أخبار وتقارير

رهف الدغلي.. أكاديمية سورية تواجه محنة اللجوء بأدوات البحث العلمي

عبر أبحاث ودراسات معمقة حول النزاع الذي تشهده بلادها منذ العام 2011، تسعى الأكاديمية السورية رهف الدغلي، إلى بناء رؤية «عقلانية» نحو الحرب التي مزقت سوريا، والتعامل بشكل «واقعي» مع الحياة الجديدة لها، ولملايين السوريين في دول اللجوء.

تقول الباحثة، التي انتقلت إلى بريطانيا في نفس سنة اندلاع النزاع، إنها تعني بالعقلانية «توظيف العاطفة لإنتاج أبحاث تفند النظرة النمطية إلى سوريا، والتي تضع السوريين في قوالب وتقسيمات طائفية أو مذهبية».

يوم اللاجئ العالمي

وهذه المقابلة ،التي أجريناها مع «الدغلي» عبر «زووم»، تأتي ضمن سلسلة حلقات يقدمها «الفنار للإعلام» في إطار إحياء ذكرى يوم اللاجئ العالمي، والتي تحين في العشرين من حزيران/يونيو، كل عام.

اختارت رهف الدغلي، الحاصلة على بكالوريوس الآداب والعلوم الإنسانية من جامعة دمشق، في العام 2008، موضوعًا لأطروحتها للدكتوراه بجامعة لانكستر البريطانية، بعنوان: «كيف تم بناء الأمة السورية في تنظيرات أو أفكار مُنظّري حزب البعث، وكيف أثرت على تهميش المرأة؟». وعن هذا البحث، نالت درجة الدكتوراه في العام 2017، من الجامعة التي تعمل بها راهنًا كمحاضرة في دراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

كما تشمل اهتماماتها البحثية، قضايا ودراسات حول المرأة السورية، والعلاقة بين الاستبداد والدين، وفكرة الطائفية والقومية.

«حوّلت رهف الدغلي محنة الحرب والنزوح اليومية، إلى بحث يطرح الأسئلة الأساسية حول مستقبل سوريا السياسي، ورصد التغيرات التي لحقت ببلادها من خلال البحوث الأكاديمية».

أملندو ميسرا باحث بجامعة لانكستر البريطانية

بعد ثلاثة أشهر فقط من سفرها إلى بريطانيا، واجهت رهف الدغلي أولى الصعوبات، حيث توقف إرسال المخصصات المالية لها كمبتعثة من الحكومة السورية لاستكمال دراساتها العليا، وتزامن ذلك مع إغلاق السفارة السورية مقرها في لندن. وأمام تلك الأزمة، تمكنت الباحثة الشابة من الحصول على منحة من جامعة لانكستر البريطانية لمواصلة دراساتها العليا، في العام 2012، ثم حصلت على زمالة بحثية من معهد كروك في جامعة نوتردام، لإجراء بحث حول السلام والعدالة في السياق السوري.

مع إدراكها محدودية الخيارات المتاحة أمامها «كوافدة من دولة نزاع، واستحالة العودة إلى سوريا»، ترسخت لدى الأكاديمية السورية قناعة بأن «المثابرة» وحدها هي سبيل المضي للأمام في حياتها الجديدة تحت سماء المهجر.

من جانبه، يرى أملندو ميسرا، الباحث في السياسات الدولية بجامعة لانكستر البريطانية، والذي تزامل مع «الدغلي» في دراسة الدكتوراه بالجامعة، أن العامل الرئيسي في تجاوز «الدغلي» للصعوبات يتمثل في «العمل الجاد، وتركيزها الشديد منذ بدايتها بحث الدكتوراه». ويقول لـ«الفنار للإعلام»، عبر البريد الإلكتروني، إنها «حوّلت محنة الحرب والنزوح اليومية، إلى بحث يطرح الأسئلة الأساسية حول مستقبل سوريا السياسي، ورصد التغيرات التي لحقت ببلادها من خلال البحوث الأكاديمية».

مبتعثة.. ثم لاجئة

وتحولت صفة الباحثة السورية من مبتعثة رسميًا لدراسة الدكتوراه، إلى «لاجئة»، بعدما باتت عودتها إلى سوريا «مصدر تهديد لحياتها، بعد انتقادها لسياسات النظام السوري في كتابات بحثية، ومقابلات تلفزيونية». وعن ذلك تقول إنها ممنوعة من دخول بلادها، «بعد إدراجها في قائمة المطلوبين جراء انتقادها لسياسات النظام في الخارج».

وأمام التساؤلات التي تتلقاها من باحثين آخرين، بناءً على رؤى مسبقة، لإثبات صحة موقفهم، تقول: «النظرة لي كباحثة وافدة من دولة نزاع يهمش إنسانيتي، ويلغي صفتي البحثية والعلمية، وينزع عني موقعي كأكاديمية متخصصة. وهذه القوالب التي يضعها لي لي زملائي بالمؤتمرات البحثية، وفي الجامعة، تجعلني منزعجة».

وإزاء هذه الأفكار المسبقة من المجتمع البحثي، عمدت الباحثة السورية إلى السعي نحو «إنتاج بحوث، حول الشأن السوري، تتسم بالعمق الناجم عن المعرفة الدقيقة ببلادها، وبالداخل السوري، والسياقات المتنوعة للأحداث، والتحولات التي يعيشها المجتمع، مع الالتزام بمعايير التحكيم العلمي وضوابطه». وتضيف أن هذه المعرفة «التي تحمل الوجهين، تساعدني على كسر هذا التنميط، وتجعلني على اتصال ببلدي لتفريغ عواطفي تجاهها، وكذلك نحو الأشياء التي أفتقدها من أمكنة وشخوص».

جيل جديد من الباحثات السوريات

«ما زلت مؤمنة بأن البحوث هي وسيلة التواصل بيني وبين سوريا، والأداة الأهم للتعبير عن انفعالاتي وعواطفي، والتأكيد على هويتي أيضًا».

رهف الدغلي باحثة سورية بجامعة لانكستر البريطانية

من جانبه، يقول سلام الكواكبي، مدير مكتب المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بباريس، في اتصال هاتفي مع «الفنار للإعلام»، إن «الدغلي» واحدة من الجيل الجديد للباحثات السوريات اللاتي انتقلن إلى أوروبا بعد عام 2011، ممن أعادت الثورة السورية تكوينهن وتشكيلهن، وانعكست على اختياراتهن لموضوعات دراساتهن.

عمل «الكواكبي»، المقيم في فرنسا منذ عقود، باحثًا في معهد دراسات الشرق الأوسط، والدراسات الإسلامية، والدراسات الشرق أوسطية في (آكس أون بروفانس) جنوب فرنسا. وفيما يشير إلى نفسه كواحد من الجيل القديم للباحثين السوريين، يقول الباحث، الذي يقوم بتدريس موضوعات التنمية والهجرة في برنامج الماجستير بجامعة السوربون الأولى في باريس، إن عددًا كبيرًا من ممثلي هذا الجيل الجديد استفاد من المنح المخصصة للطلاب السوريين لاستكمال دراساتهم العليا في كبرى الجامعات الأوروبية.

https://www.bue.edu.eg/

كما يرى أن اندلاع الثورة كان دافعًا لتركيز غالبيتهم على الوضع السوري في أطروحاتهم وبحوثهم، وخصوصًا مع استفادتهم من المنهجية الغربية الحديثة في إجراء البحوث، وحرية الإطلاع والبحث، بحسب قوله.

في ختام مقابلتنا، تشير رهف الدغلي إلى تركيز أبحاثها على الارتباط بين صعود الدول القومية في الشرق الأوسط، واستمرار النزعة العسكرية والاستبداد والأصولية، وكذلك تحليل النزعة العسكرية في السياق العربي، ليس فقط كمؤسسة تستخدمها الدولة، ولكن أيضًا كـ«إيديولوجيا تديم الذكورة والتحيز الجنساني». كما تعكف الباحثة الشابة حاليًا على إعداد مشروع بحث جديد حول موضوع الطائفية في سوريا، وكيفية استخدامه كأداة بحثية عند باحثي الغرب.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وفيما تنتظر، الشهر المقبل، صدور كتابها الأول باللغة الإنجليزية، حول القومية في سوريا وأثرها على تهميش المرأة، عن دار نشر جامعة مانشستر البريطانية، تقول «الدغلي» إنها ما تزال «مؤمنة بأن البحوث هي وسيلة التواصل بيني وبين سوريا، والأداة الأهم للتعبير عن انفعالاتي وعواطفي، والتأكيد على هويتي أيضًا».

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى