أخبار وتقارير

انتحار طالب يجدد التذكير بحاجة الجامعات السورية إلى برامج فعالة للصحة النفسية

من جديد، تشهد الأوساط الأكاديمية السورية، جدلًا حول أهمية وجود برامج للصحة النفسية بالجامعات، في أعقاب انتحار طالب بكلية الآداب في جامعة حلب، الشهر الماضي.

وعلى مدار السنوات الماضية، وحتى وقت قريب، سجلت سوريا، التي تشهد حربًا دامية منذ أكثر من عشر سنوات، ارتفاعًا في معدلات الانتحار، وفق بيانات رسمية، وشهادات محلية، بمناطق متفرقة في أنحاء البلاد.

وفيما يشكو أساتذة وطلاب بعدد من الجامعات، من غياب مثل هذه البرامج التي تعزز القدرة النفسية على الصمود في وجه ضغوط وتداعيات الحرب، يشير بعضهم إلى اقتصار الأمر على مبادرات فردية بين الحين والآخر، كما يتخوف آخرون من عدم وجود إمكانية لتصميم تلك البرامج بعد هجرة أعداد كبيرة من الأطباء والخبراء النفسيين.

ظاهرة متفشية

ويقول أحد أساتذة الإرشاد النفسي بجامعة سورية، في اتصال هاتفي مع «الفنار للإعلام» إن الانتحار أصبح ظاهرة متفشية في سوريا، بسبب تراكم الضغوط وغياب الحلول. ويصف برامج الصحة النفسية في الجامعات كافة بأنها «خارج الخدمة».

خدمات الصحة النفسية في سوريا تضررت بشدة إبان الحرب، حيث انخفض عدد الأطباء النفسيين إلى النصف تقريبا من 120 طبيبًا في عام 2011 إلى 70 فقط في عام 2016.

دراسة منشورة للجنة الدولية للصليب الأحمر.

ويضيف الأكاديمي السوري، الذي اشترط عدم الإفصاح عن هويته: «مع هجرة أغلب كوادر الجهاز الطبي، وندرة الأطباء النفسيين، حتى قبل عام 2011، باتت عملية التصدي للآثار النفسية الناتجة عن صدمات الحرب وما بعدها، مجرد جهود فردية بدون علاج مبرمج لها». ويشير إلى انقطاع بعض الطلاب عن الدراسة، فيما التحق آخرون بتنظيمات مسلحة، أما الباقون فيواجهون ظروفًا صعبة لمواصلة تعليمهم، وفق قوله.

ويدعم هذه التصريحات، نتائج دراسة نشرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بعنوان: «الصحة النفسية إبان الأزمة السورية: كيف يتعامل السوريون مع الآثار النفسية»، أكدت تضرر خدمات الصحة النفسية في سوريا بشدة إبان الحرب، حيث انخفض عدد الأطباء النفسيين إلى النصف تقريبا من 120 طبيبًا في عام 2011 إلى 70 فقط في عام 2016.

وإذ يشدد الأكاديمي السوري على الحاجة الماسة لتطوير برامج للصحة النفسية في الجامعات، يقول إن الإمكانيات ضعيفة للغاية».

https://www.bue.edu.eg/

من جانبها، تقول غيداء سلمان، أستاذة الاقتصاد بجامعة تشرين، لـ«الفنار للإعلام» إن تدمير عدد من مقار الجامعات، وسقوط عدد من الطلبة «كشهداء» نتيجة الحرب، راكم من الآثار النفسية الكبيرة. وتضيف أن الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب، واليأس، والقلق تظهر على الطلاب، أو الأساتذة كانعكاسات للحرب. ولكن ليست الحرب وحدها هي السبب، فسوء الأوضاع الاقتصادية فاقم من هذه الاضطرابات، بحسب تعبيرها.

وتطالب «سلمان» بإنهاء الحرب، وإيقاف الأعمال الإرهابية، حتى يتمكن السوريون من إعادة إعمار وطنهم، ومعالجة الآثار النفسية، والاقتصادية، التي خلفتها المعارك المدمرة.

الضغوط النفسية تربك المسار الدراسي للطلاب

من جانبها، تقول شيرين عبد العزيز، الطالبة بقسم النقد والدراسات المسرحية في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، إن الحرب أوقفت دراستها بكلية العلوم في جامعة حلب، ما دفعها، مثل آلاف الطلاب الآخرين، إلى الانتقال إلى جامعة دمشق لاستكمال دراستها. وتضيف أن للحرب تأثير كبير على الصحة النفسية الشباب، حيث أصبح البقاء على قيد الحياة هو الهم الأول للطلاب، وليس الدراسة أو النجاح فيها. كما تقول إنها لم تصادف برامج للدعم النفسي خلال دراستها بجامعتي دمشق وحلب.

الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب، واليأس، والقلق تظهر على الطلاب، والأساتذة كانعكاسات للحرب. ولكن ليست الحرب وحدها هي السبب، فسوء الأوضاع الاقتصادية فاقم من هذه الاضطرابات.

غيداء سلمان أستاذة الاقتصاد بجامعة تشرين – سوريا

عندما اضطرت الطالبة، المولودة بمدينة القامشلي شمال شرق سوريا، إلى الانتقال إلى دمشق، قررت اختيار دراسة الفنون المسرحية، بحثًا عن «شغف جديد» يجعلها قادرة على الاستمرار في الحياة، بعد مواجهتها ضغوطًا نفسية كبيرة، خلال سنوات الحرب، ودراسة العلوم، بحسب قولها. وتحكي عن تجربتها، فتقول في مقابلة مع «الفنار للإعلام»، عبر تطبيق «زووم»: «الآثار النفسية للحرب جعلتني أبحث عن مخرج من هذه التراكمات من ضغط، وقلق، وخوف، من خلال دراسة المسرح. وقد تغيرت توجهاتي في الكتابة، والدراسات النقدية في المسرح، بسبب الضغوط النفسية».

وتشرح «عبد العزيز» الأمر أكثر، فتقول إنها وجدت نفسها غير قادرة على الكتابة خارج نطاق الموضوعات المرتبطة بالحرب، والآثار النفسية المترتبة عليها.

بالمثل، تقول ميسون علي، أستاذة المسرح المعاصر بالمعهد العالي للفنون المسرحية، إن المعاهد الفنية في سوريا تفتقر إلى  المرشدين النفسيين، رغم الحاجة الكبيرة لهم بسبب ما راكمته الحرب في نفوس الطلاب والأساتذة. وتضيف رئيسة قسم السيناريو والنقد السينمائي بالمعهد إن الطلاب الآن هم جيل الحرب، وقد عانوا من ويلات الحرب المدمرة على كافة الأصعدة، بالإضافة إلى ضغوط الانهيار الاقتصادي، وتفشي العنف، وتمزق النسيج المجتمعي، وتضاؤل فرص العمل.

الدراما النفسية

وتوصي الأكاديمية السورية بضرورة الدعم المؤسساتي لقضية الإرشاد النفسي في الجامعات والمؤسسات التعليمية، من أجل توسيع رقعة نشاط برامج الصحة النفسية، إلى جانب ضرورة تصميم البرامج بشكل يساعد الطلاب على تحقيق الاستقلالية الذاتية، ويؤدي إلى تغييرات إيجابية في سلوك الطلاب لتحقيق التفاعل مع بعضهم، والتكيف مع المجتمع. وتقول إن برامج الصحة النفسية ضرورة في أي مجتمع، وفي سوريا بشكل خاص خلال وبعد سنوات الحرب طويلة الأمد، وما خلفته من نتائج وخيمة.

وتشير أستاذة المسرح المعاصر إلى لجوء عدد من المناطق السورية مؤخرًا، إلى توظيف الدراما النفسية كعلاج لمن يواجهون الأعراض النفسية القاسية، عبر استخدام التقنيات المسرحية، والمسرح كوسيلة تربوية، حيث يتم العلاج في أماكن الحياة اليومية وليس في العيادة، بالتعاون بين مشرف مختص في الطب النفسي، ومشرف درامي. في ختام حديثها، تشدد الأكاديمية السورية ميسون علي على ضرورة بناء شبكات تواصل هادفة ودائمة مع الأقسام الأكاديمية والتأهيلية بالكليات والجامعات المحلية، وفي العديد من مجالات الخدمات النفسية والإرشادية.

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى