أخبار وتقارير

في مبادرة طلابية بالمغرب.. دليل طبي لمواجهة فجوة اللغة بالمناطق الأمازيغية

في مواجهة العائق اللغوي بين الأطباء في المغرب، ومرضاهم بالمناطق الأمازيغية، وخاصة كبار السن الذي لا يتحدثون الدارجة المغربية، بادر طلاب بكلية الطب والصيدلة في جامعة ابن زهر بأكادير، بإطلاق دليل حول المصطلحات الطبية بالأمازيغية.

ويأمل القائمون على الدليل، الذي تم إعداده بإشراف بعض الأساتذة، في إنهاء تلك الفجوة التي تخلقها الحواجز اللغوية خلال عملية التواصل أثناء تقديم الخدمة الطبية. ويقول البروفيسور يوسف خبال، الأستاذ بكلية الطب والصيدلة بجامعة ابن زهر في أكادير، إن هذه المبادرة جاءت بدوافع ذاتية انطلاقًا من التجارب المهنية في العمل بالمناطق الأمازيغية.

تجارب عملية

ويضيف في تصريح لـ«الفنار للإعلام»: «عملت في إقليم تنغير بالجنوب الشرقي، حيث يتحدث السكان الأمازيغية، وكنت أستعين بالممرض لكي يساعدني في التواصل معهم. ومن هنا، كان تفكيرنا المستمر في البحث عن حلول لهذه المشكلة». ويشير إلى وجود دافع تربوي وتعليمي خلف تلك التجربة، في ضوء تجارب عالمية مماثلة، مثل التجربة الكندية في التعامل مع الحواجز اللغوية عند تقديم الخدمة الصحية، وإعداد دليل طبي يضم اللهجات المحلية، وكذلك في تجارب أوروبية أخرى شهدت إطلاق أدلة لغوية للتواصل مع اللاجئين، مثلما حدث في ألمانيا.

«عملت في إقليم تنغير بالجنوب الشرقي، حيث يتحدث السكان الأمازيغية، وكنت أستعين بالممرض لكي يساعدني في التواصل معهم. ومن هنا، كان تفكيرنا في البحث عن حلول لهذه المشكلة».

يوسف خبال أستاذ بكلية الطب والصيدلة بجامعة ابن زهر في أكادير.

وتقول كاميليا رينهارت، الطالبة في السنة الخامسة بكلية الطب والصيدلة بأكادير، وهي عضو في فريق إنجاز الدليل: «اقتنعنا بجدوى المبادرة لأننا عايشنا هذه المشكلة التواصلية كطلبة، أثناء أداء التدريب الميداني في المركز الاستشفائي الجهوي الحسن الثاني بأكادير حيث يرتاده المرضى من مختلف مناطق جهة سوس ماسة درعة والجنوب المغربي حيث الغالبية الأمازيغية».

وتضيف الطالبة المغربية الفرنسية، أنهم كطلاب كانوا يلجأون إلى زملاء يتحدثون الأمازيغية للمساعدة في الترجمة، وتعلق على ذلك بالقول إنه أمر مؤسف «لأن مهمتنا هي الإنصات للمريض، وفهم شكواه وحاجته بدقة، وإلا فلن نستطيع تقديم المساعدة الطبية له كما يلزم في غياب التواصل الفعال».

بداية الفكرة

يعود تاريخ عمل كاميليا رينهارت، المولودة لأم أمازيغية، على فكرة الدليل الطبي إلى العام 2018، حيث سعت، مع زملائها، لإنجاز تلك الخطوة تحت إشراف أستاذهم البروفيسور «خبال»، بالتعاون مع جمعية طلبة الطب بأكادير التي تنشط داخل كلية الطب والصيدلة. استغرق إعداد الدليل عامًا كاملًا، في عملية تصفها الطالبة المغربية بالصعبة، حيث كانوا يبحثون عن ترجمة مناسبة، دون التقيد بالترجمة الحرفية. واستعانوا في ذلك بكبار السن من المتحدثين بالأمازيغية. وتشير إلى أنها استعانت بوالدتها أيضًا، في البحث عن بعض الكلمات، لكونها من أصل أمازيغي.

ويقول البروفيسور يوسف خبال إن الطلبة طوروا الفكرة، في إطار جمعيتهم الطلابية، من دليل داخلي في التعامل مع المرضى، إلى ورش تكوينية بالجامعة، من أجل تعليم الأمازيغية لغير الناطقين بها، بغرض التواصل الطبي. ويضيف أن العشرات من الطلاب استفادوا من هذه الورش.

ويقول حمزة أمزيل، طالب في السنة الرابعة بكلية الطب بأكادير، ورئيس جمعية طلبة الطب بأكادير، إن الدليل الذي أعدته الجمعية الطلابية، بالتعاون مع الكلية، أصبح وثيقة ملازمة للطلبة، ويلجأون إليه في تدريباتهم العملية.

«كنا نلجأ إلى زملاء يتحدثون الأمازيغية، وهو أمر مؤسف، لأن مهمتنا هي الإنصات للمريض، وفهم شكواه وحاجته بدقة، وإلا فلن نستطيع تقديم المساعدة الطبية له كما يلزم في غياب التواصل الفعال».

كاميليا رينهارت طالبة بكلية الطب والصيدلة بجامعة ابن زهر في أكادير

وبعدما لاقت النسخة الأولى من الدليل نجاحًا بين الطلاب، قرر القائمون على إعداده، إلى تطويره، وإصدار نسخة ثانية منقحة، وأكثر دقة في الترجمة، مع إضافة الترجمة إلى العامية المغربية.

ويشير «خبال» إلى أن الفكرة تطورت أكثر بعدما تمكن فريق من الأطباء الفرنسيين من إدماج محتوى الدليل في تطبيق إلكتروني متخصص في الترجمة الطبية من مختلف اللغات واللهجات التي يتحدث بها سكان البحر الأبيض المتوسط، مضيفًا أن الفريق المشرف على تلك الخطوة طلب موافقتهم لضم الدليل إلى أكثر من 46 لغة ولهجة يضمها التطبيق الذي ينظر إليه كمشروع طبي مستقل يستهدف إيجاد حلول لمشكلة الحواجز اللغوية في مجال الصحة.

وفي السياق نفسه، قررت الطالبة بكلية الطب والصيدلة بأكادير فاطمة الزهراء بليليد، إنجاز أطروحتها للتخرج من الكلية حول نفس الموضوع، من خلال البحث في مختلف جوانب المشكلة والحلول المقدمة لها. وجاء قرار الطالبة المغربية، بالتصدي لهذه القضية من الناحية البحثية، انطلاقًا من حاجة مجتمعها بمنطقة أكادير الأمازيغية، إلى حلول عملية لمعاناة المرضى وخاصة من كبار السن الذين لا يتحدثون العربية، أو العامية المغربية.

مبادرة واحدة لا تكفي

من جهته، يصف الحسين بويعقوبي، أستاذ الدراسات الأمازيغية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، بجامعة ابن زهر بأكادير، المبادرة بأنها جيدة، وتتزامن مع العمل الجاري لتعميم الأمازيغية منذ اعتمادها كلغة رسمية في البلاد منذ العام 2011. ويشير في تصريح لـ«الفنار للإعلام» إلى ثراء مجال الطب في اللغة الأمازيغية. ويقول إن أطباء المستقبل في حاجة لتعلم الأمازيغية من أجل تواصل ناجح مع المرضى.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

ومع إشادته بتلك المبادرة الطلابية، إلا أنه يراها غير كافية «لأنه يمكن للطلبة تعلم بعض الكلمات، ولكن يلزمهم كيفية استخدامها في سياقها التواصلي». وفيما يدعو أستاذ الدراسات الأمازيغية، كلية الطب والصيدلة، وجميع المؤسسات الجامعية المعنية، إلى تقديم دروس في اللغة الأمازيغية للطلاب، يقول: «من حق الأمازيغي المغربي أن يتحدث بلغته الأم في المستشفى وغيره، والاعتراف بالأمازيغية دستوريًا هو اعتراف بحق من حقوق الإنسان وهو المساواة بين كل المغاربة بمختلف».

ويختم الأكاديمي المغربي حديثه بالقول إن اعتماد اللغة الأمازيغية لا يجب أن يقتصر على الجانب الشفوي في التواصل فحسب، بل يجب أن يكون تواصلًا مكتوبًا في الوثائق الإدارية، وغيرها، سواء في مجال الطب، أو في غيره، على حد قوله.

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى