مقالات رأي

ازدواجية اللغة وأثرها على مستويات تعليم التلاميذ العرب.. دعوة للمواجهة

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

سلطت ورقة بحثية حديثة، أعدتها الباحثة في شؤون اللغة ريهام شندي، الضوء على الحاجة لإيجاد نموذج محدّث لتعليم اللغة العربية، في العالم العربي، يتعامل مع التحديات التي تفرضها مسألة «ازدواجية أو ثنائية اللغة».

ويشير هذا المصطلح، في اللغة العربية، إلى الانقسام بين ما يسمى اللغة العليا، أو الرسمية المستخدمة في التعليم، رغم عدم فهم الأطفال لها إلى حدٍ كبير، واللغة المحكية في الحياة اليومية. وبينما لا تعدّ ازدواجية اللغة في حد ذاتها أمرًا سيئًا، لأنها ببساطة حالة لغوية، يؤكد عددٌ متزايد من الدراسات أن رفض الاعتراف بالتحديات التي يمثلها ذلك، يؤثر على جهود تعلم القراءة والكتابة والتعليم في جميع المجالات.

تحدد الورقة البحثية، التي نشرتها «شندي»، بعنوان: «تعلم القراءة بلغة «مُبعدة»: الثنائية اللغوية العربية، تعليم الأطفال، وحالة التعليم القائم على اللغة الأم»، حجم المشكلة.

استخدمت الباحثة مقاييس مثل مؤشر فقر التعلم للبنك الدولي، الذي يقيس قدرة الأطفال على «قراءة وفهم نص بسيط بحلول سن العاشرة»، ومؤشر «ما دون الحد الأدنى من إتقان القراءة» (BMP) على أساس مؤشر فقر التعلم، لمقارنة مهارات معرفة القراءة والكتابة لدى الأطفال في إحدى عشرة دولة عربية، بتلك الموجودة في دول أخرى ذات وضع اقتصادي مشابه.

وجدت «شندي» أن متوسط ​​مؤشر ما دون الحد الأدنى من إتقان القراءة (BMP)، في خمس دول خليجية ثرية (البحرين، والكويت، وقطر، والسعودية، والإمارات) يبلغ 36.6%، مما يعني أن 36.6% من الطلاب غير قادرين على فهم نص بسيط بنهاية الصف الرابع، في حين سجل المؤشر نفسه في بلدان ذات ناتج محلي إجمالي مقارب نحو 2.7%. وفي ست دول عربية منخفضة الدخل (الجزائر، ومصر، والأردن، والمغرب، وسلطنة عُمان، وتونس)، بلغ متوسط مؤشر ما دون الحد الأدنى لإتقان القراءة 59%، فيما كانت النسبة مهولة في مصر، حيث وصلت إلى 69%.

أداء منخفض في الاختبارات الدولية

يؤمن الباحثون الذين يروجون لاستخدام اللهجات، ومن بينهم كاتب هذا المقال، بالاعتراف باللهجات، وإيجاد طرق لمساعدة الأطفال على مد جسر بين لهجتهم الأم والفصحى، وليس التخلص منها.

ولم تكن هذه النتائج جديدة، إذ توضح «شندي» حصول الأطفال العرب، حتى في دول الخليج الغنية، على درجات أقل من المتوسط ​​في تقييمات الإلمام بالقراءة والكتابة الدولية، وتحديدًا «البرنامج الدولي لتقييم الطلاب الدوليين» (PISA) لعام 2018، و«التقدم في دراسة القراءة الدولية» (PIRLS) لعام 2016.

كرست الباحثة قسمًا من ورقتها لمراجعة الأدبيات حول تأثير عدم احتساب ازدواج اللغة العربية في مجال تعلم القراءة والكتابة لدى الأطفال. وخلُصت إلى أن لازدواج اللغة، تأثير سلبي على «الوعي الصوتي، والوعي الصرفي، والتمثيل الصوتي، وفك تشفير الكلمات، وطلاقة القراءة، وتسمية الحروف». وتشير إلى أن هذا التأثير السلبي يكون أكبر عند أبناء العائلات ذات المكانة الاجتماعية والاقتصادية المنخفضة.

نسختان من اللغة

في حالة اللغة العربية، يعني ازدواج اللغة الانقسام بين نوعين مختلفين من اللغة نفسها. تُسمى اللغة الرسمية بالفصحى، أو اللغة العربية الفصحى الحديثة (MSA). ولا تعتبر اللغة الأم لأحد اليوم، لكنها مستخدمة في الكتابات الرسمية، ووسائل الإعلام العربية، والخُطب الرسمية، والتعليم بشكل خاص.

وغالبًا ما يُشار إلى اللغات اليومية باللهجات، وهي ما يتم استخدامه في جميع التفاعلات العادية، وعلى الرغم من عدم تطوير العرب لأنظمة كتابة رسمية لها، غالبًا ما يكتب الناس باللهجات في أماكن غير رسمية، ويقومون بتهجئة الكلمات على النحو الذي يرونه مناسبًا. ويتوقع المراقبون أن لمسألة أن يكبر المرء متحدثًا لغة معينة، وأن يتعلم بلغة أخرى، تأثير كبير على التعليم.

وفي مراجعة لكتب مدرسية مختلفة للأطفال في سن الروضة في مصر، وجدت «شندي» أن 40% فقط من الكلمات المستخدمة فيها تتداخل مع اللهجة المصرية. يُظهر الباقي درجات متفاوتة من الاختلافات، من الصوتية منها إلى كلمات مختلفة تمامًا، وتمثل كلها تحديات للمتعلمين الصغار.

وقد أظهرت دراسة أخرى تعتمد على أطفال القرى الفلسطينية نتائج مماثلة، إذ كانت 21.2% فقط من مفرداتهم مشتركة بالكامل مع الفصحى.

إنكار المشكلة

ومع ذلك، ينكر بعض الأكاديميين، وصانعي السياسات العرب، تأثير ازدواجية اللغة على معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة. وتتمثل الحجة الشائعة ببساطة في القول بأنه لا يوجد دليل على أن ازدواجية اللغة تؤثر على تعلم القراءة والكتابة، على الرغم من تأكيد سنوات من البحث، خلاف ذلك.

من أشكال الفشل الأخرى في التعامل مع مشكلة ازدواجية اللغة، تجاهل الأمر ببساطة، وإلقاء اللوم بشأن التحصيل التعليمي المنخفض، على جوانب أخرى من اللغة العربية ونظام التعليم.

على سبيل المثال، يقر تقرير البنك الدولي لعام 2021 عن تعليم اللغة العربية بذات التحديات الناتجة عن ازدواج اللغة التي لخصتها «شندي». ومضى التقرير إلى حد القول بأن الفصحى ليست اللغة الأم لأحد، وهو اعتراف مهم لأن العرب يرفضون، في كثير من الأحيان، الاعتراف بأن اللهجات تختلف بشكل كبير عن الفصحى. (ومن المثير للاهتمام أن الترجمة العربية للتقرير غيّرت هذا السطر، حيث ذكرت أن «الأطفال لا يُربَون على التحدث بالفصحى»، وكأن اللوم يقع على الوالدين).

ومن الحجج الشائعة الأخرى إدراك التحديات التي تطرحها ازدواجية اللغة والتهرب من اتخاذ خطوات للحل. ناقش تقرير البنك الدولي، والمائدة المستديرة المنعقدة في تموز/ يوليو 2021 بعنوان «بصوت عالٍ وواضح» أهمية استخدام اللغة الأم في التعليم لتحسين التقدم الأكاديمي للأطفال.

افتتحت منسقة جلسة المائدة المستديرة كلامها بالقول: «عندما يتم تعليم الأطفال في المدرسة باللغة التي يتحدثون بها في المنزل، يكون أداؤهم أفضل في دراستهم المدرسية؛ إنها مجرد حقيقة». وأقر جميع المتحدثين في المائدة المستديرة بهذه النقطة، باستثناء هنادا طه، أستاذة اللغة العربية بجامعة زايد في دبي، التي تحدثت عن تعليم اللغة العربية.

وبينما اتفقت «طه» مع القوب بأن تعليم اللغة العربية بالفصحى «يؤدي إلى تخلف العديد من الأطفال عن الركب»، إلا أنها وضعت عبء حل المشكلة على عاتق العائلات، داعية أولياء الأمور إلى تعريض الأطفال للفصحى عبر التلفزيون وكتب الأطفال في المنزل قبل دخولهم المدرسة. وتكمن مشكلة هذا الحل المزعوم في أن العديد من العائلات لا تملك الموارد أو المهارات لحل المشكلة، وقد أظهرت الأبحاث أن التعرض البسيط للفصحى من خلال التلفزيون لا يحسن معرفة القراءة والكتابة لدى الأطفال.

البحث عن حلول في مكان آخر

ومن أشكال الفشل الأخرى في التعامل مع مشكلة ازدواجية اللغة، تجاهل الأمر ببساطة، وإلقاء اللوم بشأن التحصيل التعليمي المنخفض، على جوانب أخرى من اللغة العربية ونظام التعليم.

وقد أشار مقال رأي نُشر في «الفنار للإعلام» عام 2016، على سبيل المثال، إلى ضعف أداء تلاميذ المدارس العرب في اختبارات إتقان القراءة والرياضيات والعلوم. ومع ذلك، لا يذكر المقال أبدًا مسألة ازدواج اللغة كجزء من المشكلة. وبدلاً من ذلك، تقترح المؤلفة «تحسين خطوط الطباعة بهدف تسريع القراءة، وإزالة بعض علامات العلة»، و«تدريس قواعد اللغة العربية القياسية مبكرًا وبكفاءة».

من أشكال الهجوم الشائعة على مقترحات تعليم الأطفال باللغة التي يسمعونها في المنزل، تصوير أي نقاش حول اللهجات على أنه مؤامرة ضد العرب، والقومية العربية، والإسلام.

ومن أشكال الهجوم الشائعة على مقترحات تعليم الأطفال باللغة التي يسمعونها في المنزل، تصوير أي نقاش حول اللهجات على أنه مؤامرة ضد العرب، والقومية العربية، والإسلام.

وقد قوبلت حملة في المغرب لاستخدام اللهجة المحلية بانتقادات واسعة، ورُفضت باعتبارها «خطة تهدف إلى إحياء النظرة الاستعمارية الفرنسية التي تريد اقتصار اللغة العربية على المساجد فقط». كما قوبل اقتراح وزيرة التربية الجزائرية باستخدام اللهجة المحلية لتدريس أول عامين من المدرسة الابتدائية بالتهديد، واعتبر الأمر بمثابة محاولة «لإعادة الجزائر إلى الحقبة الاستعمارية».

جسر بين اللغات

أكثر المتضررين من هذه الحجج هم العرب أنفسهم، إذ يؤمن الباحثون الذين يروجون لاستخدام اللهجات، ومن بينهم كاتب هذا المقال، بالاعتراف باللهجات، وإيجاد طرق لمساعدة الأطفال على مد جسر بين لهجتهم الأم والفصحى، وليس التخلص منها. في الواقع، أظهرت دراسات عدة أنه إذا تعلم الأطفال لأول مرة بلغتهم الأم، فيمكنهم بعد ذلك تعلم لغة ثانية بشكل أسرع وأفضل من أولئك الذين تعلموا في البداية باللغة الفصحى فقط.

وتشير «شندي» نفسها إلى الحاجة إلى استخدام اللهجات كنقطة انطلاق للوصول إلى الفصحى، ولا توصي أبدًا بالتخلي عن الفصحى. ولا يوجد باحث يدعي عدم وجود قضايا تربوية أخرى تؤثر على معرفة القراءة والكتابة باللغة العربية. الأمر يتمثل في أن ازدواج اللغة قضية رئيسية تحتاج إلى معالجة.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

الازدواج اللغوي في حد ذاته ليس مشكلة، حيث تتعامل العديد من البلدان مع مواقف متعددة اللغات، وتحاول إيجاد توازن بين احترام اللغات المحلية، بينما يتم تدريس لغة مشتركة للسماح للناس بالتواصل والعمل معًا. وتكمُن القضية هنا في أن العديد من صانعي السياسات والأكاديميين وقادة الرأي العرب، يرفضون التعامل مع ازدواج اللغة، وهذا يؤثر سلبًا على جهود تعليم القراءة والكتابة والتعليم بشكل عام.

يستخدم العرب الفصحى واللهجات، ويجسّد كلا الشكلين من اللغة الجوانب الثقافية والتاريخية، وعزل العرب عن أي منهما يأتي على جزء من هويتهم. ما نحتاجه اليوم هو فكرة جديدة للغة، فكرة توازن بين تعقيد ازدواجية اللغة والاحتياجات التعليمية. لكن الاستمرار في تجنب المشكلة يضر بالأطفال العرب، ويحرمهم من حقهم في تعليم أفضل.

حسام أبو زهر، مؤسس مشروع اللغة العربية الحية، وهي قاعدة بيانات على الإنترنت تضم قواميس اللهجات العربية والفصحى. يعمل «أبو زهر» محللًا ومترجمًا ومحررًا في واشنطن العاصمة.

يمكنك متابعته على Twitter و Facebook.

https://www.bue.edu.eg/

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى