أخبار وتقارير

أشرطة الكاسيت في تاريخ المصريين.. «تأثير هائل» يرصده باحث أمريكي

يوثق كتاب جديد للأكاديمي الأمريكي أندرو سايمون، التأثير «الانفجاري الهائل» لأشرطة الكاسيت على المجتمع المصري في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.

ويخاطب الكتاب، الذي يحمل عنوان «إعلام الجماهير: ثقافة الكاسيت في مصر الحديثة»، في المقام الأول الأكاديميين وطلاب علم الاجتماع في مصر، كما يتميز بمناقشة الفوارق الطبقية التي أطلقها انتشار أشرطة الكاسيت، ولاسيما مع ظهور الموسيقى الشعبية.

في الكتاب، الصادر عن مطبعة جامعة ستانفورد في نيسان/ أبريل الجاري، يسرد «سايمون» كيف كانت الإذاعة والتلفزيون الحكوميين، الحَكَم بشأن الموسيقى التي ينبغي عرضها وتشغيلها، لكن مع وصول الكاسيت الصوتي «انخرط المصريون العاديون، والنخب المصرية، المقيمين في شقق صغيرة، والذين يخضعون لتصنيفات محددة، وكل الطيف بينهما في كل مكان، في صناعة الثقافة المصرية عن طريق تكنولوجيا الكاسيت».

ويوضح أن هذه التكنولوجيا مكّنت عددًا غير مسبوق من الناس من أن يصبحوا منتجين ثقافيين. وبحسب النقاد – يقول المؤلف – أصبح بإمكان المواطنين من الطبقة العاملة، مثل فنيي الكهرباء، والنجارين، استخدام الأموال التي يكسبونها من الانفتاح الاقتصادي في عهد السادات «ليصبحوا من منتجي شرائط الكاسيت».

«من بين خمسة آلاف كاتب، رأى إبراهيم المصباح، المشرف على إنتاج الأعمال الموسيقية لاتحاد الإذاعة والتلفزيون في تلك الفترة، أن عشرة فقط بإمكانهم تأليف أغانٍ مناسبة».

أندرو سايمون
مؤلف كتاب «إعلام الجماهير: ثقافة الكاسيت في مصر الحديثة».

يعيد «سايمون» طبع رسم كاريكاتوري نُشر في عام 1983، بمجلة «روزا اليوسف» السياسية الأسبوعية، تحت عنوان «يا أهل المغنى.. دماغنا وجعنا» المقتبسة من قصيدة للشاعر بيرم التونسي في الأربعينيات. وكانت العبارة في الأصل موجهة إلى المطربين العاطفيين بشكل مفرط، ولكنها خاطبت في هذه الحالة اللاحقة الفنانين الأقل شأنًا الذين تصيب كلماتهم «المفرغة من المعنى»، المستمعين بالصداع.

نهر بلا ضفاف

ويقتبس مؤلف الكتاب أيضًا من الدكتور أحمد هيكل، وزير الثقافة المصري بين عامي 1985 و1987، قوله: «الفن بلا التزام مثل نهر بلا ضفاف.. في النهاية يقود إلى الغرق». وبحسب «هيكل»، يرتكب المسؤولون عن غمر المصريين بفن «مبتذل غير هادف» أكثر من ذنب، وذلك بـ«تخليهم عن التزامهم بحماية قيم، وأخلاق، وأذواق مواطنيهم، واستغلال مناخ الحرية، والانفتاح الاقتصادي في عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات، لتقديم ضحكات رخيصة يطلقون عليها اسم الفن».
ومن بين خمسة آلاف كاتب، رأى إبراهيم المصباح، المشرف على إنتاج الأعمال الموسيقية لاتحاد الإذاعة والتلفزيون في تلك الفترة، أن عشرة فقط بإمكانهم تأليف «أغانٍ مناسبة»، كما يخبرنا «سايمون» في كتابه.

هذا الموقف من إبراهيم المصباح، والنخب الثقافية الأخرى من أمثال الفنان محمد عبد الوهاب الذي ساعد الإذاعة في تحديد من تستحق أعمالهم البث، أجبر من لم يحالفهم الحظ في العمل مع الإذاعة والتلفزيون، على إيجاد طرق أخرى لبث أعمالهم، بحسب المؤلف.

«هذا الموقف من إبراهيم المصباح، والنخب الثقافية الأخرى، أجبر من لم يحالفهم الحظ في العمل مع الإذاعة والتلفزيون، على إيجاد طرق أخرى لبث أعمالهم

أندرو سايمون  

ويتطرق «سايمون» كذلك إلى موقف نادر للكاتب المصري الراحل نجيب محفوظ، من أحمد عدوية، أحد رواد الموسيقى الشعبية في مصر. يقول مؤلف الكتاب الذي بين أيدينا، إن الروائي الحائز على جائزة نوبل، انتقد في بعض الأحيان، موسيقى «عدوية»، ووصفها بـ «التفاهة» و«الفظاظة»، لكن في لحظات أخرى، اعترف الروائي الشهير بـصوت «عدوية» «القوي والشجي» واستدعى العديد من أغانيه بارتياح، متمنيًا فقط لو أن كلماتها «كانت ذات مغزىً أكبر».

أمضى «سايمون» عامًا في مصر، في زمالة بـ«مركز الدراسات العربية بالخارج» التابع للجامعة الأمريكية بالقاهرة، حيث شهد سقوط الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك عام 2011.

لماذا أشرطة الكاسيت؟

ويشرح المؤلف، في مطلع الكتاب، سبب قراره الكتابة عن مصر من زاوية أشرطة الكاسيت، ويقول: «استخدم كارل إبسن السجائر، لإلقاء ضوء جديد على المجتمع الإيطالي في القرن العشرين، واستخدمت كيري روس الكاميرا، لتفكيك الأنشطة اليومية في اليابان، واستغلت ماري غايتان مشروب التكيلا لرسم صورة لشعار وطني في المكسيك. وفي ذات الوقت، وفي مجال دراسات الشرق الأوسط، قام الأكاديميون بتفصيل الحياة الاجتماعية لزيت الزيتون، وأحد التماثيل القديمة، وحجر مرغوب فيه، في عصور سيادة الإمبراطوريات».

ويعمل «سايمون» حاليًا، كمحاضر وباحث مشارك في دراسات الشرق الأوسط بكلية دارتموث، في نيو هامبشير بالولايات المتحدة.

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى