أخبار وتقارير

الأكاديمية السعودية منى الغريبي لـ«الفنار للإعلام»: استمرار الكليات النظرية بالجامعات العربية مرهون بتطوير المناهج الدراسية

مستفيدة من تجربتها في مواصلة دراساتها العليا في علم الاجتماع السياسي، بجامعة سيدني الأسترالية، استطاعت الأكاديمية السعودية منى الغريبي، التعرف على طرق بحثية حديثة، وتوظيفها في فهم التحولات التي يعيشها المجتمع السعودي إثر قرارات الانفتاح الأخيرة.

كانت الأستاذة بقسم الدراسات الاجتماعية بجامعة الملك سعود، من أوائل السعوديات اللائي سافرن إلى الدراسة بالخارج، في العام 2011، مدعومة بتشجيع والدها، رغم وجود اشتراطات لابتعاث الإناث. وتقول «الغريبي» في مقابلة مع «الفنار للإعلام» إن دراستها الدكتوراه بالخارج، ساهمت في إعادة بلورة مفهوم ودور علم الاجتماع، لديها، من خلال تنوع قضاياه وموضوعاته، وربطه بالعلوم الأخرى في البحوث.

التفكير النقدي

وأضافت الباحثة السعودية، التي تشغل عضوية مجلس إدارة الجمعية السعودية للدراسات الاجتماعية: «أميل بطبيعتي الإنسانية إلى التفكير التحليلي، والنقدي أكثر من الحفظ، حيث ساهمت دراستي لعلم الاجتماع في الخارج، والمشاركة في المؤتمرات، على إشباع الفضول، وتعزيز الحس النقدي بشكل أكثر عمقًا».

واختارت منى الغريبي، التي نشأت بالمدارس الحكومية السعودية، قضية: «اتجاه الفتيات السعوديات نحو قيم التحديث»، كأطروحة للماجستير بجامعة الملك سعود في العام 2000، وبعد سبعة عشر عامًا، جاءت رسالتها للدكتوراه بجامعة سيدني تحت عنوان: «دور رأس المال الاجتماعي في تشكيل وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني في السعودية».

استمرار الكليات النظرية بالجامعات العربية، مرهون بتطوير المناهج الدراسية، مع ضرورة تغيير صورة العلوم الاجتماعية في دوائر صنع القرار، وفي المجتمع بصفة عامة.

منى الغريبي أكاديمية سعودية

تزامنت عودة الباحثة السعودية إلى موطنها، عقب نيل الدكتوراه، مع إجراءات الانفتاح وتخفيف القيود التي كانت مفروضة من قبل. وقد ساهم نشاطها البحثي والأكاديمي، واختيارها في عضوية عدد من اللجان المتخصصة، في رصد أثر هذه التغيرات على المجتمع، بحسب قولها.

رؤية المملكة 2030

وتتضمن رؤية المملكة 2030، التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الكثير من الإصلاحات التي تعزز من دور ومكانة النساء في الحياة العامة.

وتعلق منى الغريبي بالقول إنها، كأكاديمية متخصصة في علم الاجتماع السياسي، كانت تشعر بالقلق من أن يخلق التغيير السريع، فجوة قد تؤدي إلى وقوع إلى بعض المشكلات، والصراعات بين الأفكار، والاتجاهات المختلفة، لكن المجتمع كان مستعدًا لهذا التغيير، وأظهر درجة عالية من المرونة على مستوى المؤسسات، والجماعات والأفراد، بالاضافة إلى وضع الإجراءات، والسياسات اللازمة، ما ساهم في سد هذه الفجوة، الأمر الذي بدد بواعث القلق، وحولها إلى عوامل للتفاؤل، وفق تعبيرها.

هذه الحالة من الانفتاح، انعكست على القطاع البحثي في السعودي، واختيارات الباحثين للموضوعات الجديدة في دراساتهم، والتي كانت غير مطروقة من قبل، مثل: دراسات المرأة، والتمكين، والجندر، ودراسات البيئة، والمجتمع الحيوي، والمسؤولية الاجتماعية، بالإضافة إلى توظيف تخصصات العلوم الاجتماعية في مراكز صناعة القرار، للمشاركة في عملية تقييم مسارات التطور، والمتغيرات، والموضوعات، محل الجدل أو البحث، وفق «الغريبي».

وترى الأكاديمية السعودية أن قضية تمكين المرأة في المملكة، راهنًا، قناة لتجديد وإنعاش الأفكار التطويرية. وتوضح أن الاهتمام بالكيّف عند استقطاب الفتيات حديثات التخرج، وخاصة في الأعمال التي تتطلب خبرة في مناصب صنع القرار، يتم من خلال تهيئتهن بشكل جيد، حتى لا يقعن في أخطاء مكلفة لجهة العمل. وتؤكد أن التمكين الحقيقي يهتم بالجودة، وليس بالعدد.

 إلى جانب مهامها التدريسية بجامعة الملك سعود، تحظى منى الغريبي بعضوية العديد من اللجان والوحدات على مستوى الجامعة وخارجها، كما شاركت في عضوية  المرصد الوطني للمرأة، الذي يتولي قياس مدى مشاركة المرأة السعودية في التنمية عبر بناء مؤشرات تفصيلية في مجالات متنوعة. وقد تم انتخابها لعضوية مجلس إدارة الجمعية السعودية للدراسات الاجتماعية، التي تأسست عام 2000، ونشطت مؤخرًا من خلال عقد المؤتمرات التي تستقطب خبراء وأكاديمين في الشأن الاجتماعي، وتنظيم ندوات تتناول قضايا جديدة، بالإضافة إلى إصدار مجلة علمية محكمة تهتم بنشر الأبحاث الحديثة.

وبالمثل، استحدثت الأكاديمية السعودية، نشاط المقهى السوسيولوجي، الذي ينظم لقاءات تناقش فيها الموضوعات الاجتماعية، بالإضافة إلى عقد عدة اتفاقيات تعاون مع جهات حكومية وأهلية، بحسب «الغريبي».

الجانب النظري والبحوث الميدانية

المخرجات التعليمية للدراسات النظرية لا تسير متوازية مع احتياجات سوق العمل، لأن التدريب العملي لم يؤخذ في الاعتبار خلال العملية التعليمية، فضلًا عن غياب التفكير النقدي عند بعض الطلبة، وغياب البحث أثناء الدراسة، في قضايا جديدة ترتبط بالتغيرات في المجتمع.

منى الغريبي أكاديمية سعودية

وتوصي أستاذة علم الاجتماع، بربط الجانب النظري بالمتغيرات اليومية والبحوث الميدانية، عند دراسة العلوم الاجتماعية بالجامعات السعودية، مع ضرورة إنعاش ما تسميه «الخيال السوسيولوجي» الذي تسببت مناهج البحث العلمي في تثبيطه، بحسب تعبيرها. وتقول إن الباحث الاجتماعي يختلف في تفسيره وتحليله للظواهر بمدى قدرته على استخدام الخيال السوسيولوجي الذي يجرد الباحث من القيود الشكلية للعلم. كما تشير إلى ضرورة دعم وتوظيف الدراسات البينية للوصول إلى فهم أكثر للواقع، وأهمية التوجه نحو إجراء البحوث الكيفية، مثل توظيف النظرية المجذرة التي تتناول القضايا الاجتماعية بشكل أكثر عمقًا من البحوث الكمية.

وترى منى الغريبي أن المخرجات التعليمية للدراسات النظرية لا تسير متوازية مع احتياجات سوق العمل، لأن التدريب العملي لم يؤخذ في الاعتبار خلال العملية التعليمية، فضلًا عن غياب التفكير النقدي عند بعض الطلبة، وغياب البحث، أثناء الدراسة، في قضايا جديدة ترتبط بالتغيرات في المجتمع.

مستقبل الكليات النظرية في الجامعات العربية

كما تعتبر الأكاديمية السعودية أن أنماط دراسة العلوم الاجتماعية، خلال العقود الماضية، أحدثت فجوة بين النظرية والتطبيق، بسبب الاعتماد على المعلومات والمناهج النظرية فقط، مشيرة إلى ضرورة تعزيز الجانب العملي سواء في شرح الأساتذة، أو عند إجراء الطلاب لبحوثهم، وكذلك في اختيار موضوعاتهم.

وبحسب تقرير للمجلس العربي للعلوم الاجتماعية، صدر في العام 2018، فقد تركزت دراسات الباحثين في العلوم الاجتماعية بالجامعات السعودية، خلال العقود السابقة، على إجراء بحوث حول قضايا الأسرة والجريمة، وسط غياب تام لقضايا الاجتماع السياسي. ويشير التقرير إلى أن 19% من الأوراق البحثية بالجامعات السعودية، البالغ عددها 1,037، خلال الفترة الممتدة بين عام 1970 حتى العام 2013، ركزت على الجريمة، والانحراف، والضبط الاجتماعي، مقابل تناول الصراع الاجتماعي، وتوظيف الأجانب في بحثين اثنين فقط.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وفي ختام هذه المقابلة، تدعو منى الغريبي إلى الربط بين مدارس السعودية، وجامعاتها في الأنشطة والفعاليات لتعزيز الحس النقدي عند الطلاب، وتعريفهم بالعلوم الاجتماعية بعيدًا عن النظرة النمطية السائدة. وتقول إن استمرار الكليات النظرية في جامعات المنطقة العربية، مرهون بتطوير المناهج الدراسية، مع ضرورة تغيير صورة العلوم الاجتماعية في دوائر صنع القرار، وفي المجتمع بصفة عامة، بحيث يتم إشراك الباحثين المتخصصين، كل في مجاله، في عملية صناعة القرار.

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى