أخبار وتقارير

الأكاديمي العراقي معتز سلمان.. قصة الفائز بجائزة «أفضل عالم شاب في العلوم العصبية»

بعد نحو عشرة أعوام من العمل البحثي لتصميم أول جزء من دماغ بشري على شريحة «ميكروية» (متناهية الصغر)، واكتشافه علاجات جديدة للأمراض الدماغية، اختارت المنظمة الدولية للكيمياء العصبية، الباحث العراقي معتز سلمان، لنيل جائزة «أفضل عالم شاب في العلوم العصبية».

وجاء فوز كبير الباحثين، والمحاضر في قسم علم وظائف الأعضاء والتشريح والوراثة بجامعة أكسفورد البريطانية، بالجائزة، تقديرًا لأبحاثه في علم الأعصاب، وعمله على تحديد علاجات جديدة للأمراض التنكسيّة العصبيّة، باستخدام التقنيات المبتكرة والمتطورة.

ويقول «سلمان»، وهو أول باحث في بريطانيا يحصد الجائزة، في مقابلة عبر «زووم» مع «الفنار للإعلام» إن الدعم البحثي الذي تلقاه من الجامعات التي عمل معها، بالولايات المتحدة أو بريطانيا، كان عاملًا أساسيًا في الحصول على الجائزة، متابعًا: «أؤمن بشكل عميق بأن الإنسان كلما اجتهد أكثر، كان محظوظًا بشكل أكبر».

ويضيف الأكاديمي العراقي، الذي سيتسلم الجائزة نهاية أيلول/سبتمبر المقبل، بمدينة هونولولو، بولاية هاواي الأمريكية: «كنت مدركًا، منذ البداية، حجم التحديات المرتقبة، والجهد المضاعف الذي عليّ أن أبذله، كأكاديمي قادم من إحدى دول النزاع، و كذلك المسؤولية الملقاة على عاتقي لنقل صورة مختلفة عن وطني، ومساعدة البشرية في تقديم حلول للأمراض والجلطات الدماغية التي ارتفعت أعداد المصابين بها بشكل ملحوظ».

كنت مدركًا، منذ البداية، حجم التحديات المرتقبة، والجهد المضاعف الذي عليّ أن أبذله، كأكاديمي قادم من إحدى دول النزاع، و كذلك المسؤولية الملقاة على عاتقي لنقل صورة مختلفة عن وطني، ومساعدة البشرية في تقديم حلول للأمراض والجلطات الدماغية التي ارتفعت أعداد المصابين بها بشكل ملحوظ.

معتز سلمان أكاديمي عراقي بجامعة أكسفورد البريطانية

وتناول بحث «سلمان» الفائز بالجائزة الدولية، بناء أول جزء من «دماغ بشري على شريحة ميكروية» لدراسة آلية دخول الأدوية إلى الدماغ وتأثيراتها، وتطوير أول «حاجز وعائي دماغي بشري» وهو ما يعرف بالـ«BBB»، على شكل شريحة ميكروية، لتوظيفها في التخلص من الفضلات التي تتراكم بين الخلايا العصبية مع تقدم العمر.

ويقول إن هذا البحث سوف يمكّنُ الباحثين من تعقّب كيفية دخول جزيئات الدواء إلى الدماغ، موضحًا أن التصميم يسمح بدخول أحجام جزيئية صغيرة جدًا، مما يجعل الجهاز مثاليًا للدراسات التي تتضمن العلاجات الحيوية، إلى جانب إمكانية توظيفه في العديد من طرق التصوير عالية الدقة، مثل المجهر الإلكتروني للإرسال.

مسيرة أكاديمية

قبل انتقاله إلى جامعة أكسفورد في الربع الأخير من عام 2020، كأستاذ مساعد ومحاضر بكلية ولفسون التابعة للجامعة، عمل الأكاديمي العراقي كباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه بكلية الطب في جامعة هارفارد، ومستشفى الأطفال في بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، بين عامي 2017 و2020.

خلال المسيرة البحثية لمعتز سلمان، الحاصل على البكالوريوس من كلية الصيدلة بجامعة الموصل عام 2007، تمكن من اكتشاف علاج جديد لمرضى الأورام الدماغية الناتجة عن الحوادث والجلطات، وذلك في موضوع بحثي ممتد خلال دراسته الماجستير، والدكتوراه، حيث نال الدرجتين العلميتين من جامعة شيفيلد هالام البريطانية في عامي 2012 و2017.

وقد تركزت دراساته العليا، بمرحلتي الماجستير والدكتوراه، حول مستقبلات الماء في الدماغ (Aquaporins) ، والتي يصفها بأنها كانت نقطة تحول في التعرف على الميكانيكية الجزيئية للأمراض الدماغية، والمساعدة في تقديم حلول علاجية بديلة عن العمليات الجراحية التي تكون لها، عادة، مخاطر ومضاعفات جمّة.

ويقول «سلمان» إن البحوث حول مستقبلات الماء في الدماغ ساعدته على اكتشاف طريقة إصابة الخلايا بالأورام الدماغية، وكيفية التمكن من إيقافها عن طريق بعض العلاجات المستخدمة لأمراض أخرى، ومعرفة الميكانيكية التي تُسبّب هذه الأورام والسكتات الدماغية على المستوى البيولوجي الجزيئي.

ويشير تقرير لمنظمة الصحة العالمية أنّ نحو 75 مليون شخص في العالم يعانون من السكتة الدماغية سنويًا، وتُقدّرُ نسبة الوفيات من المصابين بنحو خمسة ملايين، بالإضافة إلى حالات العجز الدائم، والتي تقدّرُ بـخمسة ملايين حالة أخرى. ويفيد التقرير بأن ارتفاع ضغط الدم هو السبب الرئيسي لهذه الإصابة.

وعن ذلك، يقول الأكاديمي العراقي إن أعداد الإصابات بالأمراض الدماغية ترتفع في العالم العربي، أيضًا، بسبب النمط المعيشي والغذائي السائد عند أغلبية سكانه، من تناول الدهون والسكريات بنسب «غير معقولة»، وقلة النشاط البدني الرياضي، فضلًا عن التعرض للضغوط المستمرة نتيجة أعباء الحياة اليومية، والأحداث التي تعصف باستقرار غالبية مواطني الدول العربية.

تحديات العمل البحثي في العالم العربي

أطالب الدول العربية بزيادة الاستثمار في مجالات البحث العلمي على المستوى القومي، وضرورة الاستفادة من تجارب بعض دول الخليج، مثل قطر، والإمارات، والسعودية في استقطاب أساتذة دوليين أجانب، وعرب من كبرى الجامعات الأوروبية والأمريكية إلى جامعاتهم.

معتز سلمان   أكاديمي عراقي بجامعة أكسفورد البريطانية

بعد تخرجه في جامعة الموصل، وخلال عمله كمعيد بكلية الصيدلة في الجامعة لنحو عامين، عايش معتز سلمان صعوبات العمل البحثي والأكاديمي في العالم العربي. ويقول إن أهم تلك التحديات تتمثل في غياب الدعم المادي لإجراء البحوث، وقلة الإمكانيات في المختبرات البحثية، وتراكم الأعباء التدريسية والإدارية على الأساتذة، ما يؤدي إلى انصرافهم عن إجراء البحوث.

ويوضح الأكاديمي العراقي أن البحث العلمي بمثابة «استثمار» وليس «ترفًا أكاديميًا عشوائيًا»، مشيرًا إلى أن هذا العمل لا يزدهر إلا كنتيجة لتهيئة البيئة المناسبة لعمل الباحثين، وكفالة الاستقرار والدعم المالي لهم، مشيرًا إلى أن الاضطرابات السياسية التي شهدها العراق، خلال الأعوام الأخيرة، أثرت على جهود الباحثين العراقيين في التدريس بالجامعات، وفي فرص تطورهم المهني. كما يصف الدعم الحكومي للجامعات العراقية بالـ«محدود جدًا»، ويضيف أن أغلب مبادرات العمل البحثي «فردية وعشوائية» ولا ترقى إلى مستوى العمل المؤسساتي المنتظم.

https://www.bue.edu.eg/

في ضوء ذلك، يطالب معتز سلمان، الدول العربية بزيادة الاستثمار في مجالات البحث العلمي على المستوى القومي، وضرورة الاستفادة من تجارب بعض دول الخليج، مثل قطر، والإمارات، والسعودية في استقطاب أساتذة دوليين أجانب، وعرب من كبرى الجامعات الأوروبية والأمريكية إلى جامعاتهم، لتأسيس مراكز بحثية يتدرب فيها الباحثون الشباب من هذه الدول.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وفي السياق نفسه، يقول الأكاديمي العراقي إنه يسعى إلى فتح قنوات اتصال بين جامعة أكسفورد، وجامعات عراقية، بهدف إبرام اتفاقيات للتعاون والبحث العلمي، وتوفير فرص زمالات بحثية للباحثين العراقيين بالمراكز المتخصّصة في الجامعات البريطانية. ومن تلك الجهود، توقيع جامعة الموصل اتفاقية تعاون مع جامعة أكسفورد، خلال العام الجاري، حول مشروع استخدام تقنيات «التحسّس النائي ونظم المعلومات الصورية» في دراسة الآثار، والحفاظ على التراث الثقافي لمحافظة نينوى، وغيرها من المحافظات العراقية، إلى جانب استقطاب طلاب برامج الدكتوراه للحصول على دورات تدريبية بجامعات بريطانيا.

في ختام مقابلتنا معه، يقول معتز سلمان: «هذه الجهود تمنحني شعورًا عاليًا بالفخر، وحافزًا أكبر للعمل الدؤوب وإجراء البحوث التي تعود بالفائدة على البشرية جمعاء. أشعر بالمسؤولية والحب تجاه وطني، ومدينتي، وجامعتي الأم التي ساعدتني ومهدت لي الطريق في بداية رحلتي الدراسية».

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى