أخبار وتقارير

الجامعة اللبنانية توقف خدماتها التعليمية «قسريًا».. والاعتداء على الأساتذة يؤجج الإضراب

تعيش الجامعة اللبنانية، راهنًا، مرحلة توقف «قسري» عن تقديم خدماتها التعليمية للطلاب، بسبب الإضراب الشامل للأساتذة، احتجاجًا على عدم زيادة الموازنة السنوية للجامعة الحكومية الوحيدة في البلاد، وكذلك عدم صرف المستحقات المتأخرة للعاملين.

وما فاقم الوضع، هو تعرض عدد من أساتذة الجامعة، إلى اعتداء من جانب قوى أمنية، الأسبوع الماضي، خلال اعتصام نظّمته رابطة الأساتذة، ما أثار غضبًا أكاديميًا، وعزز الدعوات المنادية بمواصلة الاحتجاج، مع مطالبة الجهات الرسمية بتقديم اعتذار رسمي عن هذه الاعتداءات.

أحد الذين طالهم هذا الاعتداء الأمني، هو مجتبي مرتضى، العضو التنفيذي برابطة أساتذة الجامعة اللبنانية، وذلك خلال مشاركته في الوقفة الاحتجاجية التي نظمها الأساتذة على طريق القصر الجمهوري، وهو ما دفع «مرتضى»، مع عشرات الأساتذة، إلى إعلان مواصلة الإضراب، وتصعيد الموقف الاحتجاجي بتنظيم اعتصام أمام مقر وزارة التربية والتعليم.

الاعتداء على أساتذة بالجامعة اللبنانية

ويقول الأكاديمي اللبناني في اتصال هاتفي مع «الفنار للإعلام» إن تعرض الأساتذة للضرب «إهانة للدولة والوطن، وانعكاس أشمل لتصور السلطة اللبنانية الحالية تجاه آخر حصن باق في لبنان». وأضاف «مرتضى»، وهو أستاذ بكلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية بالجامعة، أن «المعركة، اليوم، هي معركة بقاء واستمرار الجامعة، وبالتالي فإن المشاركة فيها واجب وطني وإنساني».

«ليس طبيعيًّا أن تُدفع الجامعة سنويًّا إلى التوقف القسري عن العمل، لانشغالها بالمطالبة بأمور وحقوق يفترض أن تسلك طريقها بسلاسة، كما يحدث في كل جامعات العالم.”

بسام بدران
رئيس الجامعة اللبنانية

ودخل أستاذ العلوم السياسية، منذ ثلاثة أسابيع، في إضراب عن العمل، مع المئات من أساتذة الجامعة اللبنانية، وسط مساعٍ للتصعيد من أجل «حماية وجود الجامعة واستمراريتها». ويقول إنهم يحاولون استدراك ما يمكن استدراكه قبل ضياع العام الجامعي، وتدمير الجامعة، بحسب تعبيره. وفي نبرة تحذيرية، يوضح أن «وجود الجامعة صار على المحك، في ظل الفترة الصعبة التي يعيشها لبنان راهنًا».

غياب احتياجات العملية الدراسية

ويفسر الأكاديمي اللبناني، قرار التوقف القسري عن العمل، بعدم إمكانية العودة الآمنة للممارسة التعليمية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة حاليًا، ووسط غياب كل احتياجات العملية الدراسية بالجامعة، وضبابية الرؤية حول أفق حلحلة الواقع، وغياب أية إشارات إيجابية بخصوص الوضع.

بدوره، يقول بسام بدران، رئيس الجامعة اللبنانية، في تصريح لـ«الفنار للإعلام» إن ملف زيادة أجور الأساتذة المتعاقدين، وتسوية أوضاعهم، تم تحويله إلى مجلس الوزراء منذ بضعة أشهر، لكن الملف لم يُدرَج على جدول أعمال أي جلسة وزارية طيلة الفترة الماضية، وحتى اليوم، بسبب الأزمة المالية التي تشهدها البلاد.

ويضيف رئيس الجامعة، أنهم تمكنوا، خلال الأسابيع الماضية، من توقيع اتفاقيات مع بعض المؤسسات الدولية المانحة، لكنه يقول إن هذا الدعم «المؤقت» لن يسمح باستمرارية العمل في الجامعة، التي تأسست في العام 1951، مشددًا على أنه لا بديل عن الدعم الحكومي، وخاصة في ملف الأساتذة المتعاقدين.

86 ألف طالب

ويبلغ عدد طلاب الجامعة اللبنانية، نحو 86 ألف طالب، يدرسون في 19 كلية، وثلاثة معاهد متخصصة، عبر 76 فرعًا تنتشر بأنحاء لبنان كافة. ويصل عدد أعضاء هيئة التدريس إلى نحو 1650 أستاذًا متعاقدًا، وقرابة 3320 أستاذًا، و2500 موظف إداري. ووفق رئيس الجامعة، فقد انخفضت موازنتها السنوية إلى حوالي 12 مليون دولار، من أصل 265 مليون دولار كانت إدارة الجامعة قد طالبت بها الحكومة في بداية العام الدراسي الجاري.

أساتذة بالجامعة اللبنانية خلال فعالية تضامنية مع مطالب المحتجين (الجامعة).
أساتذة بالجامعة اللبنانية خلال فعالية تضامنية مع مطالب المحتجين (الجامعة).

ولا تقتصر الفعاليات الاحتجاجية على أساتذة الجامعة اللبنانية وحدهم، دون إدارتها، فقد شهد مبنى الإدارة المركزية بالجامعة، وقفة تضامنية، يوم الثلاثاء، 5 نيسان/أبريل 2022، كانت قد دعت إليها رابطة الأساتذة المتفرغين، وشارك فيها وزير الثقافة محمد وسام المرتضى، ووزير الإعلام زياد مكاري.

وفي كلمته أمام المشاركين، قال «بدران» إن الجامعة «أسيرة» منذ عام 1997، وهو التاريخ الذي «صودرت فيه صلاحياتها الأساسية، وصارت كل متطلباتها عرضة للتجاذبات والاستثمارات التي لا تمت إلى الضرورات الأكاديمية بأي صلة»، معتبرًا أن محاصرة الجامعة، ماليًّا عبر موازنتها، ووظيفيًّا عبر منعها من تلبية حاجاتها، «اعتداء على حق الطالب في التعليم».

«خرق لاتفاق الطائف»

واعتبر بسام بدران أن الحل الجذري لما تمر به الجامعة اليوم هو إعادة الصلاحيات كاملة إليها. مشيرًا إلى أن هذه الصلاحيات التي أعطيت للجامعة بقانون سُحبت منها بقرار. وأضاف: «وبقرار مماثل يمكن للجامعة إعطاء الجميع حقوقهم، وفق أعلى المعايير الأكاديمية مع الحفاظ على متطلبات الوفاق الوطني».

«الجامعة اللبنانية أنفقت كل مواردها المخبرية والبحثية للدفاع عن صحة المواطن، ومع ذلك لم تستطع حتى الحصول على حقوقها البالغة 50 مليون دولار، رغم صدور قرار واضح عن مدعي عام ديوان المحاسبة»

بسام بدران  

وفي نبرة غاضبة، واصل الحديث بالقول إن أساتذة الجامعة، ومسؤوليها، سمعوا من الجميع أنهم يدعمون استقلال الجامعة، ويريدون دعمها، لكن الواقع لا يشي بذلك. وأضاف أنه يجب التذكير بأن عدم تعزيز الجامعة اللبنانية هو «خرق واضح للطائف (اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية في أيلول/سبتمبر 1989) الذي نص صراحة على تعزيز دورها».

وقال رئيس الجامعة إن المطالب التي ينادون بها، اليوم، قديمة ومستجدة. وأوضح أن تحقيق هذه المطالب مرّ بوعود إيجابية لم تر النور، مضيفًا: «ليس طبيعيًّا أن تُدفع الجامعة سنويًّا إلى التوقف القسري عن العمل لانشغالها بالمطالبة بأمور وحقوق يفترض أن تسلك طريقها بسلاسة كما يحدث في كل جامعات العالم».

تاريخ الأزمة

وعن تاريخ الأزمة، أشار رئيس الجامعة اللبنانية إلى أن أساتذتها يطلقون الصرخات، منذ سنوات، لإزالة الغبن اللاحق بها، بل ويشعرون أنها مستهدفة في استمراريتها وديمومة عملها، رغم أنها تصدرت المواجهة عندما داهم الوطنَ، خطرُ جائحة كورونا، وسقط لها شهداء في هذه المواجهة، وأنفقت كل مواردها المخبرية والبحثية للدفاع عن صحة المواطن، ومع ذلك لم تستطع حتى الحصول على حقوقها البالغة 50 مليون دولار رغم صدور قرار واضح عن مدعي عام ديوان المحاسبة، بحسب تعبيره.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وفيما حيا بسام بدران، موقف عباس الحلبي، وزير التربية والتعليم العالي، المؤيد لقضايا الجامعة، قال عامر حلواني، رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الاساتذة المتفرغين، إن الجامعة اللبنانية «في خطر شديد»، متسائلًا: «ما هي الصورة التي نقدمها للأجيال المقبلة؟، ألّا يتعلموا؟ لأن العلم يوصل إلى الشِحادَة؟».

واستنكر «حلواني»، الموازنة التي رُصدت للجامعة هذا العام، معتبرًا أنها لم تكن كافية للرواتب والأجور، بل وحتى الأمور التشغيلية التي تزيد يومًا بعد يوم. وفي ختام كلمته، قال رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين بالجامعة، إن «المحاصصة السياسية والمذهبية» هي السبب وراء تأخر ملف تعيين العمداء من أربع سنوات.

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى