحقول المعرفية في تدريس العلوم الاجتماعية النقدية المعنية بمساءلة السلطة والقوة، وتركز على ممارسات المقاومة، واليومي والمُعاش، وأدوار المجموعات المهمشة، وخاصة في إنتاج معرف بديلة.

«حجج واهية»

من جانبها، قالت ريم الرديني، أستاذة التاريخ الإسلامي بكلية الآداب في جامعة الكويت، إن الجامعات العربية تحتاج إلى ثورة في فهمها لدور العلوم الإنسانية والاجتماعية، بحيث تدرك أن دور هذه التخصصات الرئيسي هو تفسير تفاعلات أفراد المجتمع، وتقديم حلول، من منظورها، لحل هذه القضايا، خلافًا لما هو سائد عنها من بحوث بينية، تتناول قضايا تقليدية بالية.

وأضافت، وهي مؤسسة أول وحدة بحثية حول دراسات المرأة والجندر بجامعات الخليج، في اتصال هاتفي مع «الفنار للإعلام» أن المطلوب هو اتباع المناهج الجديدة، وتبنى النظريات الحديثة في مجال العلوم الإنسانية، وليس إلغاء الأقسام، أو خفض أعداد المقبولين فيها تحت حجج «واهية»، موضحة أن هذا الإلغاء يخالف، أيضًا، المنطق الحقوقي في أحقية كل طالب في اختيار التخصص الملائم لرغباته.

الجامعات العربية تحتاج إلى ثورة في فهمها لدور العلوم الإنسانية والاجتماعية، بحيث تدرك أن دور هذه التخصصات الرئيسي هو تفسير تفاعلات أفراد المجتمع، وتقديم حلول، من منظورها، لحل هذه القضايا.

ريم الرديني، أستاذة التاريخ الإسلامي بكلية الآداب في جامعة الكويت

ورأت «الرديني» أن مشكلة الجامعات العربية تتمثل في اعتماد طرق تدريس «كلاسيكية»، لشرح مناهج  لا تتفاعل مع المجتمع وقضاياه الحقيقية، وذلك لأسباب دينية وثقافية، مشيرة إلى أن الجامعات تكون عادة «خائفة» من حدوث أي تغيير تجنبًا، لوصمها بأنها تنصاع لتدخلات الغرب، بهدف تغيير القيم والمفاهيم في المنطقة العربية.

وفي مثال عملي لما تقول، أشارت أستاذة التاريخ بجامعة الكويت، إلى مواجهة الوحدة البحثية التي أسستها، في العام 2019، حملات هجوم، من شخصيات عامة ونواب، بهدف التشكيك في أغراض تأسيس الوحدة، «مما تسبب في عزوف الطالبات والأساتذة عن الالتحاق بها»، على حد قولها. كما أشارت إلى أن جوهر عملية التطوير هو  طرح رؤي جديدة في التدريس، وطريقة تنفيذ المناهج، واقتراح موضوعات تتقاطع مع قضايا المجتمع الحالية، بالإضافة إلى دعم السلطات لدور هذه العلوم وباحثيها، عبر توظيف خبراتهم، وعلومهم في تصميم وصناعة السياسات.

عوامل أخرى للأزمة

بدورها، تعتقد هانيا الشلقامي، أستاذة الأنثروبولوجيا بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، أن جائحة كورونا، والانكماش الاقتصادي الناتج عنها في غالبية دول العالم العربي، ضاعف من الأوضاع السيئة لدارسي العلوم الاجتماعية والإنسانية، وهو ما يجعلها «متشائمة» – كما تقول – بشأن فرص وجود برامج دراسية متطورة لهذه العلوم بالجامعات العربية.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وتضيف، في اتصال هاتفي مع «الفنار للإعلام»، أن العلوم الاجتماعية والإنسانية، تعاني، بشكل خاص، من الاقتطاع في ميزانية التعليم العالي، وخاصة في ظل اعتقاد البعض بأنها مناهج لا تحقق أرباحًا سريعة، مقارنة بالكليات التطبيقية. وتشير، في السياق نفسه، إلى وجود عوامل أخرى تخص هذه الأزمة، ومنها: إهمال مناهج العلوم الاجتماعية في صنع السياسات، ووجود فجوة بين أبحاث ودراسات علماء الاجتماع، وواقع مجتمعاتهم.

وردًا على سؤال حول رؤيتها لمستقبل أقسام العلوم الاجتماعية بالجامعات العربية، وفرص تطويرها، تبدي الأكاديمية المصرية رؤية غير متفائلة، وخصوصًا مع استمرار الاقتطاع من الدعم الرسمي لموارد هذه الأقسام، لصالح كليات الهندسة والعلوم، على حد تعبيرها.

اقرأ أيضًا:

ابحث عن أحدث المنح الدراسية عبر موقعنا من هنا، وشاركنا النقاش عبر مجموعتنا على «فيسبوك» من هنا، وللمزيد من المنح، والقصص، والأخبار، سارع بالاشتراك في نشرتنا البريدية.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى