أخبار وتقارير

الأكاديمية الأردنية حنان الملكاوي لـ «الفنار للإعلام»: البحث العلمي في المنطقة العربية يفتقر إلى استراتيجية واضحة

بعد مسيرة تعليمية وبحثية لافتة، جاء التكريم الملكي الأردني للأكاديمية حنان الملكاوي، مؤخرًا، ليلقي الضوء على جهودها العلمية في توظيف بحوثها لخدمة مجالات متعددة مثل الأمن الغذائي، والصناعة، وحتى ريادة الفضاء.

في الخامس والعشرين من أيار/مايو الماضي، وخلال احتفال المملكة الأردنية بعيد استقلالها السادس والسبعين، تلقت «الملكاوي»، أستاذة الأحياء الدقيقة والبيولوجيا الجزيئية بجامعة اليرموك، من العاهل الأردني، وسام الملك عبد الله الثاني للتميز من الدرجة الثانية «تقديرًا لدورها الكبير، وإسهاماتها في مجالات التكنولوجيا الحيوية، وتكنولوجيا النانو، وتطبيقاتها في الطب، والبيئة، والزراعة، والغذاء، والصناعة».

وبالإضافة إلى نشرها «ما يزيد عن 70 بحثًا في مجلات عالمية، وعدد من براءات الاختراع»، فقد سبق أن فازت في العام 2014، بجائزة «أفضل القادة في التعليم والريادة والابتكار عن قارة آسيا للعام 2014»، والتي تمنحها منظمة القيادة التعليمية الآسيوية، لقادة التعليم العالميين البارزين، «تقديرًا لإسهاماتهم المميزة في مجال التعليم».

«معظم البحوث التي يتم إنجازها داخل الجامعات، والمراكز البحثية العربية، يغلب عليها الطابع النظري الشمولي والعمومية، ولا تقوم على أسئلة جادة لخلق حلول، والتغلب على الصعاب، ومواجهة التحديات في المجتمع».

حنان الملكاوي أكاديمية أردنية

تشغل «الملكاوي»، حاليًا، منصب رئيس اللجنة الأكاديمية لصندوق دعم البحث العلمي والابتكار بوزارة التعليم العالي الأردنية، كما سبق أن تولت منصب نائب رئيس الجمعية العلمية الملكية بالأردن، ومنصب عميد البحث العلمي ودراسات الدكتوراه بجامعة حمدان بن محمد الذكية في دبي.

مسيرة تعليمية واعدة

نشأت حنان عيسى الملكاوي، المولودة في إربد، شمال الأردن، في أسرة يعمل عائلها معلمًا بالتربية والتعليم، بينما تعمل الأم حائكة لتعين الأسرة على مشاق الحياة. وكانت «الملكاوي» واحدة من عشرة أبناء للأسرة؛ أربع ذكور، وست إناث.

حين تفوقت في الثانوية العامة، وحصدت المركز الأول على مستوى محافظة إربد، فازت بمنحتين، إحداهما لدراسة الطب في الولايات المتحدة الأمريكية، والثانية لدراسة العلوم الحياتية بجامعة اليرموك. وكما تروي في مقابلة عبر «زووم» مع «الفنار للإعلام»، فقد كانت رغبة الأهل في إبقاء ابنة الثامنة عشرة إلى جانب الأسرة، وراء تغليب قرار اختيار المنحة الثانية.

وفق دليل أعضاء الهيئة التدريسية بجامعة اليرموك، فقد نالت «الملكاوي»، بكالوريوس العلوم الحياتية من الجامعة في العام 1981، قبل أن تنال منحة كاملة لدراسة الماجستير والدكتوراه من جامعة ولاية واشنطن الأمريكية.

https://www.bue.edu.eg/

في ذلك الوقت، لم تكن حنان الملكاوي قد تزوجت بعد، وكانت تقاليد العشيرة تأبى سفرها بمفردها دون زواج، غير أن والدها أقنع الأم بسفر الابنة المتفوقة، وهو يقول للأخيرة: «أثق أنك ستعودين بالماجستير والدكتوراه». وتحقق ما قاله الوالد بالفعل، حيث حازت ابنته درجة الماجستير في علم البكتيريا من جامعة ولاية واشنطن، في العام 1984، والدكتوراه في الأحياء الدقيقة والبيولوجيا الجزيئية من الجامعة نفسها، في العام 1987.

حنان ملكاوي مع أعضاء فريقها البحثي داخل أحد المختبرات بجامعة اليرموك في الأردن. (الصورة: أمنة الربيع).
حنان ملكاوي مع أعضاء فريقها البحثي داخل أحد المختبرات بجامعة اليرموك في الأردن. (الصورة: أمنة الربيع).

وحين عادت الأكاديمية الأردنية إلى موطنها لتنضم إلى سلك التدريس بجامعة اليرموك، كانت في السابعة والعشرين من العمر. تبتسم «الملكاوي» وهي تتذكر تلك اللحظة حين كان طلابها غير قادرين على إدراك أنها ستتولى التدريس لهم، نظرًا لعدم وجود فارق عمري كبير بين الأستاذة والطلاب.

مشروعات بحثية

تركز مشروعات «الملكاوي» البحثية على التكنولوجيا الحيوية، وتكنولوجيا النانو، وتطبيقاتها المتعددة في مجالات عدة، مثل: الطب، والزراعة، والأمن الغذائي، والصناعة، والأمن العسكري، بالإضافة إلى بحوث حول كيفية الحفاظ على نوعية المياه وحمايتها من التلوث، والكشف المبكر عن الأورام السرطانية، والحد من انتشارها، وتحضير المنتجات الطبية. وتقول إن ما يقود أبحاثها هو الأولويات الوطنية المتعلقة باحتياجات الأردن والمنطقة العربية.

«المشكلة الرئيسية التي تواجه البحوث العلمية في العالم العربي، تتمثل في غياب الاستراتيجية الواضحة لدعم البحوث التطبيقية، وعدم ربط البحوث بالواقع والاحتياجات، وضعف التسويق نظرًا لعدم ارتباط البحوث بالصناعات».

حنان الملكاوي أكاديمية أردنية

وتعكف الباحثة الأردنية، راهنًا، على دراسة إمكانية نمو، وسلوك الكائنات الحية الدقيقة، مثل البكتيريا والميكروبات في البيئات القاسية مثل الملوحة العالية في البحر الميت، وبيئة الفضاء الخارجي والبيئات الجافة في الصحراء، والبيئات الملوثة. وتوضح أن هدفها من ذلك ليس فقط دراسة هذه الكائنات، ولكن كيفية استفادة البشرية من تلك الأبحاث.

وتدير «الملكاوي» مشروعًا بحثيًا حول إمكانية نمو البكتيريا والميكروبات الدقيقة في الفضاء الخارجي، بالتعاون مع مؤسسة «كيه ‏إس إف»‏ (KSF‏) للفضاء في بريطانيا، في محاولة للتعرف على إمكانية نمو الكائنات الدقيقة مثل البكتيريا والميكروبات (التي لا تسبب الأمراض للإنسان)، ومدى مقاومتها للظروف القاسية، مثل: انعدام الجاذبية، والإشعاعات، والتقلبات في درجات الحرارة، والضغط.

وبعد إرسال بعض العينات البكتيرية، داخل كبسولة فضائية، في نيسان/ أبريل الماضي، إلى ارتفاع 33 كم فوق سطح البحر، وهي أول طبقة بعد الغلاف الجوي، وتسمى المدار الفضائي المنخفض، عادت الكبسولة إلى الأرض بعد يوم من إطلاقها.

وعندما تم بحث العينات، بعد عودتها، لاحظت الأكاديمية الأردنية، حدوث طفرات على المستوى الجيني، حيث تكيفت الكائنات الدقيقة بطريقة ما. وتعتقد «الملكاوي» أن الفائدة «ستكون عظيمة» حيث يحمل جسم الإنسان، بطبيعة الحال، بعض انواع البكتيريا في الجهاز الهضمي، والتي تقوم بحماية الجهاز المناعي وتمد الجسم بالإنزيمات، لذا فإن رواد الفضاء، حتى بعد تعقيمهم الكامل، فإن أجسادهم تحمل بعض أنواع البكتيريا.

وتوضح أكثر، فتقول: «ندرس هنا كيفية استخدام هذه البكتيريا في خدمة رواد الفضاء وحمايتهم، وهذا يعطينا نموذجًا قد يساعد في تطوير استراتيجيات للتخفيف من المخاطر المستقبلية».

رئيس جامعة اليرموك الدكتور إسلام مسّاد، يقدم التهنئة للباحثة حنان الملكاوي بعد حفل التكريم الملكي. (الصورة: جامعة اليرموك).
رئيس جامعة اليرموك الدكتور إسلام مسّاد، يقدم التهنئة للباحثة حنان الملكاوي بعد حفل التكريم الملكي. (الصورة: جامعة اليرموك).

بالإضافة إلى ذلك، سجلت الأكاديمية الأردنية براءة اختراع في استخدم الجزيئات النانوية الممغنطة، للكشف والتخلص من الميكروبات الممرضة في المياه، كما تعمل على دراسات حول استخدام تكنولوجيا النانو في الكشف عن الأورام السرطانية، والتقليل منها، كما استطاعت عزل بكتيريا تعيش في درجة ملوحة عالية في بيئة البحر الميت.

وتشرح تلك التجربة، بالقول: «إذا استطاعت هذه الكائنات العيش، فإن هيناك جينات تنتج إنزيمات مقاومة للملوحة، ولذلك نفكر في إمكانية استخدام الهندسة الوراثية في نقل هذه الجينات من البكتيريا، إلى النبات، وبهذا يمكننا زراعة بيئة البحر الميت لتتحول من منطقة جرداء إلى بيئة مناسبة للزراعة».

واقع البحث العلمي

تطرقنا، في هذه المقابلة، إلى مناقشة واقع البحث العلمي في المنطقة العربية. وترى «الملكاوي» أن المشكلة الرئيسية التي تواجه البحوث العلمية في العالم العربي، تتمثل في: «غياب الاستراتيجية الواضحة لدعم البحوث التطبيقية، وعدم ربط البحوث بالواقع والاحتياجات، وضعف التسويق نظرًا لعدم ارتباط البحوث بالصناعات».

وبتفصيل أكثر تضيف: «معظم البحوث التي يتم إنجازها داخل الجامعات، والمراكز البحثية العربية، يغلب عليها الطابع النظري الشمولي والعمومية، ولا تقوم على أسئلة جادة لخلق حلول، والتغلب على الصعاب، ومواجهة التحديات في المجتمع».

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وحول مشكلة نقص التمويل، تعرب «الملكاوي» عن قناعتها بأنه يمكن التغلب على ذلك عبر اللجوء إلى الجهات المانحة، والممولة في الداخل والخارج. وفي مثال عملي، لنفي الفكرة الشائعة عن ارتباط أزمة البحث العلمي العربي، بالتمويل، تقول الأكاديمية الأردنية إنها استطاعت الحصول على 15 مليون دولار لتمويل بحوث علمية بجامعة اليرموك، من جهات دولية مانحة.

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى