أخبار وتقارير

كيف نواجه آثار التغير المناخي وندرة المياه؟ باحث سوداني يجيب

عبر قائمة من الأبحاث والدراسات الأكاديمية، يقدم الباحث السوداني الفاتح الطاهر رؤى علمية لمواجهة آثار التغير المناخي على الموارد المائية، والنظم الزراعية في إفريقيا، وذلك من واقع تخصصه في دراسة المناخ وقضايا المياه، منذ انتقاله إلى إيرلندا لدراسة الماجستير في العام 1986، بعدما درس الهندسة المدنية في جامعة الخرطوم.

وخلال عمله البحثي، يركز الأستاذ بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة الأمريكية (M.I.T)، على استخدام العلوم والتكنولوجيا، في رصد آثار تغيُّر المناخ على موارد المياه.

في مقابلة عبر «زووم» مع «الفنار للإعلام» يقول «الطاهر»، الحاصل على الجائزة الرئاسية الأميركية للتميز المهني عام 1997، إن اختياره التخصص في دراسة المناخ مرتبط بمعالجة قضية ندرة المياه «لأن الحصول على المياه مرتبطـ، بشكل كبير، بطبيعة المناخ الذي يسود في كل بلد».

ويرى الأكاديمي الحاصل على الدكتوراه في تخصص الهندسة المائية وعلوم المناخ، من جامعة «إم آي تي» الأمريكية عام 1993، أن الاهتمام بعلوم المناخ والمياه، ودراسة مظاهرها بالمنطقة العربية وإفريقيا «ليس كافيًا». كما يعزو قلة الاهتمام الشعبي بقضايا المناخ إلى انخفاض الدخول، وتراجع مستويات التعليم، وغياب الثقافة العامة تجاه هذه القضايا، بحسب تعبيره.

الظروف المناخية بمنطقة الخليج العربي تجعلها «نقطة إقليمية ساخنة»، «مما قد يؤثر على قابلية الإنسان للسكن في بعض مناطق هذه الدول في المستقبل»، لكن العديد من الدول الخليجية الغنية «قد تكون قادرة على التكيف مع الظواهر المناخية المتطرفة».

الفاتح الطاهر أكاديمي سوداني متخصص في قضايا المياه والمناخ

وفيما تتركز أبحاثه في دراسات المناخ الإقليمية، والمياه والأمراض، وإدارة الموارد المائية، يدعو «الطاهر» إلى توعية المواطنين إزاء استخدام أنواع معينة من السيارات، ومصادر الكهرباء، ونظم الزراعة، بهدف التخفيف من حدة آثار التغير المناخي. وينادي كذلك بتصميم منازل تتلاءم مع تغيرات المناخ.

طرق للتنبؤ بآثار التغيرات المناخية

كجزء من عمله، طوّر الأكاديمي الذي يقود مجموعة بحثية بكلية الهندسة المدنية والبيئية في «إم آي تي»، طرقًا للتنبؤ بالآثار المحلية للتغيّرات المناخية.

واحدة من هذه الطرق تتمثل في النماذج المناخية القياسية التي استخدمها للتعرف على الآثار التي سيخلفها تغير المناخ على المستوى المحلي. وقد توصل إلى «احتمال تعرض أجزاء من منطقة الخليج العربي لأحداث غير مسبوقة من الحرارة القاتلة نتيجة لتغير المناخ»، بحسب دراسة أجريت على نماذج مناخية عالية الدقة، ونشرتها مجلة «نيتشر» للتغير المناخي.

ويقول الباحث السوداني إن الظروف المناخية بمنطقة الخليج العربي تجعلها «نقطة إقليمية ساخنة»، «مما قد يؤثر على قابلية الإنسان للسكن في بعض مناطق هذه الدول في المستقبل». لكنه يضيف أن العديد من الدول الخليجية الغنية «قد تكون قادرة على التكيف» مع الظواهر المناخية «المتطرفة». وفي المقابل، يعتقد «الطاهر» أن المناطق الأكثر فقرًا، مثل اليمن، قد تكون أقل قدرة على التعامل مع الأمر نفسه خلال الثلاثة عقود المقبلة.

ارتباطًا بذلك، استطاع الأكاديمي السوداني، عبر النماذج المناخية، رصد الإجهاد الحراري المستقبلي أثناء مواسم الحج عند المسلمين، حيث يتوقع أن يتجاوز مستويات «الخطر الشديد» خلال الأعوام ما بين 2047 إلى 2052 و2079 إلى 2086، بحسب دراسته التي نشرها بمجلة الرسائل البحثية الجيوفيزيائية Geophysical Research Letters.

ولذا، فإنه يدعو إلى «استراتيجية جيدة التخطيط لإدارة عوامل الضعف البشرية، والتي تتضمن تقليل عدد الحجاج خلال السننوات عالية المخاطر، وقصر الحج فقط على الحجاج الذين يؤدون الفريضة الإسلامية الشهيرة، وهم بصحة جيدة».

وتشمل أبحاث الأكاديمي السوداني، المغرب، حيث يرصد في دراسة بحثية آليات التعامل مع الندرة المحتملة لهطول الأمطار في المستقبل، كواحدة من «أكبر العقبات» التي تعترض التخطيط الاقتصادي والتنمية بالمملكة المغربية. ويوضح الفاتح الطاهر، وهو مدير المعهد العالي التطبيقي المتخصص في دراسات التنمية المستدامة بإفريقيا، والتابع لجامعة محمد السادس في المغرب، أن نتائج هذه الندرة «ستؤثر على تخطيط موارد المياه واستدامة الزراعة».

سد النهضة وأزمة موارد المياه

«بناء سد النهضة، والصراع الناشئ على مياه النيل، يرتبط بمشكلة أساسية، وأكبر، تتعلق بـسوء إدارة السكان، والبنية التحتية الزراعية الهشة للدول التي تتشارك هذه المياه».

الفاتح الطاهر

وفيما تستعد مصر لاستضافة قمة المناخ العالمية (COP27)، في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الجاري، يشكل سد النهضة الإثيوبي، أحد الأسباب الرئيسية المحتملة لحدوث «عجز مائي متوقع» لمصر والسودان، كما تشير دراسات بحثية.

وفي هذا الصدد، يقول الباحث السوداني إن بناء سد النهضة، والصراع الناشئ على مياه النيل، يرتبط بمشكلة أساسية، وأكبر، تتعلق بـ«سوء إدارة السكان، والبنية التحتية الزراعية الهشة للدول التي تتشارك هذه المياه». ويرى أن معالجة الصراع بشكل فعال، تكمن في مواجهة السبب الجذري للمشكلة، «من خلال إيجاد طرق للحد من النمو السكاني، وتغذية خصوبة التربة عبر حوض النيل، وليس التركيز على كيفية ملء خزان السد».

كما تشمل سبل مواجهة أزمة نقص المياه نتيجة بناء سد النهضة – والكلام ما يزال للفاتح الطاهر – «التزام البلدان الثلاث (إثيوبيا والسودان ومصر) بالاستثمار في التقنيات الزراعية الجديدة، كانتقاء البذور الأفضل، وزيادة استخدام الأسمدة، وتوظيف تكنولوجيا استخدام المياه بكفاءة لري الأراضي الزراعية، مثل الري بالتنقيط». ويتوقع الأكاديمي السوداني أن يضاعف تغير المناخ، بشكل كبير، من التباين في الناتج السنوي لمياه النيل. ويضيف أن ذلك من شأنه مساعدة صناع السياسات على الاستعداد لمواجهة هذا الاحتمال، «عن طريق تخزين المياه في خزانات ضخمة يتم إطلاقها عند الحاجة».

وقد نشر «الطاهر» نتائج دراسة، حول هذه القضية، بعنوان: «الاتجاهات السابقة والمستقبلية لاستهلاك المياه في مصر ومصادرها»، بمجلة «نيتشر» في تموز/ يوليو من  العام الماضي. ويذهب في هذه الدراسة إلى القول بأن زيادة الطلب على المياه في مصر «ستكون مدفوعة بالنمو الاقتصادي الذي سينتهي إلى زيادة الطلب على المياه بشكل كبير، مما يتطلب من مصر الاعتماد، بشكل أكبر، على واردات المياه الافتراضية».

الأمراض المعدية وتغير المناخ

وأمضى الباحث السوداني، الذي يشغل عضوية الجمعية الأمريكية الجيوفيزيائية، جزءًا كبيرًا من حياته المهنية في دراسة الأمراض المعدية، والطب الاستوائي، وعلم الطفيليات، وعلاقتها بتغير المناخ. ونشر عشرات البحوث في هذا المجال، والتي رصدت «زيادة خطر انتقال الملاريا مع ارتفاع درجة الحرارة في الدول الإفريقية»، مع توصيات بضرورة اتخاذ تدابير فعالة للوقاية.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

خلال مشواره العلمي، حصل «الطاهر»، عام 1999 على الجائزة الكويتية للعلوم التطبيقية لإسهاماته في مجال أبحاث تغير المناخ، كما نال سنة 2017 جائزة العلوم المائية من الجمعية الأميركية الجيوفيزيائية.

ويعكف الباحث السوداني حاليًا، على دراسة آليات التكيف مع التغيرات المناخية في بنغلاديش وشرق إفريقيا. وفي ختام مقابلتنا معه، يقول إن هذه البحوث التي يقدمها «جزء من محاولة لمساعدة المجتمعات الإفريقية على التكيف مع ظروفها الصعبة، وخاصة ما يتعلق بفقر الموارد المائية، وارتفاع درجات الحرارة».

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى