أخبار وتقارير

هل تخصم الجامعات النسائية من فكرة المساواة؟ جدل عراقي

رغم مرور سنوات على تأسيس جامعة الزهراء للبنات، بمدينة كربلاء العراقية، إلا أن الجدل المواكب لإطلاق هذا النوع من المؤسسات التعليمية، ما يزال قائمًا في الأوساط الأكاديمية.

ويدور هذا الجدل بين فريقين، أحدهما يعتقد أن الجامعات النسائية «تخصم من فكرة المساواة»، بينما يرى الفريق الآخر أنها «تقدم خدمة تعليمية لقطاعات كادت أن تفقد حقها في التعليم».

ويشير تقرير صادر عن «اليونسكو» في العام 2019، إلى أن نحو 26.4% من العراقيات «أميات»، فيما ترتفع هذه النسبة بالمناطق الريفية حتى تصل إلى 50%.

تقول الطالبة مرام يوسف (18 عامًا)، إنها اختارت الالتحاق بالجامعة، منذ ثلاث سنوات، بمحض إرادتها، رغم قبولها في جامعات حكومية أخرى. وتشير في اتصال هاتفي مع «الفنار للإعلام»، إلى أن الالتحاق بجامعة مخصصة للنساء «يؤثر بالإيجاب في اجتياز الصعوبات المحتملة في الجامعات المختلطة»، على حد تعبيرها.

«الحكم على وجود جامعة خاصة بالإناث مرتبط، بشكل رئيسي، بكيفية استخدم هذا النوع من التعليم في تقوية المرأة، وتمكينها، وليس تحجيمها، وقمعها، بالإضافة إلى السياق المجتمعي الذي نشأت فيه، والعوامل التي أدت لوجودها».

ميساء جابر أستاذة اللغة الإنجليزية بجامعة بغداد

وتدافع «يوسف»، عن فكرة الجامعة، بالقول إن الدراسة فيها «حق أساسي واختيار حر يجد قبولًا مجتمعيًا»، وتضيف أن الاندماج بين الجنسين لا يقتصر على وجودهما معًا داخل قاعة دراسية واحدة.

الجامعة، التي بدأت نشاطها الدراسي في العام 2019، تعد أول مؤسسة أكاديمية بمستوى جامعة، تتبع وزارة التعليم العالي في العراق، وتختص بتعليم الإناث، وفق القرار الوزاري الصادر بتأسيسها في كانون الأول/ديسمبر 2018، حيث تضم ثلاث كليات هي: الصيدلة، والتقنيات الصحية والطبية، والتربية. ويدرس في هذه الكليات حاليًا 2850 طالبة ينتمين إلى عدد من محافظات البلاد.

والجامعة تابعة للعتبة الحسينية المقدسة في كربلاء، وهي مؤسسة دينية شيعية، تدير أعمالًا تعليمية، وخيرية، وإنشائية جنوب العراق.

بدأت فكرة تأسيس الجامعة، في العام 2016، بعد رصد حالات رفض من بعض الأسر «المحافظة» بمدن الكوفة، والنجف، وكربلاء، لالتحاق فتياتهم بجامعات مختلطة، بحسب عبد الرزاق العيسى، وزير التعليم العالي بالعراق حينذاك.

ويوضح «العيسى»، لـ«الفنار للإعلام» أن موقف هذه الأسر يعود إلى «قناعات وأسباب دينية واجتماعية»، مشيرًا إلى اضطرار عدد من البنات للالتحاق بكلية التربية الخاصة بالإناث في جامعة الكوفة، رغم اقتدارهن العلمي على الالتحاق بالكليات الطبية المختلطة.

وفيما يقول «العيسى»، إن الجامعة «يجب أن تكون مجالًا للمساوة الجندرية بين الرجل والمرأة»، إلا أنه يعزو قرار وزارته بتأسيس الجامعة النسائية، قبل سنوات، إلى «تلبية الظروف المجتمعية والاقتصادية لأحوال هذه المدن، ومساعدة الفتيات على مواصلة التعليم، بعد اضطرار بعضهن إلى الانقطاع لأسباب مرتبطة برفض الأسر فكرة الاختلاط».

جامعات نسائية في أمريكا وأوروبا

«تأسيس جامعة، بقرار حكومي، تقوم على هذا المبدأ يمثل مسألة خطيرة، ويعزز وجود أخطاء في العلاقة بين الجنسين، وزيادة التجاوزات بينهما، لأن كل ممنوع مرغوب».

هديل عبد الحميد باحثة عراقية في الدراسات النسوية – جامعة ديكين الأسترالية

من جانبها، تقول رئيسة الجامعة زينب السلطاني إن وجود جامعة للإناث «ليس عيبًا، أو تخلفًا في ظل وجود مؤسسات تعليمية أوروبية مشابهة». وتشير في تصريحات لـ«الفنار للإعلام»، إلى «الجامعة الدولية للمرأة» في أوروبا (International Women’s University) والمعروفة اختصارًا باسم: IFU.

وتضيف أن جامعتها «نجحت، خلال الأعوام الماضية، في إعداد فتيات قياديات، وتزويدهن بالمهارات التعليمية والحياتية». وتقول إن أهداف الجامعة تتمثل في إحداث تغيير إيجابي للطالبات، عبر تطوير أنشطة التعليم والتعليم، والتدريب، في إطار استراتيجية واضحة، وتنمية مهاراتهن في البحث العلمي والابتكار، من خلال توفير برامج تعليمية عالية الجودة، وفق تعبيرها.

كما ترى المسؤولة الأكاديمية أن وجود الجامعة يعزز الثقة عند النساء، بمعزل عن الرجال، مما ينعكس بالإيجاب على تحصيلهن العلمي، وراحتهن النفسية، وتحقيقهن مستويات متقدمة.

يدير الجامعة طاقم تدريسي وإداري بواسطة النساء بنسبة 70%، فيما تستعين إدارة الجامعة بأساتذة من الذكور لسد العجز في الطاقم التدريسي بالكليات الطبية.

وبعد خبرة سابقة، مدتها أربع سنوات، في جامعات مختلطة، تقول عضو هيئة تدريس جامعة الزهراء للبنات، وفاء الصحن، إن التدريس للإناث أفضل بالنسبة لها. وتضيف الأكاديمية الحاصلة على الدكتوراه في اللغة الإنجليزية من جامعة بغداد، إن الطالبات أكثر هدوءًا، واستيعابًا للدروس، ما يجعلها أكثر هدوءًا، وفاعلية، خلال القيام بمهمتها.

وتضيف لـ«الفنار للإعلام» أن أهمية وجود جامعة للإناث، تنبع من استيعابها لطالبات لا تريد لهن أسرهن، الانضمام إلى جامعات مختلطة. وتتساءل: «لماذا يتم حرمان الفتاة من استكمال الدراسة الجامعية ما دامت هناك فرص وبدائل لمساعدتها على ذلك؟».

«مسألة خطيرة»

«وجود الجامعة يعزز الثقة عند النساء، بمعزل عن الرجال، مما ينعكس بالإيجاب على تحصيلهن العلمي، وراحتهن النفسية، وتحقيقهن مستويات متقدمة».

زينب السلطاني رئيسة جامعة الزهراء للبنات بالعراق

في المقابل، لا تؤيد هديل عبد الحميد، الباحثة العراقية في الدراسات النسوية، الفكرة. وتقول لـ«الفنار للإعلام» إن الجامعة التي أنشئت بقرار حكومي «تدعم الانفصال بين الجنسين في الفصول الدراسية، ووجود فجوة بينهما في علاقتهما». وتعتبر الأمر «أحد نتائج التحولات المجتمعية التي أعقبت الغزو الأمريكي للعراق، في العام 2003، والتي جعلت المجتمع العراقي أكثر تشددًا».

وتضيف الباحثة بمعهد المواطنة والعولمة في جامعة ديكين الأسترالية، إن حل مشكلة تخوف الأسر «المحافظة» من الجامعات المختلطة، يبدأ من تصميم سياسات لتغيير طريقة تفكير هذه المجموعات، وتشجيع الفتيات على الاختلاط، والتأكيد على الاحترام المتبادل بين الجنسين، بحسب قولها.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وتشير «عبد الحميد» إلى أنها خاضت تجربة التدريس، قبل عقدين، بالجامعة العراقية في بغداد، وهي جامعة مختلطة، وقالت إنها كانت «تضطر إلى الفصل بين الجنسين في بعض الأوقات» بحسب تعليمات من إدارة الجامعة. وفيما تقول إن الفصل بين الذكور والإناث، ليس جديدًا بالعراق، إلا أنها ترى أن تأسيس جامعة، بقرار حكومي، تقوم على هذا المبدأ يمثل «مسألة خطيرة، ويعزز وجود أخطاء في العلاقة بين الجنسين، وزيادة التجاوزات بينهما، لأن كل ممنوع مرغوب».

«تمكين المرأة»

وبدورها، تقول ميساء جابر، أستاذة اللغة الإنجليزية بجامعة بغداد، في تصريح هاتفي لـ«الفنار للإعلام» إن المسألة مرتبطة بكيفية توظيف هذا النوع من التعليم، وتقييم انعكاسه على المرأة، سلبًا أو إيجابًا، كشرط أساسي للقبول به. وتوضح أن التعليم الخاص بالنساء، موجود حتى في الولايات المتحدة الأمريكية. وتضرب مثالًا على ذلك بـ«كلية سكريبس» (Scripps College) في كليرمونت بكاليفورنيا.

وتضيف «جابر» أن الحكم على وجود جامعة خاصة بالإناث «مرتبط، بشكل رئيسي، بكيفية استخدم هذا النوع من التعليم في تقوية المرأة، وتمكينها، وليس تحجيمها، وقمعها، بالإضافة إلى السياق المجتمعي الذي نشأت فيه، والعوامل التي أدت لوجودها».

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى