أخبار وتقارير

توظيف البحوث لإحياء العمران.. تجربة أكاديمية بمدينة نابلس الفلسطينية

بعد خمسة أعوام من دراستهما الدكتوراه في التخطيط العمراني بجامعة لوفان البلجيكية، قرر الأكاديمي الفلسطيني عبد الرحمن كتانة، مع زوجته أليساندرا غولا، إطلاق مشروع بحثي يستهدف توظيف البحوث المعمارية، في إحياء البلدة القديمة بمدينة نابلس الفلسطينية، وتطوير البحث العلمي الخاص بالتطور الحضري للمدينة التي تعد أكبر مركز حضري بالضفة الغربية.

المشروع الذي يحمل اسم «يللا بروجيكت»، تم إطلاقه قبل نحو عامين ونصف العام، من أجل معالجة الأضرار التي طالت المدينة، على أكثر من مستوى، «بسبب سياسات الاحتلال الإسرائيلي»، كما يقول «كتانة»، وهو أستاذ في الهندسة المعمارية بجامعة بيرزيت، ويحمل بحث الدكتوراه الخاص به عنوان: «الصمود والاستدامة الحضرية في نابلس».

في مقابلة مع «الفنار للإعلام» عبر تطبيق «زووم» يوضح الأكاديمي الفلسطيني، أن المدينة – بعد سنوات من الانتفاضة الثانية – «أصبحت خالية من صناعتها، وتجارتها، وسكانها، ورؤوس أموالها، وتم تدميرها كمركز حضري نتيجة لسياسات الاحتلال الإسرائيلي». كما يعبر عن اعتقاده بأن التخطيط العمراني التي تنفذه السلطة الوطنية الفلسطينية «لا يتناسب مع الواقع الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي».

أبحاث مستقلة

«لدينا طاقة وحماسًا لتقديم الكثير، ونسعى لأن نكون جزءًا من التغيير، وأن ننطلق، بعد نابلس، إلى المدن الفلسطينية كافة، في محاولة لإعادة هوية هذه المدن، وربط السكان بمدنهم من خلال التخطيط المعماري».

عبد الرحمن كتانة أستاذ الهندسة المعمارية بجامعة بيرزيت

يتكون المشروع من مركز ينتج أبحاثًا حول التخطيط العمراني لنابلس، ومدن فلسطين كافة، إلى جانب تنفيذ مشروعات اجتماعية؛ لتشكل مصدرًا لتمويل المشروعات البحثية بشكل مستقل «بعيدًا عن أي دعم خارجي أو دولي مُسيّس»، وفقًا لـ«كتانة»، الحاصل على درجة الماجستير في التجديد والتطوير المعماري من جامعة أكسفورد بروكس البريطانية.

وفي معرض تفسيره لاختيار مدينة نابلس لهذا المشروع، يقول إن الأمر مرتبط بكونها إحدى أكبر المدن الفلسطينية، وتعرض عمرانها للتدمير خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، والثانية، وتهجير نحو 60% من مواطنيها. ويشير إلى أن التخطيط العمراني للمدينة جعلها «منعزلة» عن احتياجات سكانها الاجتماعية والاقتصادية.

يعمل الفريق البحثي للمشروع راهنًا، على أربع مشروعات بحثية، وهي: «التمدد العمراني المخالف للقوانين في نابلس»، و«قوانين البناء في فترة ما قبل الحداثة وكيفية إنتاج المدينة القديمة عمرانيًا»، و«نظام المياه في نابلس من قبل حكم الرومان»، و«المعوقات وفرص التعمير في البلدة القديمة في نابلس خلال خمس سنوات».

إلى جانب العمل البحثي، شمل المشروع  تصميم مقهى تم تأهيله عبر الطرق التقليدية، وبواسطة المواد والمهارات المحلية، وكذلك إعادة إحياء منزل قديم بالمدينة، لاستقبال الزوار الأجانب، إلى جانب إقامة ثلاثة مقاهٍ أخرى.

ويقول باسل كتانة (39 عامًا)، المسؤول عن تنفيذ تلك المشروعات، لـ«الفنار للإعلام» إنهم يهدفون من هذه الأعمال، تمويل الأنشطة البحثية المتنوعة للمشروع، حتى لا يكونوا تابعين لأي جهة رسمية، أو غير رسمية، وفق تعبيره.

التحق الشاب الفلسطيني، وهو الشقيق الأصغر لمؤسس المشروع، بالعمل ضمن الفريق بعد خروجه من سجون الاحتلال التي قضى فيها نحو خمسة عشر سنة، حيث وجد مدينة غير التي ولد وعاش فيها سنوات الصبا. ويقول الشاب الذي حصل على بكالوريوس التاريخ من جامعة الأقصى في غزة، خلال سنوات السجن، إن تلك المشروعات تساهم أيضًا في ترسيخ الهوية الثقافية للمدينة، وخاصة من خلال عمليات ترميم المباني بشكل يعيدها إلى الحياة من جديد.

كما يعكف القائمون على المشروع، حاليًا، على تصميم حديقة للزراعة العضوية في عدد من المنازل القديمة بمدينة نابلس، لإعادة إظهار الأسطح الحجرية التاريخية للمدينة التي يقترب عمر مبانيها من ألف عام، وتحويلها لأسطح خضراء، وفق باسل كتانة.

«المشروعات التنموية المرتبطة بهذه الجهود، تلبي حاجة اجتماعية واقتصادية، من خلال توفير فرص عمل لفئات مختلفة من المجتمع، مما يعزز صمود الشعب الفلسطيني على أرضه».

نادية حبش نقيب المهندسين الفلسطينيين

من جانبها، ترى نادية حبش، أستاذة الهندسة المعمارية بجامعة بيرزيت، التي شاركت في مشروعات عمرانية مشابهة بعدد من المدن الفلسطينية، إن أهمية هذه المشروعات تنبع من كونها تحافظ على التراث المعماري، والهوية، كما تحيي هذه المباني التراثية من خلال إعادة تأهيلها وتشغيلها.

وتضيف، وهي نقيب المهندسين الفلسطينيين، في تصريح لـ«الفنار للإعلام»، أن المشروعات التنموية المرتبطة بهذه الجهود، تلبي حاجة اجتماعية واقتصادية، من خلال توفير فرص عمل لفئات مختلفة من المجتمع، مما يعزز صمود الشعب الفلسطيني على أرضه.

تعميم التجربة

وعن «يللا بروجيكت»، تقول إنه يعد أوضح مثال على تلك المشروعات، نظرًا لنجاحه عن طريق التكامل مع محيطه الاجتماعي، لا منافسته، وذلك من خلال تشغيل عدد من سكان الحيّ حسب اختصاص كل منهم، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى إحداث تنمية حقيقية. وتوضح أن التأثير الإيجابي الذي يحدثه مشروع كهذا يساهم في تعميم التجربة، ويشجع على إقامة مشروعات مماثلة.

والمشروع نفسه، وفق الأكاديمية الفلسطينية، ساهم في تعزيز النشاط الثقافي عبر إقامة حلقات النقاش، وتنظيم أمسيات فنية، وجولات تعريفية بالمركز التاريخي لمدينة نابلس، وإقامة تدريبات حرفية على عمليات إعادة التأهيل، وصنع الأثاث، وغير ذلك من المهارات. وتقول إن المشروع أعطى صفات الاستدامة، وشكّل نموذجًا تنمويًا اعتمد على التمويل الذاتي، والخبرات والمهارات المحلية، ولم يستورد وصفات جاهزة، لا تتناسب واحتياجات المجتمع وظروفه.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وفي ضوء هذه الاعتبارات، يطمح القائمون على المشروع، بعد الانتهاء من مشروعات مدينة نابلس، إلى تعميم التجربة على عدد من المدن الفلسطينية. وعن ذلك يقول عبد الرحمن كتانة: «لدينا طاقة وحماسًا لتقديم الكثير، ونسعى لأن نكون جزءًا من التغيير، وأن ننطلق، بعد نابلس، إلى المدن الفلسطينية كافة، في محاولة لإعادة هوية هذه المدن، وربط السكان بمدنهم من خلال التخطيط المعماري».

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى