أخبار وتقارير

العراقية هديل عبد الحميد.. الإفلات من نكبات الحروب إلى البحث العلمي في أستراليا

بسيرة تختلط حكاياتها بأبرز الحروب التي خاضها العراق، ومدفوعة بالبحث عن ملاذ هربًا من العنف الطائفي، الذي تصاعد بعد الغزو الأمريكي لبلدها، في العام 2003، تمكنت الأكاديمية العراقية هديل عبد الحميد من اللجوء إلى أستراليا، في آب/أغسطس 2011، لتبدأ حكاية جديدة مع البحث، والتعلم، والحياة.

وهذه الحكاية نرصدها لكم، اليوم، ضمن سلسلة حلقاتنا التي نقدمها في إطار إحياء ذكرى يوم اللاجئ العالمي، والتي تحين في العشرين من حزيران/يونيو، كل عام.

في مقابلة عبر «زووم» مع «الفنار للإعلام»، تروي الأكاديمية الحاصلة على الماجستير في الدراما الأمريكية المعاصرة، في العام 2010، من جامعة بغداد، كيف عانت من صعوبات شتى خلال عملها كعضو هيئة تدريس بكلية اللغات في الجامعة نفسها. ومن هذه المصاعب: التمييز تجاهها كامرأة، وغياب الحرية الأكاديمية، وفقر الإمكانيات، جنبًا إلى جنب مع خطر أعمال العنف، والانفجارات المتكررة في العاصمة العراقية، خلال تلك الفترة.

وتشير إلى أن الحروب الثلاث التي خاضها بلدها، إلى جانب أعمال العنف الطائفي في الداخل العراقي، تركت بداخلها تأثيرات نفسية جعلتها تعيش «صدمة هائلة» وشعورًا دائمًا بأنها تحت التهديد، وفق تعبيرها. وهذه الحروب الثلاث تشمل: الحرب العراقية – الإيرانية (1980 – 1988)، وجراء هذه الحرب تعرض والدها للسجن لعشرين سنة في إيران، وحرب الخليج التي أعقبت غزو العراق للكويت (1990)، والغزو الأمريكي – البريطاني للعراق (2003).

تباين نظم التعليم

«أؤكد على أهمية وجود دعم مؤسسي ونفسي للمهاجرين من دول النزاع، وخاصة أولئك الراغبين، منهم، في مواصلة عملهم الأكاديمي والبحثي. نحن ضحايا للحروب التي اضطرتنا للنزوح القسري، وكثيرون منا يعيشون معاناتهم في ظل غياب أي دعم حقيقي».

هديل عبد الحميد أكاديمية عراقية – باحثة بمعهد المواطنة والعولمة – جامعة ديكين الأسترالية

حين تنفست «عبد الحميد» الصعداء، عندما حطت رحالها في المهجر، لم تكن التحديات التي رافقت مسيرتها قد انتهت، ولكنها كانت تستعد لشكل آخر من العقبات، وتحديدًا ما يرتبط بـ«التباين الكبير» في نظم التعليم بين بلدها الأم ودولة اللجوء، سواء في الدراسة، أو عند التقديم في منح الدراسات العليا، فضلًا عن تحديات التعرف على كيفية التشبيك مع المجتمع البحثي في أستراليا أو خارجها.

أمام هذه الصعوبات، لم تقف الأكاديمية العراقية مكتوفة الأيدي، بل واجهتها بالعمل من أجل الحصول على دبلومة متخصصة في التعليم العالي من المعهد الملكي للتكنولوجيا في ملبورن لمدة سنة كاملة، قبل أن تتجه إلى البحث عن منح الدراسات العليا، مما عزز قدراتها في فهم آليات نظام التعليم الأسترالي، ومتابعة نظام تعليم أبنائها في المدارس الأسترالية، والتعرف على المجتمع البحثي في أستراليا، ومعرفة كيفية نشر الأبحاث العملية بشكل دقيق.

كان هذا الاندماج في المجتمع الأسترالي –  وفق هديل عبد الحميد – عاملًا مساعدًا لها على الترقي الأكاديمي السريع، والحصول على فرص عمل في الجامعات الأسترالية، مشددة على أهمية «وجود إرادة عند اللاجيء على التفاعل والتأقلم مع المجتمعات المضيفة، دون التخلي عن العادات المجتمعية والتقاليد الدينية». وتوضح أن اللاجئين من البلدان التي مزقتها الحروب لديهم قدر كبير من الخبرة والمؤهلات والمهارات التي يمكن الاستفادة منها في دول المهجر، حال تجاوز صعوبة الاندماج فقط.

وتقول «عبد الحميد»، الباحثة في معهد المواطنة والعولمة بجامعة ديكين الأسترالية إنها فخورة بكونها لاجئة وأكاديمية في أستراليا. وتعتبر نفسها نتاجًا لهذا الاغتراب واللجوء والحياة الجديدة التي بدأتها من الصفر، وأعادت تشكيل هويتها، بحسب تعبيرها. وتضيف: «الحياة أعطتني هذه الفرصة لي ولأسرتي، ولم يكن أمامي سوى استثمارها، من خلال الاندماج، والتأثير من خلال الترقي المهني والنشر الأكاديمي».

خلال وجودها في المهجر، حصلت الباحثة العراقية على درجة الدكتوراه من جامعة لاتروب بمدينة ملبورن الأسترالية، في رسالة بحثية حول المقارنة بين المسرحين الحربيين في العراق وأستراليا، كما عملت كباحثة متخصصة في الدراسات النسوية العراقية بمعهد كونراد أديناور الألماني.

وكان مما ساعد الأكاديمية العراقية، في المهجر، التعرف على شخصيات دعمت مسيرتها العلمية، ورشحتها لاستكمال دراساتها العليا، والعمل، لاحقًا، لدى عدد من المراكز البحثية. واحدة من هؤلاء الداعمين هي غليندا هامبلي، الأستاذة المتخصصة في الكتابة الإبداعية بجامعة لاتروب بمدينة ملبورن الأسترالية، والتي التقت هديل عبد الحميد، للمرة الأولى في عام 2015، حين تزاملتا خلال مرحلة دراسة الدكتوراه بجامعة لاتروب، قبل أن تتوطد علاقتهما معًا في مشروعات بحثية.

«معرفتي الشخصية بفشل تجارب كثير من اللاجئين في الاندماج، والحصول على فرص عمل في أستراليا، تجعلني مدركة لجهد وإصرار هديل على تجاوز هذه الصعوبات التي واجهتها. إنني أعتبرها امراة غير عادية».

غليندا هامبلي أكاديمية أسترالية – جامعة لاتروب بمدينة ملبورن

وتقول «هامبلي»، في مقابلة عبر البريد الإلكتروني مع «الفنار للإعلام» إن تأسيس حياة في بلد جديد أمر صعب على الجميع، لكن «تصميم هديل، وإيجابيتها في التعامل مع القضايا، ومرونتها، جعلها تزدهر، وتزيد خبراتها في مجالات بحثية متنوعة»، موضحة أن نجاحها انعكس على نشاطها في شبكات علمية لأكاديميات عربيات وأستراليات لمساعدتهن، وتعزيز قدراتهن البحثية.

وتضيف الأكاديمية الأسترالية: «معرفتي الشخصية بفشل تجارب كثير من اللاجئين في الاندماج، والحصول على فرص عمل في أستراليا، تجعلني مدركة لجهد وإصرار هديل على تجاوز هذه الصعوبات التي واجهتها. إنني أعتبرها امراة غير عادية».

بين صعوبات الوطن والمنفى

كما تقول «هامبلي» إن شغف هديل عبد الحميد  المستمر في اكتشاف كل ماهو جديد ساعدها، أيضًا، على الاندماج سريعًا، مشيرة إلى أن ذلك انعكس على توظيفها لمعرفتها العميقة لقضايا النوع الاجتماعي بالعراق، في إنتاج بحوث تعتمد على المقارنة بين أوضاع المرأة والمسرح في البلدين، قياسًا على السياقات الاجتماعية، والسياسية.

ومن واقع معرفتها بالصعوبات التي تواجه الأكاديميات العراقيات في الداخل والمهجر، أسست «عبد الحميد» شبكة بحثية، تجمع الأكاديميات عبر الإنترنت، لدعم العراقيات في المجال العلمي، داخل وخارج البلاد. وعن تلك التجربة تقول: «الشبكة مشروع أنقل من خلاله خبراتي لمساعدة الأكاديميات العراقيات على مواجهة الصعوبات التي واجهتها سواء في الداخل أو الخارج. وأطمح أن تتحول إلى مؤسسة تساعد العراقيات على نشر بحوثهن، وتأهيلهن للمشاركة في المؤتمرات البحثية».

كما توظف «عبد الحميد»، خبراتها الدراسية، في إنتاج بحوث متخصصة في الدراسات النسوية العراقية، وتقصي أثر الحرب، والعنف الطائفي، على المجتمع العراقي. وتوضح أن كتابة البحوث عن العراق وسيلة للتواصل مع بلدها، ومتابعة أحواله، واكتشاف حجم التغير الذي لحق به، و«تأكيد على التشبث بالهوية العراقية رغم البعد المكاني».

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

اتصالًا بتلك الجهود، تقول الباحثة العراقية غادة فتحي، عبر البريد الإلكتروني لـ«الفنار للإعلام»، إن بحوث هديل عبد الحميد تعتمد على تسليط الضوء على «ثغرات معرفية» عن المجتمع العراقي، ولاسيما ما يتعلق بموضوعات تخص المرأة «في ظل الظروف التي يواجهها البلد منذ العام 2003». وتضيف «فتحي»، وهي باحثة ومترجمة لدى إحدى المؤسسات الرسمية في بغداد، إن أطروحة «عبد الحميد» التي نالت بها الدكتوراه، «تعد فاصلًا مهمًا في ايجاد الاختلافات الجندرية والمسرحية بين الشعوب التي تعيش الحرب، والتي تشاهدها عن بعد، عبر التمثيل والمقارنة بين أستراليا والعراق».

في ختام مقابلتنا معها، تؤكد هديل عبد الحميد، على أهمية وجود دعم مؤسسي ونفسي للمهاجرين من دول النزاع، وخاصة أولئك الراغبين، منهم، في مواصلة عملهم الأكاديمي والبحثي. وتقول: :«نحن ضحايا للحروب التي اضطرتنا للنزوح القسري، وكثيرون منا يعيشون معاناتهم في ظل غياب أي دعم حقيقي».

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى