لبضعة عقود، عاش الشاعر العراقي الراحل مظفر النواب (1934 – 2022)، مغتربًا، ومنفيًا، يتنقل من بلد إلى بلد، أعزلًا إلا من شعره الذي أزعج قصور الحكم في عواصم عربية عدة، ما جعله هدفًا ثابتًا للطرد، والإبعاد، بل وحتى «التجاهل النقدي»، وفق دراسات أكاديمية تناولت التجربة.
وللمفارقة، فإن الشاعر الذي قضى أغلب عمره خارج العراق، يعود أخيرًا إلى موطنه، محمولًا في طائرة رئاسية، بعدما وافته المنية، اليوم (الجمعة)، على سرير المرض بمستشفى الشارقة التعليمي في دولة الإمارات.
ثمانية وثمانون عامًا عاشها مظفر النواب، وقضى معظمها يكابد مشاق خياراته الشعرية، والفكرية، حتى أنه كتب في رثاء الرسام الفلسطيني الشهيد ناجي العلي، قصيدة بعنوان: «مرثية لأنهار من الحبر الجميل»، يقول في بدايتها: «يسافر في ليلة الحزن صمتي غيومًا.. تتبعته ممطرًا.. واشتريت دروب المتاعب».
«أقسمت باسمك يا عراق»
وفي قصيدة ثانية بعنوان: «أقسمت باسمك يا عراق»، يقول على لسان بطل قصيدته: «أنا عليّ واسمي الحركي جيفارا.. وميتُ إنما ما زلت أعلن قدرتي في أن أقاتل.. فالشهيد يظل في حال الطوارئ».
بهذه العبارات والمعاني، أقام الشاعر المولود على ضفة نهر دجلة، في الكرخ، بنيان مملكته الشعرية، وهو الابن البكر لأسرة عراقية أرستقراطية، يعود أصلها إلى الجزيرة العربية، وفق دراسة أكاديمية، أعدها الباحث مؤيد عبد الرؤوف عودة، بجامعة النجاح الوطنية في فلسطين، في العام 2016.
التحق بمدارس الكرخ، وهنا ظهرت موهبته في الشعر والرسم، غير أنه عندما بلغ المرحلة الجامعية مرت العائلة بانتكاسة مالية، فلم تعد الحياة كما كانت من قبل.
عقب تخرجه، عُيّن مدرسًا في بغداد، ثم تم فصله لأسباب سياسية. وبعد انهيار النظام الملكي في العراق، في العام 1958، عُيّن مفتشًا في مديرية التفتيش الفني بوزارة التربية، ثم اضطر للهرب من العراق في العام 1963، وذلك بعد الصراع السياسي بين القوميين والشيوعيين. في ذلك الوقت، أُلقي القبض عليه من جهاز الأمن الإيراني، وجرى تسليمه إلى السلطات العراقية، وحُكم عليه بالإعدام.