أخبار وتقارير

سوق العمل وخريجو الجامعات الجزائرية.. جدل حول رهن التوظيف بالتنازل عن الشهادة الأكاديمية

من بين محاور شتى يتناولها الجدل المستمر حول العلاقة بين مخرجات التعليم العالي في العالم العربي، وسوق العمل، تضيف التجربة الجزائرية في توظيف الشباب محورًا جديدًا يتعلق باشتراط التنازل عن الشهادة الأكاديمية مقابل الحصول على وظيفة مستقرة.

هذه الصيغة التي يرفضها بعض الخريجين، ويتقبلها البعض الآخر، فرضتها – كما تقول مصادر رسمية – صعوبة المعادلة الخاصة بأعداد الخريجين من جهة، والميزانية المتوفرة للجهات الحكومية من أجل ملف التوظيف، من جهة ثانية.

وبموجب هذا الشرط، لا يحق للمستفيدين من الوظيفة، من خريجي الجامعات الجزائرية، على اختلاف مؤهلاتهم العلمية، المطالبة لاحقًا بأي تعديل في أوضاعهم الوظيفية، أو علاقتهم الإدارية بالمؤسسة التي ينتسبون إليها.

وعن ذلك، يقول مهدي قادري، خريج جامعة العفرون بالبليدة، جنوب الجزائر العاصمة، في تصريح لـ«الفنار للإعلام»: «لا يمكن أن تضيع سنوات دراستنا الجامعية، لمجرد خطة إسكات انتهجتها الحكومة، للتخلص من نمط عقود ما قبل التشغيل، وسنواصل النضال إلى غاية إسقاط هذا الشرط».

وبحسب «قادري» الذي يحمل درجة الماجستير في التاريخ، فإنه ينظم، مع آخرين، بشكل دوري، اعتصامات أمام هيئات مختلفة، للمطالبة بالتراجع عن الشرط الموضوع، والاكتفاء بإدماج الخريجين في العمل، كل حسب شهادته وتخصصه.

عقود ما قبل التشغيل

اعتمدت الجزائر، قبل عشر سنوات، نمط عقود ما قبل التشغيل، لتوظيف حاملي الشهادات من مختلف الجامعات، والمعاهد، والمدارس العمومية، وذلك بمنحهم فرصًا مؤقتة تنتهي بعقود إدماج في مختلف القطاعات، عمومية أو خاصة. وبحسب رمزي بن سراج، خبير الموارد البشرية، فإنه هذه العقود المهنية تقضي بتشغيل الخريجين، من عمر 19 إلى 35 عامًا، ويكون ذلك في مؤسسة عمومية، أو خاصة، على أن تقوم مديرية التشغيل بدفع منحة شهرية للمتعاقدين، لفترة محددة حسب نوع العقد المبرم.

واقع العدد الكبير لحملة الشهادات، والعاملين تحت مظلة عقود ما قبل التشغيل، يفرض البحث عن صيغة توازي بين هذا العدد وميزانية الدولة، وهو ما أنتج فكرة شرط التنازل عن الشهادة الجامعية.

عبد اللطيف صالح أحد مسؤولي وكالة محلية للتشغيل شرق الجزائر

ويوضح أن هذه المنحة تتراوح، في بداية العقد، ما بين 8,000 إلى 12,000 دينار جزائري، (54 – 82 دولارًا أمريكيًا) قبل أن ترتفع في السنوات الأخيرة إلى 18,000 دينار جزائري (123 دولارًا). وبموجب العقد نفسه، يمكن تشغيل خريجي الجامعات لمدة محددة، أو لمدد مفتوحة حتى يتم الإدماج في الوظائف.

ويضيف خبير الموارد البشرية أنه لا يوجد قانون واضح يلزم المؤسسات الجزائرية بإدماج الشاب العاملين وفق عقود ما قبل التشغيل، وبالتالي يبقى مصيرهم مجهولًا، وفي أغلب الحالات تنتهي مدة العقود دون إدماج، وهو ما يجعل هؤلاء الشباب – بتعبير رمزي بن سراج – عرضة لمختلف أنواع الاضطرابات النفسية، وعدم الاستقرار الاجتماعي طيلة مدة العقد التي تمتد ثلاث سنوات في معظم الأحيان، بالإضافة إلى أن قيمة المنحة الشهرية لا تلبي حاجة المستفيدين.

وبعد سنوات من الانتظار من أجل الإدماج، فوجئ العاملون من خريجي الجامعات بقرار حكومي يشترط التنازل عن الشهادة الجامعية مقابل إتمام هذه الخطوة. ومن جانبها، تقول بثينة رحرارح، وهي تحمل الليسانس في الإعلام والاتصال، من جامعة محمد لمين دباغين: «اعتقدنا في البداية أن كل عقود ما قبل التشغيل تنتهي بالإدماج الآلي بعد سنوات العمل الفعلية، وكنا نقدم ما نملك من أجل إنجاح أهداف المؤسسة التي نعمل بها، فإذا بنا نصطدم بمثل هذا الشرط». وبالمثل، تقول بتاتا بثينة، إنها لا يمكن لها التنازل عن شهادتها الجامعية، أو السماح لأحد بالتلاعب بها لأنها «شيء مقدس».

وفيما تشير رانيا حداد، حاصلة على الماجستير في البيولوجيا، من جامعة باجي مختار، إلى غياب السند القانوني لهذا الشرط، يقول خبير الموارد البشرية، رمزي بن سراج إن المؤسسات الرسمية لجأت إلى تغطية غياب قانون خاص للتنازل عن الشهادة الجامعية، من خلال تعهدات كتابية يوقعها طالب العمل، يتنازل فيها عن الشهادة.

«لا يمكن أن تضيع سنوات دراستنا الجامعية، لمجرد خطة إسكات انتهجتها الحكومة، للتخلص من نمط عقود ما قبل التشغيل، وسنواصل النضال إلى غاية إسقاط هذا الشرط»

مهدي قادري حاصل على الماجستير من جامعة العفرون بالبليدة – الجزائر.

وبعد عملها تسع سنوات ضمن عقود ما قبل التشغيل، تقول سهام بن جعيدر، من ولاية برج بوعريريج، وتحمل شهادة الليسانس في العلوم القانونية والإدارية، إنها قبلت الإدماج مقابل التنازل عن شهادتها الجامعية «نظرًا لظروف العمل وانعدام الفرص والأمل البعيد». وتوضح لـ«الفنار للإعلام» أنها توصلت إلى قرارها ذاك بعدما أدركت أن التنازل عن الشهادة الجامعية هو وسيلتها لنيل وظيفة مستقرة. وبالمثل، تقول حكيمة نواري، الحاصلة على الليسانس في العلوم الاقتصادية، إنها وافقت، هي وزوجها، على الإدماج في مستوى وظيفي أقل، «حتى لا يبقيا في قاعة الانتظار لسنوات أخرى إن لم يقبلا بشرط التنازل».

قرار رسمي

في المقابل، يقول عبد اللطيف صالح، أحد مسؤولي وكالة محلية للتشغيل شرق الجزائر، إن شروط الإدماج الأخيرة، ومنها التنازل عن الشهادة الجامعية، تأتي في إطار محاولة الحكومة، منذ العام 2019، إغلاق ملف عقود ما قبل التشغيل، وتوفير وظائف مستقرة لهؤلاء العاملين.

ويضيف في تصريح لـ«الفنار للإعلام» إن واقع العدد الكبير لحملة الشهادات، والعاملين تحت مظلة عقود ما قبل التشغيل، يفرض البحث عن صيغة توازي بين هذا العدد وميزانية الدولة، وهو ما أنتج فكرة شرط التنازل عن الشهادة الجامعية، بحسب تعبيره.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

ويتابع عبد اللطيف صالح أن هذا التنازل يبقى اختياريًا، كما أنه يأتي إعمالًا لما أقرته المديرية العامة للوظيفة العمومية والإصلاح الإداري، بشكل استثنائي، في قرارها رقم 9904 بتاريخ السابع والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر من عام 2020، بإمكانية إدماج الأعوان المستفيدين من جهازي المساعدة على الإدماج المهني، والإدماج الاجتماعي لحملة الشهادات، في رتب أدنى من مستويات تأهيلهم الفعلية، شريطة موافقتهم الصريحة على هذا الإجراء، وعدم مطالبتهم مستقبلًا بمراجعة وضعيتهم الإدارية، على حد قوله.

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى