أخبار وتقارير

عن الحرب ورحلة العبور من الموت العشوائي.. طلاب جزائريون يروون لـ«الفنار للإعلام» قصصهم في أوكرانيا

على وقع زخات الرصاص، ودوي الانفجارات، وصافرات الإنذار بالخطر، يعيش طلاب الجزائر في أوكرانيا، ساعات صعبة، وخاصة في أعقاب الإعلان عن مقتل طالب جزائري بمدينة خاركيف الأوكرانية، في السابع والعشرين من شباط/فبراير الماضي، الأمر الذي جعلهم يكررون مطالبة سلطات بلادهم بالتعجيل في مساعي ترحيلهم.

مقتل الجزائري محمد طالبي

وفيما يشن الجيش الروسي، منذ الخميس الماضي، حربًا في الأراضي الأوكرانية، وسط إدانة دولية واسعة، أعلنت السلطات الجزائرية، الأحد الماضي، مقتل الطالب محمد طالبي (25 عامًا)، الذي درس هندسة الطيران، بمعهد تعليم الطيران، في جامعة خاركيف شرق أوكرانيا.

وكان الطالب، الذي ينتمي لعائلة من ولاية تلمسان غرب الجزائر، قد أنهى دراسته العام الماضي، غير أنه اكتشف وجود خطأ في الاسم بشهادة التخرج التي وصلته بريديًا في الإمارات حيث كان يقيم مع أسرته. ذهب الطالب إلى أوكرانيا لتصحيح الخطأ، لكنه فوجئ بعد أيام من وصوله باندلاع الحرب التي غيرت خططه إلى الأبد.

ويقول عبد الحفيظ طالبي، والد الفقيد في تصريح لـ«الفنار للإعلام»، إنه كان من الصعب على نجله السفر، نتيجة القصف المكثف الذي شهدته الأراضي الأوكرانية، ما وضع الطالب الشاب في قائمة ضحايا الحرب. ووفق «طالبي»، فإن العائلة بانتظار تسلم جثمان الفقيد عندما تتوقف أعمال القتال.

«أحتمي مع 32 طالبًا جزائريًا في خنادق تحت الأرض. الوضع أصبح مقلقًا للغاية بعدما عرفنا بخبر مقتل الطالب محمد طالبي، ونأمل في سرعة تنسيق السلطات الجزائرية من أجل نقلنا إلى أماكن آمنة».

سليم الخضاري
طالب جزائري يدرس الصيدلة في أوكرانيا

شهادات طلابية من أوكرانيا

وعن الحرب، وما تجره من موت عشوائي، يروي طلاب جزائريون في أوكرانيا لـ«الفنار للإعلام»، قصص الفزع التي يعيشونها كما يليق بغرباء في بلد منكوب. ويعول كثير من هؤلاء على ما يمكن أن تقدمه السلطات الجزائرية لهم عبر التعجيل بمساعي الإجلاء والترحيل إلى وطنهم في أقرب وقت ممكن.

ويقول سليم الخضاري، طالب الصيدلة في كييف، إن الوضع أصبح «مقلقًا للغاية»، بعدما عرف الطلاب بخبر مقتل الجزائري محمد طالبي. ومن داخل خنادق تحت الأرض يحتمي بها، مع 32 طالبًا جزائريًا آخرين، يأمل الطالب الجزائري في سرعة تنسيق سلطات بلاده من أجل نقلهم إلى أماكن آمنة، أو تهريبهم إلى دوار الجوار الأوكراني.

أما بلال شية، طالب الدكتوراه في الفيزياء الطبية بأوكرانيا، فيحكي قصة دخوله، ليل السابع والعشرين من شباط/فبراير الماضي، رفقة خمسمائة من الطلاب الجزائريين والعرب، الحدود البولندية.

وفيما يقول «شية» إنهم يعيشون حاليًا في أحد الملاجئ، يشير إلى الوضع المادي الصعب للمئات من طلاب الجزائر الذين كانوا معه، حال دون قدرتهم على التنقل إلى أقصى الحدود الأوكرانية مع بولندا، أو رومانيا. ويوضح أن سيارات الأجرة «استغلت تفاقم الأوضاع، ورفعت أسعار الانتقال، وخاصة مع الضغط الرهيب على وسائل النقل الجماعي، مثل الحافلات والقطارات، ومنحها الأولوية في التنقل للأوكرانيين».

https://www.bue.edu.eg/
الطالب الجزائري محمد طالبي (25 عامًا)، الذي درس هندسة الطيران، بمعهد تعليم الطيران، في جامعة خاركيف شرق أوكرانيا. (الصورة عبر فيسبوك).
الطالب الجزائري محمد طالبي (25 عامًا)، الذي درس هندسة الطيران، بمعهد تعليم الطيران، في جامعة خاركيف شرق أوكرانيا. (الصورة عبر فيسبوك).

ويتابع بلال شية، الذي كان يقيم قرب مطار كييف، وشهد اللحظات الأولى لاستهدافه عسكريًا من الجيش الروسي، أنه قرر، عندما تصاعدت الأحداث، الابتعاد عن الأماكن الساخنة، والهروب إلى أقصى الغرب الأوكراني.

ويصف الأجواء في تلك اللحظة بالقول إن الرعب كان يسود المكان. ويضيف: «رأيت الأوكرانيين كبارًا وصغارًا يهرولون نحو الخنادق بمجرد سماع صافرات الإنذار. أما نحن الطلاب الأجانب، من الجزائريين وغيرهم، فقد انتابتنا الحيرة. ولم نجد سوى الاتصال بالسفارات التي كان ردها في الغالب: اصبروا.. سنجد حلًا.. ابقوا على تواصل معنا».

وأمام تلك المعطيات غير المسبوقة، قرر الطلاب، من تلقاء أنفسهم – والكلام لبلال شية – الهروب نحو الحدود البولندية والرومانية، لكونها مناطق آمنة في ذلك الوقت. وهرع الطلاب إلى محطات القطارات والحافلات العامة، في رحلتهم نحو الحدود، ولم تكن سيارات الأجرة خيارًا مناسبًا لأوضاعهم المادية الصعبة، وخاصة بعدما رفعت أسعارها إلى الضعف.

سيرًا على الأقدام

بلغ الطلاب الحدود بعد جهد كبير. ويتابع بصوت متعب: «قبل خمسين كيلومترًا من الحدود الأوكرانية البولندية، اضطر المئات من الطلاب إلى السير على الأقدام حتى معبر سيغيني الحدودي، وسط درجات حرارة متدنية للغاية، وفي ظل تساقط مستمر للثلوج». والملجأ الذي يقيم به الطالب بلال شية، يحمل نفس اسم المعبر، وهو مخصص لإيواء اللاجئين الأوكرانيين والأجانب لمدة تسعين ساعة، حتى يجدوا حلًا للإقامة في بولندا، أو الإجلاء إلى أي بلد آخر، بالتنسيق مع مسؤوليها.

«الوضع المادي الصعب للمئات من طلاب الجزائر الذين كانوا معي، حال دون قدرتهم على التنقل إلى أقصى الحدود الأوكرانية مع بولندا، أو رومانيا. سيارات الأجرة استغلت تفاقم الأوضاع، ورفعت أسعار الانتقال، وخاصة مع الضغط الرهيب على وسائل النقل الجماعي، مثل الحافلات والقطارات، ومنحها الأولوية في التنقل للأوكرانيين».

بلال شية
طالب دكتوراه في الفيزياء الطبية بأوكرانيا

ويكرر «شية» مطالبه بضرورة التدخل العاجل لتخفيف معاناة الطلاب الجزائريين، والتعجيل بترحيلهم، ومساعدة من لم يخرجوا بعد من أوكرانيا، في الوصول إلى بولندا، أو رومانيا. ويقول: «أغلب الطلاب لا يملكون حتى قيمة التنقل».

وجهة تعليمية مفضلة

وفق عبد الرحيم سامر، عضو الاتحاد العام الطلابي الحر في الجزائر، فإن عدد الطلاب الجزائريين بجامعات أوكرانيا يبلغ 1900 طالب. ويشير «سامر»، وهو مالك مكتب «زدني» للتسجيل بالجامعات الأوكرانية، إلى تفضيل طلاب الجزائر، أوكرانيا كوجهة تعليمية في الدراسات العليا، أو التسجيل الجامعي للمرة الأولى.

ويقول في تصريح لـ«الفنار للإعلام» إن دراسة الطب، والصيدلة، على رأس التخصصات التي يسجل بها طلاب الجزائر لدى الجامعات الأوكرانية. ويضيف أن من بين التخصصات المفضلة في أوساط الطلاب: التخصصات الفلاحية، والتغذية، وهندسة الطيران، والتكنولوجيا بمختلف فروعها.

على الصعيد الرسمي، وبالإضافة إلى تسيير رحلة جوية، الخميس، 03 آذار/مارس 2022، إلى رومانيا لإجلاء طلابها الفارين من الحرب في أوكرانيا، دعت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية، مواطنيها إلى «توخي أقصى درجات الحيطة والحذر، والالتزام التام بتوجيهات وإرشادات الأمن والسلامة المعمول بها».

https://www.bue.edu.eg/

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

كما أوصت الوزارة طلابها ومواطنيها بالبقاء على تواصل دائم مع سفارة الجزائر في كييف بالنسبة لمن هم داخل أوكرانيا، والتواصل مع البعثات الدبلوماسية في وارسو، وبوخارست، بالنسبة لمن تمكنوا من عبور الحدود نحو بولندا ورومانيا، مؤكدة حرص السلطات على العمل، في ظل الظروف الصعبة، من أجل تنظيم عمليات إجلاء نحو الجزائر.

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى