أخبار وتقارير

تنقية المياه الملوثة بالعراق.. تجربة أكاديمية تسلط الضوء على هموم وتحديات البحث العلمي

في تجربة أكاديمية تختلط فيها المشكلات المحلية بتحديات البحث العلمي في العراق، تعمل الباحثة العراقية سهاد ياسين على معالجة المياه الملوثة باستخدام ما يعرف بـ«أغشية النانو فايبر». والعراق واحد من البلدان التي تعاني من الشح، والإجهاد المائي، حيث تتوقع دراسة سابقة جفاف نهري دجلة والفرات بحلول عام 2040.

تقوم العملية التي تقودها سهاد ياسين على استخدام مواد متاحة ورخيصة لتوظيفها  في معالجة المياه، عبر مختبرها البحثي، مع طلابها. وقد نالت الأكاديمية العراقية درجة الدكتوراه في «كيمياء البوليمر» من جامعة دهوك، في العام 2020، بعد نحو ثلاثة عشر عامًا من الانقطاع عن الدراسات العليا، في مسار تعليمي لم يخل من المصاعب.

مسيرة تعليمية

بعد نيلها البكالوريوس من قسم الكيمياء بكلية العلوم في جامعة الموصل، في العام 1993، التحقت بمعمل رسمي لصناعة الأدوية، قبل أن تتولى لاحقًا منصب مديرة الإنتاج في المعمل بالكامل، في مدينة الموصل.

بحلول العام 2006، ومع ارتفاع وتيرة العنف في الموصل، اضطرت «ياسين»، التي تنتمي لأصول كردية، إلى ترك المدينة، والعودة إلى موطن عائلتها بمدينة دهوك. وهناك، التحقت بعمل إداري في وزارة الصناعة بإقليم كردستان.

وتروي تلك التجربة في مقابلة مع «الفنار للإعلام»، عبر «زووم»، فتقول إن العمل الإداري لم يكن يستهويها بعدما اعتادت التعامل داخل المعامل والمختبرات. ولذلك، فقد تقدمت لاختبار تنافسي للحصول على فرصة لدراسة الماجستير بجامعة دهوك.

تحديات ومصاعب

«كانت الإمكانيات تساوي صفرًا. كان عليّ شراء كل شيء على حسابي الشخصي، والبداية من نقطة الصفر».

سهاد ياسين   أكاديمية عراقية

في ذلك الوقت، كانت الأكاديمية العراقية زوجة وأمًّا، كما واجهت تحديات في الدراسة باللغة الإنجليزية في الجامعة الكردية، فضلًا عن تشكيك المشرف على رسالتها للماجستير في قدرتها على إنجاز الرسالة، قائلًا: «أشعر أنني تورطت في قبول الإشراف على رسالتك. سيكون من الصعب عليك استكمال الدراسة في هذا السن، وفي ظل مسؤوليتك عن أسرتك»، بحسب ما ذكرته لنا.

في مقابل هذا الكلام، تقول سهاد ياسين إن الأمر لم يكن محبطًا بقدر ما كان دافعًا لتوظيف مهاراتها كافة في إحراز أفضل النتائج. وتضيف: «كان يجب أن أثبت للمشرف ولنفسي أنني لست ورطة، ولكن باحثة لديها الطاقة، ولم تكن لديها الفرصة». وبالفعل، تمكنت من نيل درجة الماجستير، بتقدير امتياز، في العام 2009، عن رسالتها المعنونة: «إزالة أيونات الكروم الثقيلة من المياه باستعمال مواد طبيعية».

عقب ذلك، تقدمت بطلب نقل إلى جامعة دهوك للعمل كمدرس مساعد في كلية العلوم بقسم الكيمياء، لتبدأ فصلًا جديدًا في مسيرتها الأكاديمية، وخاصة مع احتياج الجامعة، وقتها، لكوادر جديدة في الهيئة التدريسية.

ورغم قضاء نحو ست سنوات من التدريس بجامعة دهوك، إلا أن سهاد ياسين لم تحظ بفرصة لاستكمال دراساتها العليا، ونيل درجة الدكتوراه. وكان السبب المتكرر هو عدم وجود فرصة للتفرغ، وقلة المنح البحثية المتوفرة للجامعة في تخصصها. واجهت ذلك الواقع بمواصلة العمل على بحوث تنقية المياه الملوثة من دون أن تفقد الأمل.

وفي العام 2015، ومع فتح الجامعة الباب للتقدم لفرصة واحدة لاستكمال الدكتوراه، بادرت الأكاديمية العراقية للاستفادة منها. وفي هذا السياق، لم يخل طريقها من المصاعب بسبب محدودية الإمكانيات التي تتيحها الجامعة للدراسات العليا من جهة، وبسبب معارضة رؤسائها في العمل، فكرة دراستها الدكتوراه، نظرًا لبلوغها الخمسين من العمر، غير أنها تمكنت، في نهاية المطاف، من إقناع رئيس القسم الذي كانت تعمل به، لتظفر بالفرصة الوحيدة المتاحة.

بناءً على نصيحة سابقة من المشرف على رسالتها للماجستير، والذي أبدى ثقته في قدراتها خلال تلك التجربة، اختارت الباحثة العراقية تكنولوجيا النانو فايبر موضوعًا لرسالتها للدكتوراه. لكنها حين قدمت فكرة بحثها لمشرفها الجديد، عارض الرجل الفكرة بدعوى عدم استطاعة الجامعة تحمل متطلبات البحث لذلك الموضوع الجديد، قبل أن يوافق لاحقًا بعد دفاع صاحبة الفكرة عن موقفها.

«يجب علينا ألا نقف مكتوفي الأيدي. أعمل ليل نهار للحصول على دعم مالي جديد، ومع كل رفض أدرك جيدًا أن عليّ العمل أكثر وأكثر، فالبحث العلمي بدون إمكانيات مادية متعب، ونتائجه محدودة».

سهاد ياسين أكاديمية عراقية

لم يكن لديها سوى من الإمكانيات جدران المعمل لتبدأ العمل على رسالتها للدكتوراه. لا أجهزة، ولا عوامل مساعدة. تصف الواقع حينذاك بالقول: «كانت الإمكانيات تساوي صفرًا. كان عليّ شراء كل شيء على حسابي الشخصي، والبداية من نقطة الصفر».

تمويل البحث العلمي في الجامعات العربية

وفي سبيل تحسين ظروف تجربتها، بدأت سهاد ياسين التواصل مع أساتذة وباحثين من مختلف الدول العربية طالبة العون في رسالتها. وبمحض الصدفة، اكتشفت وجود أستاذة بقسم الفيزياء في جامعة البصرة، كانت قد صممت جهازًا من شأنه مساعدة طالبة الدكتوراه في عملها البحثي. تقول: «تواصلت مع أستاذة جامعة البصرة على الفور، وقبلت مساعدتي».

وقد حاولت الباحثة العراقية إقناع عميد كليتها بتصنيع جهاز مشابه بقسم الفيزياء في الكلية، للعمل عليه بجامعة دهوك، وهو ما وافق عليه بالفعل، الأمر الذي شجعها على مواصلة البحث عن تمويل لمشروعها البحثي لنيل درجة الدكتوراه.

وبعد مراسلتها منظمات دولية عدة طلبًا لمنحة مالية، حصلت بالفعل، في العام 2018، على تمويل قدره 207 آلاف دولار أمريكي من «الأكاديمية الوطنية للعلوم» بالولايات المتحدة الأمريكية (National Academic Of science) لمدة ثلاث سنوات، من أجل تأسيس مختبر نانوتكنولوجي لإجراء البحوث في معالجة المياه باستخدام مواد نانوية بجامعة دهوك، وهو ما ساعدها في تجهيز مختبر كامل مستقل، بحسب قولها.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وعن أزمة تمويل البحث العلمي، توضح سهاد ياسين أن الأمر يعد مشكلة عامة بالدول العربية، لكنها تقول إن الباحثين عليهم الدور الأكبر في طلب تمويل لأبحاثهم. وتضيف، في ختام مقابلتنا: «يجب علينا ألا نقف مكتوفي الأيدي. أعمل ليل نهار للحصول على دعم مالي جديد، ومع كل رفض أدرك جيدًا أن عليّ العمل أكثر وأكثر، فالبحث العلمي بدون إمكانيات مادية متعب، ونتائجه محدودة».

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى