أخبار وتقارير

عن تمكين المرأة والاستثمار في التغيير المستدام.. مقابلة خاصة مع صبا المبسلط المديرة الإقليمية لمؤسسة «فورد»

في معالجتها لقضايا مثل تمكين المرأة، ودعم اللاجئين، والاستثمار في البشر عبر مشروعات الفنون والثقافة والإعلام، تنظر صبا المبسلط، مديرة مكتب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة «فورد»، من زاوية أوسع، تؤمن بالتغيير التطوّري، والاستثمار في الناس، لتحقيق التغيير المستدام.

ولا تنفصل تلك المساعي عن القطاع التعليمي بطبيعة الحال، والعمل مع الأكاديميين، بما يساعد المؤسسة على ضمان أن تتماشى البرامج التي تصممها أو تنفذها، مع المطلوب في المنطقة، كما تقول في مقابلة مع «الفنار للإعلام».

وتوضح «المبسلط»، التي بدأت عملها كمديرة إقليمية لمؤسسة فورد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في نيسان/ أبريل 2022، أن الاهتمامات الرئيسية للمؤسسة تشمل: التركيز على الموارد الطبيعية والتغير المناخي، حيث يتم تحديد المستفيدين المناسبين، وتوفر لهم المنح، وتسمح لهم بوضع حلولٍ سياقية تناسب واقعهم. وتقول إن انتقال الطاقة، والعدالة، والظلم المرتبط بذلك، وأيضًا إعادة التفكير في جدوى الموارد، أمور تتعامل معها مؤسسة «فورد».

وبتفصيل أكثر، تضيف أن المؤسسة تسعى إلى معالجة القضايا من جوانب متعددة. وعن طبيعة هذه المعالجة، تقول: «أقصد طريقة التركيز على جانبٍ واحد. على سبيل المثال، إدارة الموارد، أو تحول الطاقة، أو تغير المناخ، مع إدراك أنه جزء لا يتجزأ من المحاولة الشاملة لتكون شاملًا، وتحقق تعزيز الحماية الاجتماعية، والتأكد من أن المجتمع المدني جزء من التغيير العام الذي ندعو إليه».

وترى صبا المبسلط أنه من المهم معالجة المشكلات التي يمكننا التنبؤ بها ورؤيتها الآن، بدلاً من التعامل معها بأثر رجعي في المستقبل. وفيما تتوقع أن يشهد العالم، الكثير من النزاعات الناجمة عن الطبيعة، تشير إلى أننا لا نوليها الاهتمام الكافي. وعن ذلك، تقول: «نحن نتعامل مع أزمة محتواة جغرافيًا في الوقت الراهن، مثل تغير المناخ، ونقص المياه، والافتقار إلى سبل العيش،  والتي ستؤدي إلى حدوث تنقل هائل للأشخاص من قارة إلى أخرى». ومن أجل هذا، تعتقد أننا «بحاجة إلى الاستعداد لمستقبل يصبح فيه التنقل ضرورة بسبب نقص الموارد الطبيعية، وفهم سبل إعادة استخدام الناس عند وصولهم، بدلًا من رفضهم ومشاهدتهم يغرقون في البحر المتوسط».

تمكين المرأة

تتمثل مهام «مؤسسة فورد»، التي تأسست في عام 1936، في الحد من الفقر والظلم، وتعزيز القيم الديمقراطية، ودعم التعاون الدولي، وتعزيز الإنجازات البشرية.

«نحن بحاجة إلى الاستعداد لمستقبل يصبح فيه التنقل ضرورة بسبب نقص الموارد الطبيعية، وفهم سبل إعادة استخدام الناس عند وصولهم، بدلًا من رفضهم ومشاهدتهم يغرقون في البحر المتوسط».

صبا المبسلط، المديرة الإقليمية لمؤسسة فورد بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

في مقابلتنا معها، تقول «المبسلط» إنها غالبًا ما تعاني من التشتت، ما بين التركيز على تمكين المرأة بشكلٍ خاص، أو التركيز الأوسع على النوع الاجتماعي. وتوضح: «هذان الأمران ليسا متماثلين تمامًا، لكنما يفسران خطأ، في بعض الأحيان، على أنهما ذات الشيء».

من منظور الشمولية – والكلام ما يزال لصبا المبسلط – لا يمكنك استبعاد أكثر من نصف المجتمع. وإذا كنت حريصًا حقًا على النهوض بجدول أعمالك الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، فلا يمكنك فعل ذلك مع وضع نصف السكان جانبًا. ولذلك، تشدد على أن «النساء بالطبع، ومن وجهة نظر شاملة، جزء لا يتجزأ من التغيير الذي نحاول الدفاع عنه». وتقول إنه من المهم أيضًا فهم الحساسيات الثقافية والعقبات الأخرى التي قد تعوق قدرة المرأة على المشاركة الكاملة في كل جانب من جوانب الحياة.

«لذلك يصبح النهج المحلي والسياقي للتغلب على العقبات التي تمنع المرأة من المشاركة أمرًا لا بد منه»، تضيف موضحة أن المؤسسة تعمل دائمًا جنبًا إلى جنب مع المستفيدين «للتأكد من فهمهم للأعراف والثقافة والجوانب الدينية التي قد تعترض طريقهم». كما تعمل المؤسسة أيضًا مع المستفيدين من المنح لحل هذه العقبات الواحدة تلو الأخرى، بطريقة تحترم المرأة، وتفهم خصوصيات كل مجتمع، والأهم من ذلك بطريقة مستدامة وتطورية، وفق تعبيرها.

وفيما ترى أن تحقيق التغيير التطوّري يستغرق وقتًا، تقول: «عليك أن تبني فهمًا عميقًا، وأن تكون على علم، وتتواصل مع أصحاب المصلحة وتؤثر على الأفراد، وتشارك مع جميع النساء المشاركات، لخلق تغيير ثقافي مستدام ومناسب، لضمان الإدماج المستدام للمرأة في جميع جوانب الحياة».

وتعتقد «المبسلط» أنه ليس في الإمكان تمكين النساء وخلق بيئة مواتية لمشاركتهن، من دون تمكين الرجال على قدم المساواة. وبعبارة تبدو معبرة عن تلك الرؤية، تقول: «أشعر أن وراء كل امرأة مظلومة رجل مظلوم. كيف تبني أو تعيد بناء قدرات وإمكانيات كل منهما، بدون أن يفهموا أن الأمر ليس منافسة، ولا يكمن في إلغاء أحدهما الآخر؟»

اللاجئون والمجتمعات المضيفة

مع أكثر من 25 عامًا من الخبرة في الاستجابة الإنسانية، والتنمية، وإدارة البرامج والقيادة العليا، تعتقد «المبسلط» أن من واجب المؤسسة، عند تمويل المنظمات لدعم الجهود المبذولة لمساعدة اللاجئين، التأكد من أن البرامج لا تفصل اللاجئين عن النسيج الاجتماعي لمكان وجودهم.

«أشعر أن وراء كل امرأة مظلومة رجل مظلوم. كيف تبني أو تعيد بناء قدرات وإمكانيات كل منهما، بدون أن يفهموا أن الأمر ليس منافسة، ولا يكمن في إلغاء أحدهما الآخر؟».

صبا المبسلط، المديرة الإقليمية لمؤسسة فورد بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وعن هذه النقطة، توضح رؤيتها بالقول إنه إذا تم استثناء المجتمع المضيف من الخدمات، وقُدّمت المنح للشركاء الذين يركزون على اللاجئين، فإن ذلك يخلق توترًا بين المجتمعات المضيفة واللاجئين. ولذلك، فإن المؤسسة عندما تتلقى عرضًا فإنها تقيس مدى شمولية الاقتراح الذي تتلقاه، و«ما إذا قادرًا على تحدي النظام وتغييره كما نأمل؟ ويكون، مع ذلك، قادرًا على إدراك أن اللاجئين ليسوا عبئًا بل مصدر قوة، فكيف نقوم بإدماجهم لإثراء المكان الذي يستضيفهم؟».

تعتقد «المبسلط» أن اللاجئين يساهمون في جلب مجموعات جديدة من المهارات والعقليات الجديدة إلى أماكن انتقالهم. وتشرح ذلك بالقول إن الأمر يتعلق بهذا التحول النموذجي، أي التحول من الرغبة في احتواء اللاجئين في مكان منعزل إلى التأكد من إشراكهم في أن يصبحوا جزءًا منتجًا في المجتمع طالما بقوا هناك.

لكنها تضيف: «لسوء الحظ، تتعرقل بعض هذه الجهود بسبب كون المجتمعات المضيفة نفسها منهكة. إذ يستضيف الجانب الأكثر ضعفًا وهشاشة في المجتمع معظم اللاجئين في ذلك المكان». وتقول إنه عندما تجلب مئات الآلاف من الأشخاص إلى أماكن فقيرة ومنهكة بالفعل، وتفتقر إلى الخدمات، فإنك بذلك تتسبب في تدهور حال السكان من اللاجئين والمجتمعات المضيفة على حدٍ سواء.

لذلك، يصبح السؤال، بحسب «المبسلط»، حول كيفية إعادة هيكلة المكان، ليكون أكثر لطفًا مع كلٍ من المجتمع المضيف واللاجئين، وكيف نقدم الناس إلى بعضهم البعض، لنساهم في رؤية بعضنا البعض، كقيمة مضافة لا كتهديد.

الاستثمار في الناس

كما ناقشت «المبسلط» المنحة الأخيرة التي توضح عمل «مؤسسة فورد»، لدعم منظمات المجتمع المدني المحلية. في أيار/ مايو، من العام الجاري، تلقت مبادرة المنظمات غير الحكومية التابعة للجامعة الأمريكية في بيروت، والتي تعد جزءًا من معهد الصحة العالمي التابع للجامعة، منحة قدرها 4.8 مليون دولار من مؤسسة فورد، ومؤسسة الأصفري لتأسيس التحالف العربي لتنمية منظمات المجتمع المدني (أقصد) (AACSOD). وعن ذلك، تقول مديرة مكتب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة «فورد»: «نحن فخورون جدًا بهذا البرنامج».

«الاستثمار في الأفراد هو الطريقة الوحيدة التي تمكنّنا من ضمان تحقيق التغيير المستدام».

صبا المبسلط، المديرة الإقليمية لمؤسسة فورد بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وعن فكرة المشروع في إنشاء مراكز امتياز، تقول إن هذه المراكز بإمكانها الاستثمار في بناء قدرات منظمات المجتمع المدني المحلية والوطنية والمنظمات المجتمعية، بحيث تصبح مهنية ومعتمدة، وتفي بجميع الجوانب المطلوبة من قبل الجهات المانحة، وذلك من أجل فتح باب التمويل، والتأكد من ذهابها مباشرة إلى الشركاء المحليين والوطنيين.

تعتقد «المبسلط» أن المنطقة تذخر بالكثير من الموارد البشرية، وقادرة على تصميم التغيير الذي تطمح لتحقيقه بنفسها، وهذا جزء من المناقشة التوطينية الأوسع. وتضيف أنه إذا كان لديك شخص من مجتمع يمكن تدريبه وصقل مهاراته، لمطابقة المعايير العالمية بطريقة مدركة للواقع المحلي بدرجة كبيرة، فلمَ لا؟

وتتمثل الفكرة الكاملة للمشروع في الاستثمار في بناء القدرات، ورفع مهارات موظفي منظمات المجتمع المدني والمنظمات المجتمعية، حتى يتمكنوا من إدارة أجندة التنمية. وتوجز رؤيتها في هذا الإطار، بالقول إن الاستثمار في الأفراد هو الطريقة الوحيدة التي تمكنّنا من ضمان تحقيق التغيير المستدام.

الثقافة والفنون والإعلام

كما تقول «المبسلط» إن المكتب الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يتعامل أيضًا مع مسألة كيفية تنويع ودمقرطة الوصول إلى المعرفة. وتتساءل: «كيف نضمن إنتاج المعرفة من قبل الناس في منطقة معينة بدلاً من إنتاجها لهم؟ كيف نتأكد من تقديم الجنوب العالمي كمنتجٍ للمعرفة، وليس مستهلكا للمعرفة فقط؟»

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وفيما تؤكد على الأهمية الكبيرة لمجالات الفنون والثقافة والإعلام، بالنسبة لمؤسسة فورد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تقول: «هذا ما يميّز برنامجنا في المنطقة بشكلٍ كبير، عن أي مكتب آخر تابع لمؤسسة فورد في جميع أنحاء العالم، لأننا نركّز على ذلك كجزء مستقل من برنامجنا». وتضيف: «نحن نعيش في منطقة غنية جدًا بالجمال، ولكن كل تعقيدات النزاعات ونقص الموارد قد تسببت، للأسف، في إبقاء هذا الجمال تحت السطح. أقل ما يمكننا فعله هو التأكد من حماية أماكن تعزيز الثقافة والترويج لها وإبرازها إلى السطح».

وتتحدث «المبسلط» عن تراجع أولوية الجمال، وضياع الثقافة عندما تواجه البلاد تحدياتٍ اقتصادية، ومشكلات بطالة، وتداعيات الصراعات العالمية. ولذلك فإن «حماية هذا من مسؤوليتنا بالتأكيد»، بحسب تعبيرها.

في مجال دعم الفنون والثقافة والإعلام، كانت «مؤسسة فورد»، أحد ممولي «الفنار للإعلام» حتى نهاية 2021.

اقرأ أيضًا:  

سعد سلوم الفائز بجائزة ابن رشد لحرية الفكر: الأكاديميون العرب بحاجة إلى إعادة التفكير في خطاب التنوع

تقرير «الفجوة العالمية بين الجنسين 2022»: على الحكومات تنمية المواهب النسائية في صناعات المستقبل

الأكاديمية المصرية هانيا الشلقامي لـ«الفنار للإعلام»: تمكين المرأة العربية لا يقتصر على وجودها في المناصب العامة

عن الحرب واللجوء والبحث العلمي.. سطور من سيرة الأكاديمية اليمنية نادية السقاف

كويتيتان ترصدان تجربتهما «في مواجهة التمييز» داخل جدران الجامعة

ابحث عن أحدث المنح الدراسية عبر موقعنا من هنا، وشاركنا النقاش عبر مجموعتنا على «فيسبوك» من هنا، وللمزيد من المنح، والقصص، والأخبار، سارع بالاشتراك في نشرتنا البريدية.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى