أخبار وتقارير

حميد نبيل.. قصة طالب مغربي كفيف ينال الدكتوراه باللغة الإنجليزية

بعد سنوات من الصبر ومكابدة المشاق، تمكن الطالب المغربي الكفيف، حميد نبيل، من نيل درجة الدكتوراه باللغة الإنجليزية، بمرتبة «مشرف جدًا مع التنويه»، من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس.

حملت أطروحته للدكتوراه، عنوان: «التمثلات ومواقف المغاربة من المنتوج الإذاعي»، حيث عمل على تحليل ومقارنة المضامين الإعلامية للإذاعة الوطنية، وإذاعة «محمد السادس للقرآن الكريم»، وإذاعات مغربية أخرى. وبهذه الخطوة، يصبح «نبيل»، أول  طالب مغربي من ذوي الاحتياجات الخاصة، ينال تلك الدرجة الأكاديمية الرفيعة عن دراسة علمية باللغة الإنجليزية. كما يثير هذا «الإنجاز الفردي» الجدل حول أوضاع المكفوفين بالجامعات المغربية، والتحديات التي تواجههم.

وعن تجربته، يقول لـ«الفنار للإعلام»، إن طموحه لنيل شهادة الدكتوراه تزامن مع فقدان بصره في الثامنة عشرة من العمر. ويوضح أنه شعر، وقتها، ببداية مرحلة جديدة في حياته، وأن عليه محاولة التأقلم معها، والسعي إلى إثبات الذات خلالها. ويضيف: «تفجرت لدي طاقة كبيرة بعدما أحسست أن هذا هو مصيري». وفي ذلك الوقت، قرر الطالب المغربي التركيز على المسار الأكاديمي، مع ميل للتواصل باللغات الأجنبية؛ الفرنسية، ثم الإنجليزية لاحقًا. ويتابع: «كان هذا بدعم من الوالدة التي آمنت دومًا بأنني سوف إلى تحقيق أحلامي، والحمد لله».

عندما قرر إعداد أطروحته للدكتوراه، اختار الإعلام موضوعًا لها، انطلاقًا من شغفه منذ الصغر بالإذاعة التي تعلم منها مبادئ اللغة والتواصل، وخاصة مع مداومته الاستماع إلى الإذاعة الوطنية المغربية. وبالتوازي مع انخراطه في الدراسات العليا بالجامعة، كان يدرس حميد نبيل بالمعهد العالي للصحافة والإعلام بالدار البيضاء، حيث نال إجازة في الإعلام، باللغة الفرنسية.

«غالبية الطلاب المكفوفين يجدون صعوبات عدة خلال دراستهم الجامعية. بعض الأساتذة لا يسمحون لهم بتسجيل المحاضرات، فيجد الطالب نفسه مضطرًا للبحث عن حلول ذاتية من أجل التحصيل الدراسي».

عمر أجبون
رئيس الجمعية المغربية لإدماج المكفوفين

اللغة طوق نجاة

وعن رحلته في تعلم اللغة الإنجليزية، يقول إنها شكلت طوق نجاة له بعد التحاقه بالمنظمة العلوية لرعاية المكفوفين. ويضيف أن التواصل بالإنجليزية منح مشواره الدراسي قيمة مضافة، وجعله يشعر بالفخر الذي بلغ ذروته خلال سنواته الجامعية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، بمدينة الدار البيضاء.

ويقول حميد نبيل، الذي يعمل مدرسًا للغة الإنجليزية بالمرحلة الثانوية، ومترجمًا بالمؤتمرات، إنه استخدم برامج حاسوبية متطورة صُممت خصيصًا للمكفوفين، الأمر الذي مهّد له الطريق حتى يتمكن في اللغة الإنجليزية. وبضيف أنه بفضل هذه البرامج تمكن من الاطلاع على المصادر والبحث فيها، والولوج الى مكتبات عالمية ساعدته في إثراء تجربته الدراسية والبحثية.

إصرار وطموح

من جانبها، تقول الأستاذة يمينة القيراط العلام، التي أشرفت على أطروحة الدكتوراه للطالب حميد نبيل، إن  قصة النجاح الذي حققها جاءت بعد مسيرة طويلة، وسنوات من الصبر، والطموح، ومكابدة المشاق.

وتضيف لـ«الفنار للإعلام» أنها اعتبرت خوض الطالب تجربة الدكتوراه، تحديًا شخصيًا، وحلمًا لها أيضًا. وتصف الأمر بأنه لم يكن سهلًا، سواء بالنسبة للطالب، أو بالنسبة لها. وتشير إلى أنها خصصت لطالبها الوقت الكافي، وتواصلا بانتظام لسنوات، لكن جائحة كوفيد-19 أدت إلى تأخير موعد مناقشة الدكتوراه كثيرًا.

وبحسب «العلام»، فقد اختار الطالب حميد نبيل، معالجة بحثه، وفق منهج مزدوج كمي وكيفي، رغم صعوبة المهمة التي تتطلب عملًا ميدانيًا يشق على الطالب العادي، فضلًا عن الطالب الكفيف. وتقول إنه تمكن من الاستعانة بأكثر من 500 مشارك في الاستطلاع والبحث الخاص برسالته للدكتوراه.

في سبيل نيله درجة الدكتوراه، لم تخل رحلة حميد نبيل من مصاعب. ومنها ما ترويه المشرفة على رسالته بالقول إن ما آلمها كثيرًا هو رفض أحد الأساتذة الإشراف على أطروحة الطالب بدعوى أنه «كفيف». وتضيف أنها شعرت، في تلك اللحظة، بنفس إحساس هذا الطالب «المغلوب على أمره»، وهو ما جعلها تنخرط بشكل كبير في مساعدته ودعمه، مبدية أسفها لـ«غياب تشجيع ودعم هذه الفئة من ذوي الاحتياجات الخاصة بالسلك الجامعي».

وفق ممثلين للمجتمع الأهلي، فإن هذا الإنجاز الذي أحرزه «نبيل»، يفتح الباب أمام الجدل حول حقوق هذه الفئة من ذوي الإعاقة بالمملكة المغربية، ومدى الوفاء باحتياجاتهم خلال مسيرتهم الدراسية بالجامعات، وسبل تذليل المعوقات التي قد تعترض طريقهم في قطاع التعليم العالي.

«قصة النجاح التي حققها الطالب حميد نبيل جاءت بعد مسيرة طويلة، وسنوات من الصبر. اعتبرت خوض الطالب تجربة الدكتوراه تحديًا شخصيًا، وحلمًا لي أيضًا».

يمينة القيراط العلام
أكاديمية مغربية والمشرفة على أطروحة الدكتوراه للطالب حميد نبيل

ويدعو فاعلون ومهتمون بالمكفوفين في المغرب، إلى إيلاء هذه الفئة المزيد من الاهتمام، وتفعيل المكتسبات التشريعية الخاصة بالعناية بالمكفوفين وضعاف البصر، وخاصة مع كون المملكة المغربية من الدول الموقعة على معاهدة مراكش التي تقضي بتسهيل وصول ذوي الإعاقات البصرية إلى الإصدارات الثقافية من مختلف أنحاء العالم.

«واقع مرير»

ويرى عمر أجبون، رئيس الجمعية المغربية لإدماج المكفوفين أن الطلبة المكفوفين بالمغرب يعيشون «واقعًا مريرًا، لأنهم لا يحصلون على مقررات دراسية خاصة بلغة برايل، ولا بغيرها، ولا توجد مراجع يمكنهم الاعتماد عليها، وخاصة في مرحلة التعليم الجامعي».

ويقول «أجبون» في تصريح لـ«الفنار للإعلام» إن غالبية هؤلاء الطلاب المكفوفين يجدون صعوبات عدة خلال دراستهم الجامعية. ويوضح أن بعض الأساتذة «لا يسمحون للمكفوفين بتسجيل المحاضرات»، فيجد الطالب نفسه مضطرًا للبحث عن حلول ذاتية من أجل التحصيل الدراسي، دون مساعدة من وزارة التعليم العالي. وعن معاناة هذه الفئة من الطلاب، يشرح عمر أجبون الأمر، فيقول إن المكفوفين كانوا يستخدمون طريقة برايل، ولكنها «للأسف بقيت متأخرة أمام زحف العولمة، ولم تتطور، حتى أصبحت أقرب إلى الاندثار».

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وردًا على سؤال حول ما إذا كانت هناك إحصائيات رسمية للطلاب المكفوفين بالجامعات المغربية، أجاب بالقول إنه لا تتوفر إحصائيات دقيقة ومحدثة بهذا الشأن، مشيرًا إلى غياب إحصائيات رسمية كذلك. كما رجح وجود أكثر من 700 طالب مكفوف بجامعات المغرب.

يعود تاريخ تأسيس الجمعية، التي يترأسها «أجبون»، إلى العام 2007، وتعمل راهنًا على تقديم مبادرات لصالح المكفوفين، مثل إطلاق أول روضة للأطفال المكفوفين في المغرب.

اقرأ أيضًا:

• مهندسة تونسية تبتكر حذاءً ذكياً لمساعدة المكفوفين.
• كريم بن عبد السلام.. قصة أول مصاب بالتوحد ينال الدكتوراه في المغرب.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى