أخبار وتقارير

الأكاديمية المصرية هانيا الشلقامي لـ«الفنار للإعلام»: تمكين المرأة العربية لا يقتصر على وجودها في المناصب العامة

بعبارات تنبت في قاموسها الأكاديمي من رحم خبراتها البحثية في تقصي قضايا الفقر، وأوضاع المرأة العربية منذ سنوات، تقدم الأكاديمية المصرية هانيا الشلقامي، أستاذة الأنثروبولوجيا بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، رؤية مختلفة لسياسات تمكين المرأة العربية.

وتقول الأكاديمية، التي شمل عملها الأكاديمي، في وقت سابق، الجامعة الأمريكية في بيروت، وجامعة الخليج العربي بالبحرين، وجامعة ييل الأمريكية، إن النظرة التنميطية لمفهوم تمكين المرأة في العالم العربي «تعود إلى ارتكاز الخطابات النسوية في العالم العربي، على أصداء لخطابات في عوالم أخرى». وتدعو إلى ضرورة ربط قضية التمكين بتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية لهذه المجموعات المهمشة من النساء اللاتي لا يستطعن الوصول إلى المزايا الاقتصادية أو الخدمات الحكومية.

وتضيف في مقابلة عبر «زووم» مع «الفنار للإعلام» أن تمكين المرأة عبارة عن فكرة عن العدالة الاجتماعية والإنسانية، ومدخل أساسي للتحرر الإنساني عمومًا. وتطالب بتحرير مفهوم «تمكين المرأة» مما تصفه بهيمنة صوت واحد، ومن سيادة توجهات، أو تفسيرات نظرية معينة عليه، حتى لا تقتصر جهود دعم المرأة على الجانب الحقوقي، أو الكمي من خلال وجودها في المناصب العامة فقط.

وتوضح أن علوم الأنثروبولوجي هي المنهجية التي ينبغي أن تكون حاكمة لفهم أولويات النساء من خلال معايشة أحوالهن، كما أنها المحدد الرئيسي لتشكيل السياسات التي يتم تنفيذها لتمكين المرأة. وتقول إن الحركة النسوية لم تأت لنصرة الصفوة، بل من أجل الأغلبية، ما يتطلب من صفوة المجتمع، أو السلطة، دعم مسارها تلك الحركة نحو قضايا التنمية، بحسب تعبيرها.

«تكافل وكرامة»

أطالب بتحرير مفهوم «تمكين المرأة» من هيمنة صوت واحد، ومن سيادة توجهات، أو تفسيرات نظرية معينة عليه، حتى لا تقتصر جهود دعم المرأة على الجانب الحقوقي، أو الكمي من خلال وجودها في المناصب العامة فقط.

هانيا الشلقامي أستاذة الأنثروبولوجيا بالجامعة الأمريكية في القاهرة.

هذا المفهوم للتمكين، انعكس على تصميم هانيا الشلقامي لبرنامج «تكافل وكرامة» للدعم النقدي المشروط في مصر، والمُطبّق منذ العام 2014، كأحد برامج الحماية الاجتماعية التي تقوم على فكرة دمج النساء والطبقات الأكثر احتياجًا. وجاءت مشاركة الأكاديمية المصرية في تصميم ذلك البرنامج بعد سنوات من العمل الميداني، حول احتياجات النساء المهمشات، واحتياجات أسرهن، بالقاهرة.

وعن تلك التجربة، تقول إن دراسة أحوال النساء غيّرت أفكارها كأكاديمية، وجعلتها أكثر وعيًا بالتشابكات بين عوالم الناس الأقل حظًا، مع العوالم الأخرى التي تتمثل في الحكومة والنخبة بالمجتمع. وخلال عملها ذاك، تقول الأكاديمية المصرية إنها اكتشفت، من التجربة الميدانية، غياب أدوات بحث علم الاجتماع التنموي عن جامعات المنطقة العربية كعلم نظري وتطبيقي، مشددة على أهمية مناهج العلوم الاجتماعية في صنع السياسات الاقتصادية والتنموية.

وقد شملت المسيرة البحثية لهانيا الشلقامي، الحاصلة على البكالوريوس في دراسات الشرق الأوسط من الجامعة الأمريكية بالقاهرة في العام 1985، دراسة مشروعات التنمية الريفية بثلاث قرى بمحافظة أسيوط، في صعيد مصر، في رسالتها لنيل درجة الماجستير، من نفس الجامعة، في العام 1988، وعندما انتقلت إلى بريطانيا في العام 1990، لدراسة الدكتوراه بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، كان موضوع الدراسة هو: «الأمومة كمورد صحي واجتماعي واقتصادي»، من واقع دراسة حالات لعدد من الأمهات بإحدى قرى مركز الحمام التابع لمحافظة أسيوط.

وتشير إلى أن التحول في دراسة العلوم الاجتماعية، خلال تجربتها، من الجانب النظري إلى العملي، كان له الإسهام الأكبر في تطورها الأكاديمي والبحثي. وتقول إن المشكلة الأكبر التي تواجه دراسة هذه العلوم بجامعات المنطقة العربية، تتمثل في جمود تدريس مناهج البحث، إلى جانب غياب الحرية الأكاديمية، ووجود قيود سياسية على البحث العلمي، بحسب تعبيرها.

وبحسب تقرير سابق، من المجلس العربي للعلوم الاجتماعية، فإن أكثر من 50% من الجامعات العربية لا تمتلك برامج دراسية في العلوم الاجتماعية. وفي هذا الصدد، ترى الأكاديمية المصرية أن مسؤولية التراجع في دراسة العلوم الاجتماعية بالمنطقة العربية، مرتبطة، بشكل رئيسي، بتقصير مسؤولي الجامعات، والقيادات الأكاديمية، في تطوير المناهج، وتقديم الدعم المطلوب للباحثين، بسبب اهتمامهم بالجانب المادي الربحي عن الجوانب الأخرى في التعامل مع هذه النوعية من الدراسات شديدة الخصوصية، على حد قولها.

العلوم الاجتماعية والإنسانية، تعاني، بشكل خاص، من الاقتطاعات في ميزانية التعليم العالي، وخاصة في ظل اعتقاد البعض بأنها مناهج لا تحقق الأرباح السريعة مثلما هو الحال في الكليات التطبيقية.

هانيا الشلقامي أستاذة الأنثروبولوجيا بالجامعة الأمريكية في القاهرة

وتضيف أن العلوم الاجتماعية والإنسانية، تعاني، بشكل خاص، من الاقتطاعات في ميزانية التعليم العالي، وخاصة في ظل اعتقاد البعض بأنها مناهج لا تحقق الأرباح السريعة مثلما هو الحال في الكليات التطبيقية، إلى جانب إهمال مناهج العلوم الاجتماعية في صنع السياسات، ووجود فجوة بين أبحاث ودراسات علماء الاجتماع، وواقع مجتمعاتهم، كما تقول. وردًا على سؤال حول مستقبل هذه العلوم في العالم العربي، تجيب العضوة المؤسسة للمجلس العربي للعلوم الاجتماعية، بالقول إن باحثي العلوم الاجتماعية والإنسانية هم الأكثر تأثرًا، من زملائهم الأكاديميين بالقطاعات الأخرى، بآثار جائحة كورونا، والانكماش الاقتصادي الناتج عنها، ما يجعلها «متشائمة» بشأن فرص وجود برامج دراسية متطورة لهذه العلوم بالجامعات العربية.

الصحة النفسية بالمستشفيات الحكومية

غير بعيد عن ملف تمكين المرأة، والفئات المهمشة، تدعو الأكاديمية المصرية إلى إدراج برنامج للصحة النفسية في برامج العلاج التأميني بالمستشفيات الحكومية المصرية، وخاصة في ظل تنامي الضغوط النفسية الناجمة عن الأوضاع الاقتصادية، وتداعيات وباء كوفيد-19، والاستخدام «الكثيف» للسوشيال ميديا. كما تشارك في جهود حثيثة لتحقيق هذا الأمر بالتعاون مع عدة مؤسسات معنية بالملف نفسه.

وتقول إن الجميع أصبح أكثر عرضة للحوادث والأمراض نتيجة الضغوط التي تركت آثارًا كبيرة على الصحة النفسية للكافة، دون اعتبار للخلفية الاجتماعية، أو المادية. كما تعتبر أن الصحة النفسية بالنسبة للنساء والطبقات الأكثر احتياجًا لم تعد «رفاهية»، حيث تؤثر على إنتاجيتهم، ووضعهم الاقتصادي، وفق قولها.

وفي ختام هذه المقابلة، تؤكد هانيا الشلقامي على أن دعم برامج الصحة النفسية، سواء في الجامعات، أو للطبقات الأكثر احتياجًا أصبح «ضرورة واجبة»، من أجل دعم إنتاجية هذه المجتمعات. كما تنادي بتوظيف علم الاجتماع الطبي في فهم الاحتياجات الصحية للمجتمع، وأن يكون ذلك أولوية لدى صناع القرار عند تصميم السياسات الصحية.

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى